على مدى سنوات حكمه، شكّل الملف النووي لكل من كوريا الشمالية وإيران اختباراً حقيقياً للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. سعى ترامب إلى تحقيق إنجازات كبرى تُعيد واشنطن إلى مركز القوة العالمية، لكنه وقع في فخ النرجسية السياسية التي جعلته يقدّم صورة الاستعراض الإعلامي على حساب النتائج الميدانية والعمق الاستراتيجي.
في قمة سنغافورة التاريخية عام 2018، صافح ترامب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون وسط أضواء الكاميرات واحتفالات إعلامية ضخمة، وأعلن أن بإمكانه “إنهاء أخطر ملف نووي في العالم”. لكن الواقع على الأرض كان مختلفاً تماماً. لم تُترجم تلك اللقاءات إلى اتفاقات فعلية قابلة للتنفيذ، ولم يتم نزع السلاح النووي الكوري الشمالي بشكل حقيقي. وعندما عادت بيونغ يانغ في 2019 إلى استئناف تجاربها النووية والصاروخية، تبيّن أن القمة لم تحقق سوى نجاح رمزي مؤقت، دون أي نتائج ملموسة على الأرض.
والآن عندما شن ترامب ضربة عسكرية على منشآت نووية إيرانية حساسة في فوردو ونطنز وأصفهان، معلناً أن تلك الضربة أعادت إيران إلى الوراء ودمرت برنامجها النووي، واصفاً إياها بأنها من اهم العمليات العسكرية في التاريخ. غير أن التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن المنشآت لم تُدمّر بالكامل، ما يعني أن الضربة كانت جزئية وتأثيرها محدود ، وأن أيران بإمكانها العودة إلى التخصيب في غضون أشهر ، بعد إصلاح الأضرار البسيطة التي لحق بالبنى التحتية لمنشآتها النووية وإعادة تنصيب أجهزة الطرد المركزي المتطورة ، والتي نجحت في نقلها إلى أماكن سرية قبل الضربة بأيام. هذه الحقائق تكشف الفجوة الكبيرة بين ما يعلنه ترامب إعلامياً وبين ما يتحقق فعلياً ميدانياً.
ما يميز شخصية ترامب، وهو ما ينعكس في هذين الملفين، هو النرجسية السياسية التي تجعله يرفض الاعتراف بالفشل. فهو لا يكتفي بتحقيق النتائج، بل يحتاج إلى تحويل كل خطوة إلى استعراض إعلامي يُظهره على أنه القائد الحاسم والناجح. يفضل ترامب الصورة على الجوهر، والتغريدة على الوقائع، متجاهلاً أن خصومه لا يخشون التصريحات الإعلامية بقدر ما يخشون الواقع الميداني.
من كوريا الشمالية إلى إيران، تتكرر هذه الصورة: قرارات سياسية وعسكرية كبيرة تترافق مع ضجيج إعلامي واسع، ولكنها تفتقر إلى العمق الاستراتيجي والنتائج الدائمة. تضخيم النجاحات يُغلف في الكثير من الأحيان عجزاً حقيقياً في تحقيق الأهداف المرجوة.
في النهاية، يظل درس هذه التجارب أن القوة الحقيقية لا تُبنى على الاستعراض والتباهي الإعلامي، بل على التخطيط الاستراتيجي، التنفيذ الدقيق، والنتائج الواقعية التي تُغير قواعد اللعبة على الأرض. وترامب، بنمط قيادته النرجسي، اختار الطريق الأسهل للظهور، لكنه لم يتمكن من تحقيق تغيير جذري في ملف إيران ، كما تقول التسريبات الاستخباراتية عن ضربته الأخيرة ضدها.