9 أبريل، 2024 12:49 م
Search
Close this search box.

ترامب الأمريكي يضرب بيد من حديد و العبادي العراقي بأمر بريمر الأمريكي يقف مكتوف الأيدي

Facebook
Twitter
LinkedIn

أصدر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في يوم 27 كانون الثاني الماضي قرارا ً تنفيذيا ً قال إنه يهدف إلى منع وصول الإرهابيين الإسلاميين إلى الولايات المتحدة، و بعد 4 أيام في يوم 31 من الشهر نفسه قام ترامب بأقالة المدعي العام الأمريكي (الذي يشغل منصب وزير العدل الأمريكي) من منصبه لرفضه تطبيق القرار، و قام بتعيين بديلا ً عنه. وأعلن البيت الأبيض تعقيبا ً على قرار الإقالة بأن المدعي العام (وزير العدل) خان وزارة العدل برفضه تطبيق قرار قانوني للرئيس الأمريكي يرمي لحماية مواطني الولايات المتحدة.
المدعي العام في الولايات المتحدة الأمريكية يشغل منصب وزير العدل و هو المسئول التنفيذي للرئيس الأمريكي لتطبيق القانون و إقامة العدل، و على المدعي العام أن ينفذ قرارات رئيسه و ليس التمرد عليه أو إعطائه الأذن الطرشة.
عندما جاء بريمر الأمريكي إلى العراق كحاكم له في زمن الإحتلال الأمريكي، أصدر أمر سلطة الإئتلاف المؤقتة رقم 35-18/أيلول/2003 (بعنوان: إعادة تشكيل مجلس القضاء) شرع فيه بفصل الإدعاء العام و مجلس القضاء من وزارة العدل و دمج الإدعاء العام ضمن مجلس القضاء بإسم مجلس القضاء الأعلى، و جعله كيان مستقل بعمله، بإدعاء إن ذلك يحقق إستقلال القضاء و إن إرتباطهما بوزارة العدل لا يحقق إستقلال القضاء. و لاحقا ً تم تضمين هذا الإجراء في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تحت شعار إستقلال القضاء. و بهذا الإجراء فقد رئيس الوزراء العراقي صلته و سيطرته على المدعي العام العراقي (يسمى في العراق رئيس الإدعاء العام) و بذلك لم يعد لرئيس الوزراء العراقي مسئول تنفيذي لتطبيق القانون و إقامة العدل كما هو حال الرئيس الأمريكي الذي يستطيع أن يضرب بيد من حديد على كل من يمس أمن دولته.
في 31/7/2015 إنطلقت تظاهرات 2015 للمطالبة بتحسين واقع الخدمات و مكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين. و على إثر ذلك أمر رئيس الوزراء بتخفيض الأجور التي يتقاضاها كبار المسؤولين في الرئاسات الثلاث و تخفيض حصص الكهرباء المدعمة المخصصة لبيوتهم.
في 7/8/2015 طالبت المرجعية الدينية رئيس الوزراء أن لا يكتفي ببعض الخطوات الثانوية التي أعلن عنها و أن يكون أكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية و أن يضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب. و على إثر ذلك صرح العبادي بأنه ملتزم بتوجيهات المرجعية و تعهد بالإعلان عن خطة شاملة للإصلاح والعمل على تنفيذها و دعا القوى السياسية الى التعاون معه في تنفيذ برنامج الاصلاح.
و على أرض الواقع عندما أراد رئيس الوزراء تنفيذ طلب المرجعية بالضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب وجد أن المدعي العام العراقي، الذي واجبه تطبيق القانون و إقامة العدل، لا يتبع له بل يتبع لمجلس القضاء الأعلى و بالتالي ليس له سلطة عليه، أي وجد نفسه لا يمتلك الوسيلة التنفيذية لمحاسبة الفاسدين مثل الرئيس الأمريكي، فقام بدلا ً من الضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب بتقديم حزمة إقتراحات لغرض الإصلاح، و هي في حقيقتها لا تمس جوهر القضية، إلى مجلس النواب التي صادق عليها في 11/8/2015. كما صادق مجلس النواب في نفس اليوم على حزمة إقتراحات برلمانية قال إنها مكملة لمقترحات رئيس الحكومة و التي من ضمنها مطالبة مجلس القضاء الأعلى بتقديم ورقة اصلاح قضائي بما يضمن تأكيد استقلال القضاء وعدم تأثره بالضغوط السياسية (و هذا إعتراف ضمني من قبل البرلمان بأن القضاء يخضع للضغوط السياسية و ليس مستقلا ً).
و للخروج من هذا الطريق المسدود طلبت المرجعية الدينية في 14/8/2015 إصلاح القضاء، و بعد ساعات من هذا الطلب، في نفس اليوم، طلب رئيس الوزراء من القضاء إتخاذ إجراءات جذرية لمجاراة الاصلاحات التي اقرتها الحكومة والبرلمان.
و هنا وجد الفاسدون أنفسهم في خطر بأن يحاسبوا على سرقاتهم فأثاروا ضجة حول ما يسمىى إستقلال القضاء و أنه لا يجوز لأحد أن يتدخل في عمل القضاء لأن ذلك يعتبر خرق للدستور. و لسد الطريق أمام رئيس الوزراء لتنفيذ طلب المرجعية له بأن يضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب، صوّت مجلس النواب في 2/11/2015 على دعم إصلاحات رئيس الوزراء على أن تكون وفق الدستور بالفصل بين السلطات لتنفيذها. أي بكلمة أخرى، على رئيس الوزراء أن لا يطلب من القضاء، و الأدق أن لا يطلب من رئيس الإدعاء العام، إتخاذ أي إجراء بحق الفاسدين بل يترك الموضوع سائبا ً.
و على إثر ذلك دعت المرجعية الدينية في 6/11/2015 على ضرورة أن تسير الاصلاحات بمسارات لا تخرج بها عن الاطر الدستورية والقانونية، و التأكيد على أنه لا ينبغي أن يتخذ لزوم رعاية المسار الدستوري والقانوني وسيلة من قبل السلطة التشريعية (مجلس النواب) او غيرها للالتفاف على الخطوات الاصلاحية او التسويف و المماطلة للقيام بها استغلالاً لتراجع الضغط الشعبي في هذا الوقت. و في نفس هذا اليوم، بعد دعوة المرجعية هذه، سارع رئيس مجلس النواب الإعلان بأن دعوة المرجعية الدينية هذه تعد دعما ً لورقة الاصلاحات البرلمانية وضرورة عدم تعارضها مع الدستور العراقي الذي كان السيد السيستاني من أول المصرِّين على كتابته والتصويت عليه عام ٢٠٠٥. و الحقيقة فإن هذا الإعلان لرئيس مجلس النواب يخص الجزء الأول من دعوة المرجعية الدينية (ضرورة أن تسير الاصلاحات بمسارات لا تخرج بها عن الاطر الدستورية والقانونية)، أما الجزء الثاني من دعوة المرجعية الدينية (التأكيد على انه لا ينبغي ان يتخذ لزوم رعاية المسار الدستوري والقانوني وسيلة من قبل السلطة التشريعية (مجلس النواب) او غيرها للالتفاف على الخطوات الاصلاحية او التسويف والمماطلة للقيام بها استغلالاً لتراجع الضغط الشعبي في هذا الوقت) فإن رئيس مجلس النواب أعطاه الإذن الطرشة لأن فيه دعوة لمحاربة الفاسدين بينما الجزء الأول فيه غطاء للفاسدين.
في 30/5/2017، أي بعد سنتين من تلك الأحداث أعلنت المحكمة الإتحادية العليا بأن قرار مجلس النواب بالمصادقة على حزمة إصلاحات رئيس الوزراء لا يعني تفويض صلاحيات مجلس النواب إلى رئيس الوزراء بل هو الموافقة على ما يكون منها متطابقا ً مع الدستور. أي العودة إلى نقطة البداية و التأكيد على الإنصياع إلى أمر بريمر الأمريكي الذي جرد رئيس الوزراء العراقي من الإدعاء العام، الذي هو وسيلته التنفيذية لتطبيق القانون و إقامة العدل و الضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب كما طلبت منه المرجعية الدينية، و ذلك لكي يبقى الفاسدون يصولون و يجولون في طول و عرض البلاد تحت مظلة ما يسمى إحترام الدستور. و هكذا نجد بأن الجميع في السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية يتحدثون عن ضرورة إحترام الدستور و لكن لا أحد منهم يتحدث عن إحترام حقوق الشعب العراقي و يسعى للضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب إحتراما ً و تطبيقا ً للدستور و خجلا ً من طلب المرجعية الدينية.
إن السكوت عن الفساد نتيجته الحتمية هو الخراب الذي يطال البشر و الحجر و لن يسلم منه أحد مصداقا ً لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ، هود 117).

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب