استلم الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب مسؤولية إدارة البيت الأبيض في وقت تحتاج فيه أمريكا إلى الصدمة لتفوق من حالة الوهن الذي أصابها بعد تداعيات حربها على العراق وما خلفته من انتكاسات على الصعيد الدولي والعربي، في وقت شهد العالم فيه عودة لبعض اللاعبين القدماء إلى ساحة الشرق الأوسط، المنطقة الأكثر اشتعالا في عالمنا اليوم.
ليس من السهل تقييم المرحلة الجديدة للإدارة الأمريكية ولم تمض على استلامها لمهامها سوى أسابيع، لكن الكثير من المتابعين والمحللين بنوا توقعاتهم على كونها مرحلة مختلفة في تاريخ الولايات المتحدة عن سابقتها من الإدارات، على الأقل في السنين الخمسين الماضية، وهذا يتطلب تغيير في آلية فهم وتقييم الاستراتيجيات وفق المعطيات الجديدة.
بداية ينبغي توضيح أمر ربما يُفهم بغير ما يعنيه المقال، وهو إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تعترف بأخطائها رسميا، ونحن نتكلم هنا عن قضية احتلال العراق، لكن ومن جانب آخر سنرى الكثير من الاعترافات على لسان مسؤولين أمريكان ربما تضع النقاط على الحروف، ليس بنية التكفير عن أخطائها قطعا، بل لأنها الطبيعة الامريكية التي تتعامل مع المتغيرات المرحلية بانفتاح، خاصة وإن ليس هناك أية تبعات قانونية تلاحقها، ولم يحدث أن حصل يوما.
في تصريح واضح لترامب فيما يخص التدخل الأمريكي في العراق قال بان “امريكا خرجت من العراق خالية الوفاض، بل وخسرت تريليونات الدولارات، كما خسرت أبناءها”، وفي تصريح آخر طالب بنفوط الدول التي تدخلت فيها امريكا، هل يمثل هذا استراتيجية جديدة لأمريكا في العراق؟ وهل تتقاطع هذه الاستراتيجية مع استراتيجيات اخرى في المنطقة؟ وهل ستتغير قواعد اللعبة في منطقة الشرق الاوسط؟ والأهم من كل هذا، ما هي استراتيجيتنا تجاه كل ذلك؟
بغض النظر عمن يقف وراء ترامب، ومن جاء به لقيادة أمريكا في هذه المرحلة، وكيف وصل لقمة الهرم الرئاسي الامريكي، فإن الطبخة هذه المرة مختلفة تماما عن سابقاتها، فالبحث عن خلفيات قرار جلبه للحكم والبحث في أوراقه القديمة لن يغير من الواقع شيئا، فالجميع يعلم بأن هناك لوبيات تتحكم في مثل هذه القضايا، كما لا يمكن لأحد ان يتوقع بأن الخير سيعم العالم، وإن ترامب جاء ليصحح أوضاعا مشبوهة بعصا سحرية، كله هذه أوراق محروقة، والبحث فيها مضيعة للوقت.
الحقيقة الجلية اليوم هي إننا أمام مرحلة جديدة، ليس المهم أن تكون جيدة أو أكثر سوءا، بل المهم كيف علينا استغلالها، فقبل أن يصل ترامب للبيت الابيض كان الناس قد وصلوا لمرحلة من اليأس القاتل، يأس من وجود تغيير، ولا نقل حل، فالبقاء على ذات الحال دون تغيير يفقد القضايا تأثيرها ويعدم الثقة بها.
هذا لا يعني الإيمان بقدرة ترامب على التغيير، أو اعتقادا بتصحيح أمريكا لأخطائها، أو ربما تكفير عن أخطاء سابقة، أبدا، فلازلنا نتكلم عن مخططات شيطانية لن تنتهي إلى يوم يبعثون، بل نتكلم هنا عن ماهية دورنا أمام التغيير المتوقع، وأن نطرح اسئلة تطرحها جميع المؤسسات الاستراتيجية والدولية التي ترى هذا التغيير دون أن تبحث في دهاليز السياسة الأمريكية عن معلومات تنفي أو تؤكد ما تذهب إليه دراساتهم من نتائج.
سنطرح هنا تساؤلاتنا التي سنحاول فيها أن نضع خطوطنا العريضة الموازية لاستراتيجية ترامب القادمة، ونقول; هل لنا القدرة على استغلال الوضع الجديد؟ هل بالإمكان بناء استراتيجية مواجهة تتلاءم والتغيير في استراتيجيات الاعداء؟ أم علينا تغيير التكتيكات وفق منظور مرحلي بانتظار المزيد من المتغيرات على الأرض؟
المهم من كل ذلك هو ضرورة مغادرة التشكيك بالاستراتيجيات الامريكية أو الإسرائيلية لأن عداءها لأمتنا مثبت بالفعل، ولا يمكن إعادة رد وقائعها كلما واجهنا مخططا جديدا، وينبغي ان نعلم بان المخططات الإسرائيلية هو واقع مفروض ليس علينا التعامل معه بالتأكيد، لكن على الأقل مواجهته باستراتيجيات جديدة لم يعفو عنها الزمان، والذهاب لبناء نظريات جديدة تتلاءم والتغيير القادم للمنطقة، بمعنى التحسب للقادم وليس انتظاره والتقوقع في المفاهيم القديمة.
العدو يطرح أفكاره بوضوح، مع وجود ما هو خلف الكواليس بالتأكيد، لكن لن نجعله عائقا في طرح المفاهيم الجديدة، خاصة ونحن نمتلك القدرة على قراءة ما بين سطور مخططات الأعداء، لذا ينبغي أن تكون الخطوة القادمة معرفة استراتيجيتنا نحن، وينبغي ان تكون مختلفة، فالحرب خدعة.