18 ديسمبر، 2024 9:58 م

تراجيديا السيد طالب الرفاعي

تراجيديا السيد طالب الرفاعي

اطلقت عليها تراجيديا باعتبار تعريفها الذي يعني الالم والحزن والمأساة ، والتي تأتي نهاية قصتها بموت البطل او الابطال ، وذلك ان السيد طالب الرفاعي وبسبب طول عمره امد الله في عمره بصحة وعافية وحرسه ورعاه ، لم يبقِ من ابطال روايته او اماليه بطلا حيا ، فهم جميعا انتقلوا الى الرفيق الاعلى رحمة الله عليهم اجمعين ، وقد تركوا (للسيد) صياغة تراجيديا حياتهم من وجهة نظره الشخصية ، وحسب انطباعاته الخاصة عنهم ، وهذا العنوان يأتي تجاوزا مع الاعتذار، على اسم الكتاب الذي نشره الباحث الدكتور رشيد الخيون بعنوان امالي السيد طالب الرفاعي.

كتاب امالي السيد طالب الرفاعي هو مجموعة املاءات السيد على المؤلف ، وقد نشرها بعد توبيبها وان تداخلت بعض احداثها بين الفصول لتداخل مواضيعها ، الا انها شكلت صورة جديدة للمذكرات السياسية التي ازدادت وتكاثرت في العراق في العقدين الاخيرين.

كان السيد طالب الرفاعي (الراوي او المملي) في هذا الكتاب ، وقد مثل دور البطل في اغلب القصص التي حكاها ، وكانها رواية الرجل الواحد ( (One Man Show، وكما يقول المثل الالماني (من منا لا يروي قصة ليس هو بطلها) ، ولكن السيد الجليل الرفاعي حمّل ذكرياته مقاطع جارحة بحق بعض الرموز العلمية والشهداء الخالدين ، وكنت اتمنى انها ما كانت ضمن الامالي ، مع احترامي لشخصه الكريم ، خاصة انها لو حذفت من المذكرات ما اثرت على سير الاحداث ، ومنها قوله في الصفحة 171 : (كثيرا ما كنت اتجاسر على السيد الصدر بحكم الصداقة المديدة بيننا ، لا اخفي اني كنت متسرعا فقلت بالحرف الواحد بحدة ، الان فكرتَ بالاسلام وتقول هذا ليس بمصلحة الاسلام ، او يضعف الاسلام ، هل كان في فمك عظم ، لماذا لم تتحدث من قبل عن ضعف الاسلام ، وكنت معك صباح مساء….).

هذا الحديث مع السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، يرويه الرفاعي وقد خمن حدوثه بين عامي 1961 او 1962 ، طبعا لو كانت للسيد طالب الرفاعي ذاكرة حديدية لا يمكن ان يتذكر كل كلمة قالها للشهيد الصدر منذ 52 عاما ، خاصة وانه لم يتذكر السنة بالضبط ، ولذا ان ينقل النقاش الذي دار بينه وبين الشهيد الصدر بهذه المفردات وبهذا النص يعتبر امرا معيبا بحقه قبل ان يكون معيبا بحق الشهيد الصدر.

وكذلك حكمه على السيد الشهيد محمد باقر الصدر : (بانه كان قليل الحيلة في السياسة) في الصفحة 271 ، او (ان الصدر لم يكن كائنا سياسيا) في الصفحة205 وكذلك : (ما دفعه الى الشهادة هو قلة تجربته وخبرته في السياسة) في الصفحة 205 .

 مع احترامي للسيد طالب الرفاعي وهو بمثابة عمي وقريب الى نفسي ، حيث اتصل بي اول يوم وصل فيه الى لندن هذا العام 2013 وتحدثنا لحوالي الساعة في الهاتف ، وقد طلب مني متكرما ان نلتقي ، لكن صروف الايام وظروف الزمان لم تساعدني لأوافيه والتقيه ، اكرر ومع احترامي لشخصه الكريم ، ان السيد طالب نقض ما قاله عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر في الصفحة 171 ، حين ذكر ان الملحق العسكري العراقي في القاهرة اعطاه ارقام صدام حسين على ان يتصل به متى ما احتاجه ، وحين جاء الى العراق اخبر السيد الشهيد الصدر بذلك وله النص : ( اتذكر اني اخبرت محمد باقر الصدر بما نقله لي الملحق العسكري العراقي بالقاهرة خضير غضبان بان صدام حسين عرف بقدومي الى العراق ، فأمر ان تعطى لي ارقام تلفوناته وانه اوصى ان ادخل عليه متى ما شئت ، الا ان موقف الصدر قد فاجأني عندما قال لي لماذا لم تذهب اليه ؟ فقلت له وماذا افعل به ؟ قال نقضي اشغال كثيرة بواسطة هذه العلاقة ، فاجبته اذا صار الامر معكوسا ستقولون سيد طالب فعلها ، لا لم اذهب الى صدام ، عموما سيد باقر قليل الحيلة…).

يؤكد السيد طالب ان السيد الشهيد الصدر اراد ان يخترق صدام ويصل اليه لتحقيق اشياء كثيرة او اشغال كثيرة كما جاء في النص ، ويبدو انه كان يجس نبض السيد طالب ، وهل هو اهل لهذه العملية الخطيرة ام لا ، ولكن السيد طالب وكما اخبرنا هو في اماليه ، خذل السيد الشهيد حين اجابه باسلوب بسيط لا ينم عن فهم سياسي (…) ، واذا صار الامر معكوسا ، ستقولون سيد طالب فعلها…!!

من هذا المنطلق وهو ان السيد طالب الرفاعي يعطي انطباعاته الشخصية في الكتاب ، وليس بالضرورة ان تكون هذه الانطباعات الشخصية موافقة اومتوافقة مع الواقع ، ومن خلال هذه الانطباعات الغير متوافقة ، احببت توضيح  قضية عمي المرحوم آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر الخاقاني الذي تناوله الكتاب عنوانا مع عناوين الغلاف البارزة وخصص له الفصل الخامس عشر من الصفحة 361 الى 374 بعنوان : ( الخاقاني المرجع العربي بايران).

يذكر السيد طالب الرفاعي عن دور الشيخ محمد طاهر الخاقاني في نجاح الثورة الايرانية في الصفحة 363 بالنص التالي : (الا دور الخاقاني في نجاح الثورة ظل مجهولا ، ومعلوم ان وقف النفط من الاهواز يعني لأيران شلل الاقتصاد ، وكم من فاعلين في الثورة من علماء الدين وغيرهم من القوى الاجتماعية ، غيبوا ولم يسلموا على انفسهم منها).

وقد حدد السيد حقا احدى اهم الادوار السياسية التي لعبها المرجع الخاقاني لنجاح الثورة في ايران وهي تحمل تكلفة رواتب عمال النفط حين نظموا اعتصامهم عن العمل ، مما عجل بسقوط الشاه ونجاح الثورة ، والامانة التاريخية توجب علينا ان نقول ان السيد الخميني بعث برقية مطولة الى الشيخ محمد طاهر الخاقاني يشكره على دوره في الثورة ونجاحها (تراجع الصفحة 210 من كتاب صحيفة نور الجزء السادس وتاريخ البرقية في 22 ربيع الأول1399 هجرية) ، اما مجموع برقيات السيد الخميني الى الشيخ محمد طاهر الخاقاني فتجدها في المجلد الثالث والسادس من كتاب صيحفة نور الذي يحتوي رسائل السيد الخميني وخطبه والمطبوع في طهران.

يقول السيد طالب في اماليه عن قضية المحمرة وهي المشكلة التي حدثت بين عمي الشيخ محمد طاهر الخاقاني والسيد الخميني ما نصه : (انتبه الشيخ محمد طاهر الخاقاني الى هذا الوضع ، باعتباره هو الزعيم الروحي لبلاد الاهواز ، فدفعه ذلك الى السفر الى مقابلة قائد الثورة السيد الخميني ، وعرض مطالب الشعب العربي عليه لتلبيتها).الصفحة364 ، وهذه قضية صحيحة مئة بالمئة ، وقد زار السيد طالب الرفاعي الشيخ الخاقاني في مقر سكناه ، معرفا بالشيخ الخاقاني (بانه كان بحرا في علم اصول الفقه لا يشق له غبار وليس له نظير ) الصفحة 365، وقد سمعت رأيه هذا في علم المرجع الخاقاني رحمه الله من اكثر من عالم متبحر ، لم يكن آخرهم العلامة الدكتور حسين علي محفوظ ، واتفق مع السيد طالب في هذه ايضا.

يستطرد السيد طالب الرفاعي ثم ينقل لنا انطباعاته عن الشيخ الخاقاني بالنص التالي: (نظرت في الوجوه العربية ، التي حوله ، واذا بينهم مَن لا يحبه ، وكنت اسمعهم يتحدثون ضده ونحن كنا بالكويت ، وهم من المعممين ، فقلت في نفسي : لا يا مسكين الشيخ طاهر ، فانا اعلم كم كان الشيخ بسيطا وطيبا ، والسياسة ليست كاره او شأنه ، فهو رجل عِلم ومعرفة…) ثم يستطرد الى ان يصل الى العنوان الرئيسي للفصل وهو (انه لولاه ما نجحت الثورة) الصفحة 366 ، ويذكر السبب مطيلا في الدور السياسي البارع للشيخ الخاقاني والذي (كسر ظهر نظام الشاه).