تقية الخطابات الإعلامية المتناقضة التي يكرسها نظام طهران تقوم على الاستهلاك المحلي لتخدير الشعب الإيراني داخليا، وعلى تلميع صورة إيران المهترئة خارجيا. عداء ملالي طهران المستحكم للسعودية ودول مجلس التعاون لا حدود له.
قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأسبوع الماضي في ندوة عامة “أعتقد أن الهجوم على السفارة السعودية في إيران نوع من الغباء والخيانة والحماقة”. يبدو أن السيد ظريف نسى (أو تناسى) أن القضاء الإيراني برأ ساحة 45 معتديا على مبنى السفارة السعودية في طهران من تهمة التخريب، بل يبدو أنه نسي أنه هو من اتهم السعودية في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز بـ“البربرية”.
في أواخر مارس 2016 أوعز الرئيس حسن روحاني إلى وزير خارجيته محمد ظريف بترتيب الأوضاع لفتح حوار مع السعودية. لم يتأخر ظريف كثيرا، فأقصى مساعده للشؤون العربية حسين عبداللهيان، المقرّب من الحرس الثوري، وعيّن مكانه حسين أنصاري الذي يُعتبر “صديقا” للدول العربية. ربما كانت طهران وقتها تسعى لإفساح المجال أمام جهود فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الدول العربية.
ولكن الحقائق على الأرض تثبت عكس ذلك. ففي نفس تلك الفترة، كانت طهران تمد الحوثيين بصواريخَ بالستية في اليمن. ظريف زعم وقتها (ربما من منطلق مذهبية التقية) أن خبر إرسال الصواريخ الإيرانية إلى اليمن “عار عن الصحة”. إلا أن قناة العالم الإيرانية- في تناقض واضح- تفاخرت بخبر الصاروخ الإيراني البالستي “زلزال 3” واعترفت صراحة بأنه انطلق من الأراضي اليمنية وسقط في مدينة نجران، وهذا ما يُكَذِب مزاعم “الظريف” ظريف.
نعم هي نفسها إيران التي أنشأت ومولت حزب الله اللبناني الذي تأسس على تقسيم الناس إلى طوائف. إيران هي التي تُحَرِض شيعة البحرين والكويت والسعودية واليمن ليعتنقوا الإرهاب والاعتداء على رجال الأمن وتخريب المرافق وسد الشوارع وتسييس شعائر الحج وحرق السيارات. هي نفسها طهران التي عقدت حلفا استراتيجيا مع تنظيم القاعدة وأوت عددا كبيرا من قادة التنظيم المتطرف. إيران نفسها التي أقنعت ضعاف النفوس أنها تسعى للتسلح بقنابل نووية، ما سيجعلها شرطي الإقليم ومن الدول العظمى.
إيران هي من أسست “حزب الله الحجاز”؛ أول منظمة إرهابية تستهدف منشآت اقتصادية داخل السعودية، حيث أضرم عناصر هذا الحزب النار في ميناء الجعيمة برأس تنورة في العام 1987. حزب الله الحجاز أيضا مسؤول عن تفجير شركة صدف البتروكيماوية في مدينة الجبيل السعودية، وتفجير مجمع سكني لموظفي سلاح الطيران في مدينة الظهران عام 1996، وأدى إلى مقتل 19 أميركيا وسعوديا وجرح 372 شخصا.
وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كشف المستور في اللقاء التلفزيوني الأسبوع الماضي، وأكد أن إيران تحاول السيطرة على العالم الإسلامي. الأمير محمد بن سلمان قال إن النظام الإيراني قائم على أيديولوجية متطرفة فكيف يمكن التفاهم معه؟ ونعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني.
تقية الخطابات الإعلامية المتناقضة التي يكرسها نظام طهران تقوم على الاستهلاك المحلي لتخدير الشعب الإيراني داخليا، وعلى تلميع صورة إيران المهترئة خارجيا. عداء ملالي طهران المستحكم للسعودية ودول مجلس التعاون لا حدود له.
مع احترامنا للطائفة الشيعية الكريمة، ولكن كل التقارير تؤكد تفاقم الأوضاع الاقتصادية في إيران، وتدحرج العملة الإيرانية، إضافة إلى تزايد معدلات الفساد والتضخم والبطالة واستحواذ الحرس الثوري وفيلق القدس على السلطة. رئيس اللجنة الإغاثية، برويز فتاح، صرح هذا الأسبوع أنّ أكثر من 11 مليون شخص يعيش تحت خط الفقر في إيران وأن الأرقام في تزايد بسبب الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد. الوضع الأمني في الداخل لا يبشر بالخير، خاصة بعد أن واجه الرئيس الإيراني حسن روحاني احتجاجات غاضبة من عائلات الضحايا لدى تفقده الأحد الماضي موقع منجم تعرض لانفجار أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 26 شخصا قبل أسبوعين من الانتخابات.
من ضمن تراجعات ظريف الأسبوع الماضي قوله أيضا “لو لم يتم الهجوم على سفارة المملكة في طهران لكان الوضع اليوم بطريقة مختلفة”. نعم هو نفسه “الظريف” الذي صرح في سبتمبر 2016 أن “السعودية تدعم الأيديولوجيا المتطرفة التي تشجع العنف”. الاعتداء وإرهاب الآخرين في عقل الولي الفقيه ونشر المذهب الجعفري الإثني عشري في جميع أنحاء العالم الاسلامي هي أساس الحكم في الإمبراطورية الإيرانية.
بعد كل هذا اللغط، لم يعد أحد يصدق ظريف طهران. نريد أفعالا وليس أقوالا.
نقلا عن العرب