الصورة الرابعة . ملحمة الصمود والمطاولة وكأس السم
يا گاع ترابچ كافوري … عل ساتر هلهل شاجوري *1
رد العراق على العدوان الإيراني المستمر بشن الحرب الواسعة في 1 ايلول 1980 . سمّاها العراق بــ ” القادسية الثانية ” تيمناً بالقادسية ألأولى بقيادة ابطال الاسلام زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضيَّ الله عنه وأرضاه . قائدهم سعد بن أبي وقّاص خال النبي محمد صلى الله عليه وسلّم .. قامت القوات العسكرية العراقية بكافة صنوفها الجوية والبرية والبحرية بالهجوم والتوغل داخل الحدود الإيرانية التي يبلغ طولها اكثر من ألف كيلو متر . كانت المبادءة للقوة الجوية العراقية لتحجيم القوة الجوية الإيرانية وشل وتعطيل معظم حركتها . سيطرت القوات العراقية البرية على الكثير من المدن والمراكز الادارية والعسكرية الإيرانية المهمة . الاسباب والدوافع ذكرناها في الصورة الثالثة . لا نريد ان ندخل في تفاصيل هذه الحرب بقدر وصفنا لها من الناحية السياسية والاجتماعية . على الصعيد المحلي والعربي والدولي . المستوى المحلي القيادة السياسية العراقية هَيّأت كل مستلزمات قرارها في هذه الحرب من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية ظمن الاطار الوطني دون الاعتماد على اي مصدر خارجي عربي او دولي . الاعتماد الرئيس على الذات . لكن لم تتوقع قيادة العراق السياسية او يجول بذهنها ان الحرب سيطول مداها الى هذه السنين الطويلة . بل كان المتوقع ان تدوم اسابيع او شهور وليس سنين ” أنها استحالت الى اقسى واعنف وادهى من الحرب المعروفة تاريخياً ” حرب اطول من الحرب العالمية الاولى والثانية . وهذه المسافة الزمنية الطويلة رتبت على العراق أمور كثيرة ليست في صالحه من نواحي كثيرة . العسكرية والمالية والاقتصادية و الاجتماعية . خسر العراق الكثير في هذه الجوانب وخسرت إيران اضعاف ما خسره العراق . صدر قرار من مجلس الامن في الاسبوع الاول للحرب يطالب الطرفين العراقي والايراني بوقف القتال والانسحاب واجراء مفاوضات حول موضوعها . وافق العراق على القرار لكن ايران لم توافق علىيه واستمرت في حالة الحرب . وهذا ترتب على ايران مسؤولية استمرار الحرب طيلة ثمان سنوات من الناحية القانونية الدولية . على الصعيد العربي قبل العراق بعروض الدول العربية والاسلامية في التوسط لإيقاف الحرب وكانت محاولات كثيرة ترفضها ايران . اضطر العراق بالاستعانة ببعض الدول العربية في ما ينقصه من عتاد واسلحة ومال . من هذه الدول ” مصر ” ارسل العراق وفداً الى الرئيس المرحوم محمد انور السادات يطلب تزويد العراق ببعض الاسلحة والعتاد . وافق السادات على الطلب العراقي شارطاً مقابل ثمن ” قائلا انها ملك للشعب المصري ” وهناك دول عربية تعاطفت مع العراق ودول عربية ظلت على الحياد ومهناك دول عربية أخرى انحازت للجانب الايراني وساعدته في احتياجاته العسكرية والمالية مثل ليبيا القذافي . الاردن من الدول العربية التي وقفت الى جانب العراق في حربه مع ايران رغم امكانياته المحدودة لكن لقيادته السياسية بشخص جلالة الملك المرحوم ” الحسين بن طلال ” كان لها الاثر الكبير محلياً وعربياً . في مرة كان الرئيس صدام حسين بصحبة الملك حسين في زيارة لجبهات القتال الخطوط الامامية . قام صدام بأطلاق قذيفة مدفع عيار ثقيل منحياً القداح ساحباً حبل القدح واطلاق القذيفة , طلب الملك الحسين أن يطلق قذيفة هو ايضاً وتم بالفعل اطلاقه القذيفة . عَقّبَ صدام مخاطباً الملك أن موقفك هذا سوف لن نعرضه في وسائل الاعلام ربما لا يكون في صالح الاردن , رد الملك على الرئيس لا بل أطالبكم بعرضه في وسائل الاعلام وليكن ما يكون وانا من يتحمل المسؤولية . موقف في غاية الجرأة والشجاعة , وفعلا تم عرضه من على شاشات تلفزيون بغداد وصحفها المحلية . الكويت كان موقفها سلبي ومتردد , كانت تخشى ايران اكثر ما تخشى العراق ولم تكن تتوقع ان العراق سيصمد طيلة هذه الفترة . بعد نشوب الحرب كانت للعراق بضائع للتصدير من الموانئ الكويتية مثل الكبريت وغيرها ونتيجة لإنشغال العراق بالحرب لم يستطع تسويقها فتضاعفت اجور ارضياتها ونتيجة مطالبة الكويت المالية وألحاحها تخلى العراق عن هذه البضائع . بعد مرور سنة من الحرب جاء وزير الصحة الكويتي الى منفذ ” صفوان الحدودي ” مصطحبا عدد من سيارات الاسعاف كهدية للعراق , اتصل مدير المنفذ بالقيادة العراقية رد الجانب العراقي بالرفض ومنع دخولها للعراق قائلا ” بعد وكت ليش مستعجلين الحرب صار اله سنة چانو نايمين هسه يلا اتفطنو”وقامت الكويت اثناء انشغال العراق بالحرب بحفر مائل على الجانب العراقي وسحب وسرقة نفطه . على المستوى العالمي انقسمت دول العالم بين منحاز ومحايد ومندهش وخائف ولاعب مع الطرفين . انحازت بعض الدول العالمية لأحد طرفي الحرب في المجال السياسي في الغالب . ودول عالمية انحازت للطرفين مثل فرنسا تمون ايران والعراق بالسلاح والعتاد لدوافع مادية تجارية . برزت في هذه الحرب فضيحة ” ايران گيت ” المساعدات الاسرائيلية الاميركية لإيران وتزويدها بالسلاح والعتاد والمال أيام الرئيس ريغان ونائبه جورج بوش الأب وبأشراف الموساد الاسرائيلي . الدول العالمية التي خافت هذه الحرب دول الاستعمار واسرائيل . والسبب المطاولة في هذه الحرب الضروس , وخاصة القدرة العراقية دولة عربية تصارع دولة اكبر منها بثلاث مرات مساحة وسكان وأسلحة كيف صمدت كل هذه السنين . لو اعيدت هذه الحالة مع اسرائيل كيف سيكون مصيرها . والشيئ الآخر المهم ان هذه الحرب كانت ” فنار ” ومدرسة ونموذج يحتذى به للدول العربية وصراعها مع اسرائيل . وهذا افزع اسرائيل ومحتظنيها . عند ضرب جزيرة خرج الايرانية بواسطة طائرة حربية عراقية ميك 25 واثناء عودتها مارة عبر الطريق المحايد قامت احدى طائرات دول الخليج العربية بضربها واسقاطها وقتل طيارها . تم اخبار الطيار العراقي بتسلق احدى الطائرات الخليجيه نحوه للتحذير . ضل الطيار العراقي مستمراً في طريق العودة معتقدا بأنها طائرة صديقة . . حادثة يو اس اس ستارك (USS Stark incident) ، وقعت أثناء الحرب العراقية الايرانية في 17 مايو 1987، عندما أطلقت طائرة نفاثة عراقية نوع ” داسو ميراج أف1 ” مسلّحة بصواريخ أكزوست 1.500 رطل , على الفرقاطة الأمريكية ” يو اس اس ستارك ” قُتل في الحادث 37 من أفراد البحرية الاميركية وجُرح 21 آخرين. . من الامور الجدير ذكرها ان العراق طيلة فترة الحرب لم يقطع العلاقة الدبلماسية مع ايران عكس ما فعلته ايران . والقيادة الايرانية مارست التضليل مع شعبها . قام الخميني بتقليد المقاتلين الإيرانيين ” مفاتيح الجنة ” من يحصل عليه يدخل الجنة بلا حساب . ومن امور هذه الحرب توظيف مجاميع ايرانية كبيرة للهجوم على القوات العراقية المحاربة مما اسفر عن خسائر بشرية غير قليلة في الجانب الايراني . العراق ركزَ وتعامل في هذه الحرب على الحالة الوطنية وليست الدينية . كما تعاملت ايران . قام العراق بأطلاق جميع الاسرى الايرانيين من طرف واحد حال انتهاء الحرب .. قامت ايران بالتعامل السيئ مع الاسرى العراقيين حتى وصل الحال بها ” ربط يد احد الاسرى العراقيين بسيارتين مختلفتي الاتجاه وتقطيع أطرافه ” ضربت ايران مدارس الاطفال مثل ” مدرسة بلاط الشهداء ” التي ضربت بصاروخ ايراني والغريب ان المدرسة سميت بهذا الاسم قبل ضربها وقتل طلابها 34 طفل .. في زيارة لصدام لأحدى المدارس في محافظة ديالى اثناء الحرب عرضت في تلفزين بغداد . سأل صدام احد الطلاب من هو عدونا .. قال الطالب . ايران . رد صدام . قائلا ” لا . اسرائيل هي العدو وليست ايران ” . . أستفاد العراق فائدة منظورة متطورة في المجال العسكري والطبي الجراحي والاقتصادي والتعامل مع الازمات وأدارتها .
أنتهت الحرب في شهر آب 1988 بأعلان ايران موافقتها على قرار مجلس الأمن المرقم 598 الذي صدر في الاسبوع الاول من الحرب والذي وافق عليه العراق ورفضته ايران . في كلمة للخميني قائلا ” موافقي على انهاء الحرب و كأني اتجرع كأساً من السم ”
هذه الحرب بحق كانت ملحمة غير متوقعة من ناحية الصمود والمطاولة والاعتماد على الذات لكلا البلدين العراق وايران وقلبت كل النظريات ومفاهيمها العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
مشاركة العراق القوية والفاعلة في حرب 1973 ـ وانتصاره في الحرب مع ايران ـ والتطور الذي حصل في العراق في كل مجالات الحياة ـ جعل دول الاستعمار والصهيونية العالمية تعمل بجد وفاعلية لإلحاق الشر والاذى بالعراق وشعبه وهذا ما حصل وسنأتي على ذكر تفاصيله في الصورة الخامسة ـ سنلتقيكم بها مع التحيات
*1 ـ أنشودة عراقية مشهورة من اناشيد القادسية الثانية .. الشاجور يعني مخزن أطلاقات البندقية .. يشبّهون اطلاق نار البندقية بالهلاهل . الگاع تعني الارض .