3 نوفمبر، 2024 12:33 ص
Search
Close this search box.

تذبذب المواقف في الصراع الأمريكي الإيراني

تذبذب المواقف في الصراع الأمريكي الإيراني

بدون أدنى شك إن أهم الأحداث المهمة والقضايا المصيرية التي تواجه شعوب منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الحالية ، وفي مقدمتها إيران أولاً بإعتبارها محور المشكلة والعراق ثانياً بإعتباره كيان متداخل مع إيران جغرافياً ومذهبياً ، هو الصراع المحتدم بين كلا البلدين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية في إيران . الآن وصل الصراع الى حالة الإستنفار الواضح للمجابهة العسكرية بين الطرفين سواء بشكل محدود ، وهو ما سيحدث فعلاً خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة ، أو بشكل واسع على مستوى المنطقة ككل وهذا مستبعد إلا في ظرف إستثنائي جداً إذا ما أقدمت إيران أو أذرعها التابعة لها في المنطقة بعمل استفزازي أو عسكري يستهدف حياة أمريكيين أو مقراتهم ومصالحهم المهمة مباشرةً . وبالرغم من جهود الوساطة التي أبدتها عدد من الدول لتخفيف حدة الصراع بين البلدين لتجنب حرب شاملة بالمنطقة وتأثيراتها الكارثية ، وتفاؤل الكثيرين دولاً ومحللين سياسيين بأن الأمور تسير نحو التهدئة ، إلا إن المنطق وحقيقة الأحداث وما يدور علناً أو خلف الكواليس يُشير ويؤكد بأن مثل هذه الوساطات في مثل هذه الصراعات الخطرة ما هي إلا إستعراضات دبلوماسية مسرحية تَعَودَ عليها المجتمع الدولي لا تقدم ولا تؤخر أي شيء في مجمل الأحداث وما يقرره الأقوياء . وعليه فإنه من البساطة الى حد ما أن يستقرئ أي شخص كان ، كونه متابع للأحداث ، أن يستشف ما ستؤول اليها الأحداث بشكل واضح . ولكون العراق واحد من أهم ” الكومبارس ” في عملية الوساطة لتخفيف حدة الصراع بين المتصارعين من خلال ترحال أهم رموزه بين أروقة الدول التي لها مساس مباشر أو غير مباشر بمجمل الأحداث للتأثير في مجريات الأمور فإن معظم السياسيين العراقيين بدون إستثناء ، وحتى الكثير من فئات المجتمع ، إستبشروا وتفاخروا بدورهم الأممي في معالجة مشكلة معقدة أممية كالصراع المستديم بين أمريكا وإيران . إلا إنهم مع كل الأسف أثبتوا غبائهم في إدراك المخاطر للوضع الحالي حيث معظمهم خفف من المخاطر بسبب تحركات الساسة العراقيين وإطمئنانهم بأن الأمور تسير نحو التهدئة متناسين الكثير من الشواهد التي تُثبت عكس تصوراتهم . وعليه فإن أي متابع للأحداث وفي مقدمتهم السياسيين العراقيين عليهم أن يستوعبوا الحقائق التالية لكي يبنون تحليلاتهم وتوقعاتهم ومن ثم بيان موقع وموقف العراق من الأحداث :
١- الصراع الأمريكي الإيراني هو صراع مصالح ، فالجانب الأمريكي يريد تأمين مصالحه ” المادية ” ، متواجد مباشرةً في المنطقة في حين يريد الجانب الإيراني تأمين مصالحه ” الآيدولوجية ” في المنطقة ، وكلا المصلحتين متعارضتين بالأهداف في المنطقة .
٢- أمريكا أنفقت المليارات من الدولارات وضحت بآلاف من جنودها لتغيير النظام في العراق عام ٢٠٠٣ على أمل أن تحقق مشروع إستثنائي للحكم الديموقراطي في العراق ليكون رائداً لبقية دول المنطقة وتحقق مصالحها . إلا إن عدم إدراك الإدارة الأمريكية للواقع العراقي الحقيقي أدى الى فشل الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق النظام الديموقراطي الجديد في العراق وفي نفس الوقت أدى غباء الإدارة الأمريكية الى ترك إيران لتتوغل في معظم مفاصل الدولة العراقية الهزيلة . وهذه التجربة المريرة أيقضت الى حد ما وعي الإدارة الأمريكية لسحب الثقة المطلقة بالحكومة العراقية وإعتبارها خاضعة للتوجهات الإيرانية . أي أن العراق حليف لإيران أكثر بكثير كونه حليف للولايات المتحدة الأمريكية ( صاحبة الفضل عليه ) .
٣- إكتشفت الإدارة الأمريكية مؤخراً بأن مواجهة إيران يتطلب أولاً مواجهة العراق من خلال أذرعها فيه قبل الإحتكاك المباشر مع النظام مباشرةً على إعتبار إن العراق ما هو إلا جزء من إيران بسبب الإندماج المذهبي الذي بإستطاعة إيران أن تجعل المعركة الحقيقية في الساحة العراقية بعيداً عن ساحتها الداخلية قدر المستطاع .
٤- عقد القمقم العربية والخليجية والإسلامية في أواخر مايس في المملكة العربية السعودية دليل واضح لخلق منظومة عربية وإسلامية داعمة للجهود الأمريكية في صراعها مع إيران لأن أي تحضير لعمليات عسكرية ضدها يتطلب خلق مناخ وجبهة مساندة من دول المنطقة والدول ذات العلاقة .
٥- كل ما تريده الإدارة الأمريكية في المرحلة الحالية هو التزام إيران بتطبيق الشروط الإثنى عشر ” المعصومة ” لأن تلك الشروط تحقق المصالح الرئيسية في المنطقة دون تأخير أو مماطلة أو إلتفاف وسوف لن تحيد عنها ، وإيران مدركة ذلك تماماً ، في حين إن كل ما تريده إيران في المرحلة الحالية هي عدم نشوب أي حرب أو أي مواجهة عسكرية مع السعي والمناورة لإطالة فترة الترقب والتوتر وحالة اللاحرب الى أطول فترة ممكنة لأن ذلك سيكون في صالحها حسب تقييمها لأن بقاء الأوضاع كما هي دون مواجهات أو إصطدامات عسكرية سيجعل إيران الطرف الرابح والمنتصر في هذا الصراع بالرغم من إبقاء وإستمرار العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها لأن بإستطاعتها مواجهة الحصار نسبياً من خلال توابعها وفي مقدمتهم العراق بموارده الضخمة ، وهنا لا نعلم فيما إذا كانت الإدارة الأمريكية مدركة لهذه اللعبة أم لا وأغلب الظن إنها غير مدركة لذلك .
وخلاصة القول فإن بقاء حالة الصراع على حالها كما هي لفترة طويلة دون أي نتيجة مسألة غير منطقية ولا بد من تحقق أحد إحتمالين ؛ إما رضوخ إيران لشروط الإدارة الأمريكية والتفاوض حولها وهي مدركة بأن عليها الإنصياع وإنها الطرف الضعيف جداً في تلك المفاوضات إن حدثت مع محاولة لإستبعاد بعض الشروط على الأقل ” لحفظ ماء الوجه ” ولكنها بحاجة الى بعض أوراق الضغط في المفاوضات وهي ما تبحث عنها الآن بجدية ، وسوف تستخدم بدهاء أذرعها في العراق إبتداءً وفي لبنان وسوريا واليمن ومناطق أخرى لإيجاد بعض أوراق الضغط سواء من خلال بعض عمليات التخريب أو إختطاف الرهائن أو خلق ظروف معينة تهدد مصالح أمريكا في المنطقة . أما الإحتمال الثاني فهو قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبعض شركائها بعمليات عسكرية محدودة تستهدف تحجيم القدرات العسكرية الإيرانية في مجال السلاح النووي والصواريخ الباليستية خصوصاً بعيدة المدى وبعض المؤسسات الحيوية التابعة للحرس الثوري الإيراني وبعض المرافق المهمة التي تؤثر على مجمل الإقتصاد الإيراني إضافة الى إنهاء تأثير بعض أذرعها في المنطقة وخصوصاً في العراق ولبنان ، وهذا ما ترغب به الإدارة الأمريكية فعلاً .
ولكوني لست عراقياً ، ولكني مهتم ومراقِب لشؤون وأحداث الشرق الأوسط ، فهل يفهم الساسة العراقيون هذا المنطق وما ستؤول اليه مجريات الأمور وتأثيرها على الواقع العراقي المرتبك والمتفكك أصلاً والذي يتحكم بمفاصله وقراراته رؤساء المليشيات والمافيات وشيوخ العشائر وبعض الرموز الدينية الجاهلة والمتخلفة فجميع هؤلاء يعتبرون أنفسهم هم الدستور وهم القانون في العراق المنفلت .

أحدث المقالات