بعد الاستقرار النسبي لأسعار الدولار مقابل العملية المحلية الدينار لسنوات عادت هذه الأسعار إلى التذبذب بين الانخفاض والارتفاع ، إذ تشهد هذه الأيام حركة طلب قوية على العملة الصعبة مما تسبب في ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي حيث بلغ حاليا سعر شراء بنحو 129 ألف دينار وسعر بيع بواقع 128 ألف في مختلف الأسواق التجارية ومناطق العاصمة.
تعد مشكلة سعر الصرف خطيرة في ظل انعكاسها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلد وعدم السيطرة عليها تؤشر انتكاسة في العمل المصرفي على اعتبار أن واقع المصارف يعكس الواقع الاقتصادي في كل بلد حيث يعتبر هو المؤشر الكبير للاقتصاد بشكل عام ، فهذه المشكلة لها انعكاسات على مستوى المعيشة للفرد العراقي فالحلم بحياة كريمة ومستقرة لا يتعلق بالدخل الاسمي الذي يحصل عليه هذا الفرد بل يتعلق بالدخل الحقيقي والذي يعني كمية السلع والخدمات التي تسد الحاجات الأساسية التي لابد أن يحصل عليها الفرد العراقي لذلك أية زيادة في أسعار سعر الصرف للدولار يعني كمية اقل من السلع والخدمات التي يحصل عليها الفرد .
هذه المشكلة من يتحمل مسؤوليتها هل هي بسبب الطلب المتزايد على العملة الصعبة من الزبائن والمواطنين وعمليات المضاربات المالية التي تجري بين جهات مجهولة لشراء العملة الصعبة ونقلها إلى دول مجاورة ما يؤدي إلى ارتفاع سعرها في الأسواق التجارية حاليا. أم إن السبب يعود إلى مافيات البنك المركزي فهم من يستفاد من ارتفاع سعر الشراء على ما هو عليه حاليا بسبب تشعب علاقاتهم المشبوهة مع الكثير من الزبائن والمصارف .
قد يكون ما تقدم جزء من المشكلة ولكن أين البنك المركزي كمؤسسة تتحمل مسؤولية السياسة النقدية لاسيما وانه يمتلك الأدوات والوسائل للتحكم بالمعروض النقدي وكمية العملة المطروحة في التداول ، ولكي يتم السيطرة على عملية ارتفاع سعر الصرف لابد من العودة إلى الأسس العملية لخلق التوازن بين العرض والطلب هذا التوازن قد فقد في ظل الإجراءات التنفيذية التي يعتمدها البنك المركزي فيما يتعلق بالعملة هذه الإجراءات كانت بدائية ولا تنم عن رؤية اقتصادية لخلق حالة التوازن فقد حصرت تعليمات البنك المركزي بيع العملة الصعبة بمنفذ وحيد وهو مصرف الرشيد وهذا خلق حالة من الاضطراب وولد البداية للتباين بين السعر الرسمي وسعر السوق التجاري (السوق السوداء ) ، ناهيك عن تعقيد الإجراءات الروتينية للحصول على العملة الصعبة من قبل المواطنين من خلال تقديم جواز السفر والوقوف في طوابير طويلة خلقت الذعر والخوف لدى الجمهور لذلك استسهل هذا المواطن أن يدفع مبلغ أعلى من السعر الرسمي في البنك ونتيجة لهذه الإجراءات نشأت أسواق للمضاربة في العملة الصعبة ، وهذه المشكلة كانت مصدر رزق لبعض العاطلين عن العمل فالوقوف إمام المصارف كل صباح هو من اجل شراء الدولار، وليس للسفر أو للعلاج وإنما لبيعه إلى محال الصيارفة وجني الربح، لان فرق السعر قد يصل لكل 5000 دولار 300 ألف دينار عراقي وهذا مبلغ جيد ومناسب للكثير من العاطلين عن العمل .
وكثيرة هي الأسباب التي تقف وراء ارتفاع سعر الدولار ويتحملها البنك المركزي لأنه المسؤول المباشر عن ملف العملة الصعبة فلم يكفي ما قام به من ضخ 300 مليون دولار يوميا بعد أن كان يضخ نحو 200 مليون دولار للسيطرة على ارتفاع سعر الصرف للدولار، لكن هذه المحاولات لم تجد نفعا، لان هناك خللاً في الرؤية الإستراتيجية لسياسات البنك المركزي الذي عليه الالتزام بمبادئ الدستور الذي ينص على استخدام آليات السوق والاقتصاد الحر وتعويم العملة أمام الدولار فهو الكفيل بتحقيق حالة التوازن في سعر الصرف أما العودة إلى السياسات المركزية في تقليص منافذ بيع الدولار والروتين سيؤدي إلى نتائج عكسية وأي تخوف من تهريب العملة والمافيات الحكومية هذا من اختصاص دوائر الأمن الاقتصادي هي من تعالج هذا الأمر أما البنك المركزي فعليه إتباع آليات الطلب والعرض وعدم خلق حالة من الخوف لدى المواطن من استمرار ارتفاع الدولار أمام العملة الصعبة والذي قد يساهم في تحويل مدخرات المواطنين إلى هذه العملة بعد أن يفقد الثقة بالعملة المحلية
لذلك تقع مسؤولية المحافظة على توازن السوق والسيطرة على سعر صرف الدولار وإيجاد آليات مناسبة لخفضه على البنك المركزي والذي يحتاج إلى إعادة النظر والتنسيق مع المصارف لتحديد آليات تحد من التذبذب الحاصل في سعر صرف الدولار. فضلا عن إتباع السياسة العلمية الواقعية والشفافية وتحسين إدارة ملف العملة الصعبة ولا بأس بدراسة مشروع تقييم رواتب القطاع العام بالعملة الصعبة للتخلص من إشكالات تذبذب سعر الصرف لان هذا الإجراء سيؤدي إلى خلق حالة من التوازن والاطمئنان والثقة بالعملة المحلية