23 ديسمبر، 2024 12:10 ص

معنى التدين:

التدين استجابة لغريزة في الإنسان والعبادة جزء من كينونته، فإما أن يعبد ما وجد آباءه عليه أو يتجه لغيره، فان لم يستقر على امر فهو يقدس شيئا ما جاه؛ منصب، نفسه.

التدين لا علاقة له بالأخلاق كقيم فذاك له معادلته، بيد أننا نلاحظ أن هنالك من يتخذ ضد الدين كالدين يعتبره مقدسا لدرجة تسفيه (تكفير) مخالفه وإصراره على امتلاك الحقيقة والتكبر الإبليسي الذي يعتريه دون دليل أو فهم وهو ينسب الأمر للعقل والعقل فعل منظومة عقلية تستمر بالتمحيص والانتقال وتدوير المعلومات وما يكتسبه الإنسان في مراجعات مستمرة.

التدين لا علاقة له بالسلوك بشكل مباشر فهو غريزة والغريزة تتوقف عند نيلها ولا انعكاسات بعد ذلك على السلوك، لذا نجد من يصلي ويصوم ويقيم الليلبأوراد وذكر وربما يرتقي المنبر أو يقدم قداسا ولا يتخلف عن واحد ويقدم النذور، لكن سلوكه لا يتناسب مع مكانة منبر يرتقي علية ووعظ أو عظة يقولها، فتراه ينصح بالمحبة وهو عدو لدود وحسود حقود، هذه الناس اشد ضررا على ما تحمل من اسم فكر على ذلك الفكر من باس أعداءه.

التدين لا يمثل حصنا ضد عوامل التأثير في النفس البشرية وانعكاس ذلك على السلوك، أو انه كل عوامل التأثير فهو غريزة لغرائز وهنالك الغرائز الأخرى، البيئة، الوضع الاقتصادي أي ما يمكن تلخيصه الحاجات1 والغرائز2 والفكر3كعوامل مؤثرة ولو انتبهنا سنجد أن الغرائز فاعلة والحاجات والمتطلبات في تنامي مع المدنية وغياب العدل، وتشوه في الجهاز المعرفي والفكر الفاعل، وأكثره لا يحل مشكلة ولا يلامس الواقع إيجابيا، بغياب منظومة القيم الرائدة للواقع ستستعمر الحاجات والغرائز منظومة العقل ويصبح التدين مظهرا إشباعا لغريزة وحديث مجالس وخطب لا تلامس الواقع أو تؤثر فيه.

مشكلة الغريزة:

الغريزة امر مغروز في الإنسان ضمن ثوابت تكوينه ولها وظائفها في الديمومة والحياة، لكن عدم القيام بها عند استثارتها لا يؤثر على وجود وحياة الإنسانالفرد كما تؤثر الحاجات كالأكل مثلا.

الغرائز الرئيسة عند الإنسان هي غريزة ((1)) حب البقاء (ومنها مثلا تكوين المجمعات البشرية، الخوف)، ((2)) غريزة حب التملك، ((3)) غريزة النوع، ((4)) غريزة التدين، ((5)) حب السيادة.

حب البقاء يراه المستقصي أول الغرائز ظهورا فهو تصرف طبيعي حتى برد فعل الطفل الرضيع وربما هو أول الغرائز التي تحتاج تنظيم وموازنة عقلية، فهي غريزة تغيب العقل برد الفعل أو تستعمره لتوقع التداعيات.

أما حب التملك فهو يبدد أركان الحياة مالم ينظم وهذا مشترك في كل الغرائزوتغب الغريزة في حب التملك قد ينتقل إلى العلاقات البينية الأسرية في سلب الأنا للآخر وإذلاله رغم انه قد لا يكون بقصد الإهانة وإنما إبقاؤه يشعر بالدونية لتسهيل استعباده وهذا مرض له امتداد كبير نتيجة اضطراب الجهاز المعرفي في العلاقات وبالذات بين الزوجين، بحيث لا تفهم كرفقة طريق وإنما ملك وحقوق وتفسير ذكوري لما يمكن أن يلتبس في تفسيره، ولعل هذه تتفق وتتعاضد مع حب السيادة لتحدث خرابا في العلاقات الإنسانية مالم تنظم ويوضع لها صيغ عملية للمجتمع ولا يمكن الحديث عن هذا بالتفصيل لضيق المساحة وهدف الموضوع.

وتبقى غريزة النوع ذات طغيان غالب مالم ينظم المجتمع وفق قيمه ومتصالح معها، وممكن أن نرى مشاكل كبيرة تحصل لعدم تكيف المجتمع وحلول في قيمه بينما هو يحكم هذه القيم كمعيار للفضيلة مثلا، ونرى تصالح الغرب مع العلاقات الشاذة وفق منظورنا لكن وفق محددات متعارف عليها.

ونأتي إلى التدين، فالتدين غير فهم الدين والالتزام به عن علم، وهو غالبا ما يسلك منافذ الانطباعات؛ فالتدين كغريزة لا يحدث التوازن أبدا لان الغرائز ليست معيارية، ولا منضبطة بمنطق وتفكير، هذا لا يعني أن العالم بدينه لا يخطأ أو يذهب بدوافع غريزية إلى مخالفات قيمية، لكنه يختلف بانه لا يطغى ما لم يفسد، لان غريزة التدين لا تمنع الطغيان لمن يضعف أمام التملك والمال فتراه يصلي ويسبح لكنه لص إن خلا بالمال أو يضعف أمام غريزة النوع ويستمرئ الجنوح هذا مع ما يبرره لنفسه، وهكذا في أي ظلم يحدثه حتى في قتل الأبرياء أو استباحة الأنفس وتنصيب نفسه قاضيا وجلادا أو يستسيغ هذا دون النظر إن الأنفس كرمها الله.

غبش وضوح الفكر والدين وتضاربه غالبا يقود إلى الإلحاد عندما لا يجدالإنسان الباحث عن ذاته أجوبة منطقية تتوافق مع الحياة التي تتقدم مدنيا، لهذا نجد الإلحاد واللاادرية وغيرهم على نطاق واسع في الدول المتقدمة مدنيا، ويمتد في مجتمعنا عندما يسيطر على الحركة الفكرية أناس متخلفون يطلبون القدسية لأنفسهم ويستثيرون الشكوك في الآخرين لإبعاد رعاياهم عن الانسلاخ والنظر في أجوبة عند الأخرين، فيحبط الإنسان ليرفض كل شيء ويستهل ما يستجيب لغرائزه قبل منظومته العقلية.

ما العمل:

المطلوب مراجعة حقيقية والنظر في أصل الأفكار وقراءتها لحل مشاكل العصر بمنطق مفهوم من العصر وليس وضع القوالب والصناديق وإدخال الآخرين فيها كمعايير ثابتة فهنا سيكون التدين بلا دين، أما إن نظمت غريزة التدين لتكون قيمها المعيارية تدير العصر وليس بالمستورد من التاريخ أو المستورد من تجارب نجحت فأضحت مقدسة بينما هي قد لا تنجح وان كان نجاحها قبل أعوام قلائل.

الاجتهادات بشرية ليست مقدسة ولا دائمة وان كانت ناجحة، والقوالب تشوه الفكر والإنسان وان كان القالب هو في ظن البعض من الإسلام، فاجتهاد وفهم الرعيل الأول ومن تلاهم حل مشاكلهم لكن لا يحل مشاكلنا، ولا ينبغي إضفاء القدسية على الأشخاص ومخرجاتهم بل كل شيء خاضع للمراجعة وما يجتهد يعرض على أصل القيم ونجاح الغرب في عصر التنمية لا يعني انه سيبقى ناجحا أو ينفع لنا، هنالك شيء جديد لابد أن ندرس ونجهد لإخراج آلية نموه ومعالجاته كمنهج في فهم بشري جديد لمقدس مثاني حمال المعاني.