23 ديسمبر، 2024 8:58 ص

تدويل القضية الآشورية مسؤولية تاريخية وضمان لأسترجاع حقوقنا المسلوبة

تدويل القضية الآشورية مسؤولية تاريخية وضمان لأسترجاع حقوقنا المسلوبة

في ستينات القرن التاسع عشر, وتأثرا بالحركة القومية في أوروبا، لاحت بوادر النهضة القومية في منطقة الشرق الأوسط بدأ بمحاولة الناشطين القوميين العرب  للتحرر من الاحتلال العثماني، تلتها باقي الشعوب المجاورة. وقد شهدت المنطقة أحداث دامية بسبب الصراع القومي، فيما استغلت بعض الدول الغربية هذه النهضة في سبيل بسط نفوذها على المناطق التي تراجعت فيها الهيمنة العثمانية.
      هذه الصراعات انعكست بشكل مأساوي على الآشوريين لكونهم مسيحيين من جهة، وأصحاب الأرض الشرعيين من جهة أخرى. ويؤكد المؤرخون بأن الكنيسة الغربية قد لعبت دورا مؤثرا ومشينا للسيطرة على مسيحيي المنطقة ما ضاعف حجم الخسائر التي تعرض لها الشعب الآشوري. وكما هو معروف فان الأرض والإنسان الآشوري تأثر بشكل كبير بسبب مذابح الأمير الكردي محمد الراوندوزي الشهير باسم (مير كور) أي الأمير الأعور ضد الشعب الآشوري بين عامي (1832 -1836م) تلتها مذابح بدرخان بك ما بين عامي (1843-1847م) ثم أعقبتها المجازر إبان الحرب العالمية الأولى(1915-1918م) وتوجت تلك المجازر والمذابح الجماعية بمذبحة سميل عام 1933م. وأعقبتها على التوالي، وحتى يومنا هذا، عمليات التغيير الديموغرافي والزحف الكردي المستمر على الأراضي والقرى الآشورية في الشمال، وهيمنة العشائر العربية ومحاولتها تغيير ديموغرافية القرى والقصبات الآشورية في سهل نينوى.  فلم تسلم قصبة أو قرية آشورية واحدة من القضم والتجاوز. وقد سقط، في معظم هذه القرى، العديد من الشهداء من الشخصيات الآشورية البارزة من أبناء تلك القرى في محاولة لترهيب الآشورين وإرغامهم على ترك قراهم وأراضيهم. وبعد نزوحهم الى المدن، وبحكم سياسة التعريب المقيتة،  بدأت عملية الهجرة الى الغرب بحثا عن الأمان والعيش الكريم.
  في السنوات القليلة الماضية، وتحديدا بعد سقوط الطاغية في العراق، وفي الوقت الذي كان العراقيون جميعا على أمل أن تنتشل القيادات العراقية الجديدة البلاد من المستنقع الآسن الذي انحدر إليه. تفاجأ الجميع بهيمنة القوى الطائفية والقومية العنصرية على السلطة وحلت المحاصصة الطائفية والعرقية محل الدكتاتورية فتضاعفت معاناة الشعب العراقي بأسره. ولكن جاءت المرحلة قاسية على الآشوريين بشكل خاص بدأ بتفجير الكنائس والقتل على الهوية القومية والدينية طالت غالبية أبناء أمتنا في المدن الكبيرة. فأثار الذعر بينهم وسط مرأى ومسمع وتقاعس الحكومة وكافة القوى العراقية. فبدأت الهجرة من المدن الكبيرة الى الشمال الذي يتمتع بالهدوء النسبي ولكنه لا يخلو من سياسة التكريد، وهناك الكثير من الأدلة الدامغة على ذلك ليست محل نقاش في مقالنا هذا. فانتهى الأمر بهجرة الآلاف من العوائل الآشورية الى دول الجوار تمهيدا للجوء الى دول الغرب. ومن الجدير بالذكر ان أعداد الآشورين الذين هجّروا خلال السنوات القليلة الماضية تجاوز 60% من أجمالي تعدادهم في العراق حيث استشهد منهم أكثر من الف شخص، وهذه نسبة كبيرة تدخل في اطار التهجير والإبادة الجماعية. ولم يزل كابوس القتل والتهجير والأغتصاب والتغيير الديمغرافي، حتى يومنا هذا، يراود مخيلة القلة الباقية من أبناء أمتنا الآشورية على أرض الوطن.
    وفي هذه الأيام، وخلال الأحداث الدموية الجارية في سوريا، ينتظر المهجّرون من العراق، والآشوريين من ذوي الجنسية، على حد سواء، مصيرا مجهولا نتمنى أن لاتكون عاقبته وخيمة بحيث يهدد وجودنا في المنطقة ككل.
   بالرغم من مشاعر الإنتماء الوطني الذي يبديه الآشوريون في عراق اليوم، والرغبة في العيش المشترك مع باقي الأطياف العراقية الأخرى إلا أن عمليات القتل والتهجير والترهيب مستمرة امام مرأى ومسمع القائمين على الحكم في العراق، إضافة الى التهميش الواضح الحاصل في الدستور العراقي الجديد بحق الآشوريين ومحاولات طمس قضيتهم بعد كل المعاناة التي لاقوها خلال فترات مختلفة من التاريخ الحديث. ولا يلوح في الأفق، على الأقل في المستقبل القريب، أي نوايا لأنصافهم مما يجعل وجودهم على أرضهم التاريخية مهدد كليا.
   بعد كل هذا التغيير الذي حصل لجغرافية وديموغرافية المنطقة التي سكنها الآشوريين منذ عصور والتي تعتبر، بحق، أرض أجدادهم التاريخية، وخيبة الأمل الكبيرة التي أصابتهم من عدم جدوى المحاولة لأبداء الرغبة الكاملة للعيش مع باقي أبناء الوطن بسلام ومساواة تربطهم أواصر الانتماء الى الوطن الواحد يشترك فيه الجميع، إضافة الى الشعور بأن وجودنا القومي أصبح مهددا في المنطقة ككل، أصبح من الصعب جدا العودة الى أراضيهم التي سكنوها منذ آلاف السنين خاصة بعد التهجير والأبعاد القسري الذي تعرض له خلال القرن الماضي والى اليوم. ويضع كافة مؤسساتنا القومية والسياسية والدينية أمام مسؤولية تاريخية لتوحيد الخطاب القومي والسياسي الآشوري وطرح المسألة الآشورية على مستوى عالمي والعمل على تعريفها بكافة المحافل الدولية بشكل كامل، والابتعاد عن دوامة صراعات التسمية المختلقة والأجندات الخجولة التي اثبتت هذه الأيام فشلها وعقمها السياسي. فبالرغم من المحاولات التي أبدتها، مشكورة، بعض مؤسساتنا السياسية وشخصيات آشورية بارزة في المهجر لتفعيل المسألة الآشورية على مستوى عالمي إلا أنها لم تكن ذات ثقل كاف بحيث يولي لها المجتمع الدولي أهمية وأولوية.
    ففي ظل القرارات الدولية الخاصة بالأقليات القومية منذ أكثر من 300 عام، والمعاهدات الدولية في منتصف عشرينات القرن الماضي والتي نصت إحداها على منح الحقوق القومية  للآشوريين بعد انتصار دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وصولا الى إعلان الأمم المتحدة لعام 2007 بخصوص الشعوب الأصيلة. في ظل كل هذه المعاهدات والقرارات الدولية يقابلها فقدان الثقة بالحكومة العراقية الحالية وكافة القوى الفعالة على الساحة السياسية يضعنا أمام خيار تدويل المسألة الآشورية لاسترجاع حقوقنا المسلوبة، والمطالبة بفرض منطقة آمنة في الوطن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة لكي نتمكن من حماية أبناء شعبنا الباقين على أرض الوطن وخلق مؤسسات قومية للحفاظ على وجودنا وأجيالنا من التشتت والانصهار. ويقع، كل هذا، على عاتق آشوريي المهجر بأحزابهم ومؤسساتهم القومية وهم يتحملون مسؤولية قصوى للعمل في هذا الاتجاه، وليس الرضوخ الى واقع مرير هم بعيدون عنه. كما يلوح في الأفق، بين الحين والآخر، ترويج لمشاريع خارجية لا تخدم قضيتنا القومية. ففي المهجر الآشوري يجب وينبغي، على أقل تقدير في هذه الأيام العصيبة، توحيد الخطاب القومي الآشوري، وتبني مشروع تدويل المسألة الآشورية للحفاظ على كياننا وإعادة الاعتبار لقضيتنا بعد أن تشوهت بسبب الضغوط الخارجية من جهة ورضوخ فعالياتنا السياسية في الوطن الى الأمر الواقع من جهة أخرى. هذا الواقع الذي تدل كل المؤشرات فيه الى وجود أجندات من داخل البيت الآشوري وخارجة تهدف الى طمس هويتنا القومية الآشورية وإضفاء الصفة الدينية عليها، ومحو وإزالة وجودنا في الوطن تمهيدا لتشويهه والقضاء على كل ما هو آشوري في عراق اليوم أرضا وشعبا وتاريخا وحاضرا ومستقبلا.