في البدأ لابد من الاشارة الى ان هذا المقال ليس له علاقة باجواء الشحن الطائفي الدائر الان على الساحة السياسية العراقية وانما الغرض منه تسليط الضوء على ظاهرة سلبية استشرت في الوسط الاكاديمي العلمي بصورة عامة والوسط الاكاديمي الجامعي بشكل خاص حيث نلاحظ ان غالبية شاغلي المناصب العليا في البلد بدآ من منصب الوزير في الحكومة نزولا الى اقل منصب تدريسي في الجامعات والمعاهد العراقية يحملون القاب علمية بنيت على شهادات دراسية غير رصينة علميا والحصول عليها كان بدون عناء ( ان لم تكون مزورة وهذا سوف نتكلم عنه في مقال اخر ) وبالتالي سوف يشغلون مناصب عليا وحساسة على حساب اصحاب الشهادات والكفاءات العلمية الرصينة والذين يعول عليهم لعب دورا كبيرا في النهوض بمستوى التعليم العالي في البلاد لا بل النهوض بالعملية التنموية الشاملة فنلاحظ على سبيل المثال ان هناك الكثير من التدريسيين في الجامعات والمعاهد او من اصحاب حملة الالقاب العلمية الذين يشغلون المناصب الادارية العليا فيها من حملة شهادة الدكتورا تحديدا قد حصلوا عليها بعد اختيار عناوين لرسائلهم واطاريحهم الجامعية اقل ما يقال عنها انها بحوث هامشية غير رصينة كتلك التي يقدمها طلبة البكالوريوس عند تخرجهم فهناك دكتوراً حصل على لقبه العلمي بعد تقديمه رسالته وموضوعها ( الصورة الفنية عند الشعراء العميان في القرن الثالث الهجري ) واخر اطروحته عن( احكام الهاتف في الفقه الاسلامي ) واخر (اختيارات ابي تمام في حماسته الشعرية ) وغيرها من العناوين التي لا تنفع ولاتخدم المجتمع في شيء وحقيقتا ان الذي استفزني للكتابة بخصوص هذا الموضوع ما نشرته احدى الصحف المحلية عن عزم احد الباحثين تقديم رسالته لنيل شهادة الماجستير في علم الاجتماع وعنوانها ( المشاية في مراسيم الزيارة الاربعينية ) فبركم ماذا يستفيد الطلاب علميا من الذين سوف يدرسهم هذا الباحث في المستقبل بعد نيله للشهادة واكيد سوف ينالها لاهميتها في نظر القائمين على التعليم العالي الحاليين وفي خضم الواقع المرير الذي نعيشه وماذا يستفيد المجتمع منها مع احترامنا واجلالنا لشخصية الامام الحسين عليه السلام وبالتالي سوف يتساوى امثال هولاء الباحثين مع الباحثين في مجالات علوم الفيزياء والكيمياء والطب والفلك من حيث اللقب العلمي ويتمتعان امام القانون بنفس الامتيازات من الراتب والمخصصات وما الى ذلك لا بل الامر والادهى من ذلك سوف يتسيد هولاء الجهلة على اصحاب الكفاءات العلمية في زمننا المظلم الذي لايحترم فيه الانسان مهما كانت صفته ان للعامل السياسي دورا كبيرا في تازم هذه الظاهرة حيث نلاحظ ان العملية السياسية في العراق بعد عام 2003 انتجت نظام متخلف يعتمد على المحاصصة الطائفية الذي ادى بدوره الى تغزيز ظاهرة المحسوبية والمنسوبية مما خلف ادارات غير كفوئه للقطاع الحكومي بصوره عامة والذي تم بموجبه اختيار القائمين عليه عموما وفق شروط و معايير لم تأخذ بالحسبان في معظم الاحيان عاملي الكفاءة والنزاهة مما ادى الى ممارسات خاطئة في مقدمتها الفساد والهدر للمال العام وتراجع المستوى العلمي والاكاديمي وحتى عندما تتولى قيادات كفوءة جيدة مستقلة حزبيا كان اداؤها مقيداً ومحدداً بسبب التفاوت الواضح بين الخبرات والمسؤوليات والصلاحيات فالقائمون على المناصب والادارات العليا من اتباع الاحزاب والكتل السياسية المهيمنة همشت اصحاب الكفاءات العلمية المستقلة لانها رئت فيهم تهديدا حقيقيا للكراسي والمناصب التي غنموها بطريقة او اخرى . فعملوا على اعاقتهم بشتى انواع العراقيل والعقبات البيروقراطية وبخست من قدراتهم حتى وصل الامور بتهديدهم والصاق التهم بهم وتسليط ازلامهم لمحاربتهم وفي ظل هذه الاجواء يتراجع البحث العلمي كاحد اهم الادوات المنتجة للمعرفة وتتراجع العملية التعليمية بكامل مفاصلها نتيجة انخفاض الانتاج المعرفي . لذا على الجهات المسؤولة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الايعاز الى اللجان المشرفة على مناقشة رسائل الماجستير والدكتورا ضرورة التشدد بالموافقة على قبول مناقشة مثل هذه الرسائل ووضع المعايير الخاصة بالجدوى الاقتصادية والعلمية والفنية منها لان التقديم للحصول على الشهادات ليس رغبة شخصية تدخل من باب الحريات وحقوق الانسان التي كفلها الدستور ليتم اختيار مواضيعها كيف ما اتفق وانما للجامعة او المؤسسة العلمية المانحة للشهادة الدور الكبير والمشارك من حيث بذل الكثير من الجهود مع الباحث لكي ينالها ولا ننسى ان مستوى الشهادة العلمي ورصانتها ينعكس سلبا او ايجابا على الجامعة او المؤسسة العلمية المانحة لها .