نحن نخوض حربا دفاعية ضروسا مع عدو شرس يشن حرب ابادة جماعية ضد الشعب العراقي. ومن الضروري تقييم مسار هذه الحرب بشكل دوري وشامل، لتشخيص المكاسب وتسليط الضوء على الاخفاقات، ومعرفة المسار الراهن للحرب، واحتمالاتها المستقبلية. كما انه من الضروري تحديد الهدف الاستراتيجي والتكتيكي للحرب بشكل واضح ومدروس ووضع الخطط على هذا الاساس.
نستطيع للوهلة الاولى ان نقول ان الاجراءات التي تتخذها الاجهزة الامنية، التي قامت شبكة الاعلام العراقي باطلاق حملتها الوطنية الشاملة من اجل دعمها ومساندتها، تستهدف حماية المواطن من عمليات القاعدة الاجرامية، وبالتالي تقليل عدد ضحايا هذه الحرب العدوانية. ونستطيع ان نقول، ايضا للوهلة الاولى، ان هذه الاجراءات تستهدف ايضا منع القاعدة من القيام بعمليات نوعية كبيرة، تحقق مكاسب معنوية وتعبوية للقاعدة، وتؤثر سلبيا على الروح المعنوية للقوات الوطنية ولعموم الشعب العراقي.
نستطيع ان نقول ان الخط البياني لعمليات القاعدة، منذ عملية سجن ابو غريب في تموز (يوليو) الماضي يسير بشكل متصاعد، سواء من حيث نوعية العمليات او من حيث عدد الضحايا الذي يسقطون جراء هذه العمليات. وتوحي الاسماء التي تطلقها القاعدة على عملياتها على شيء من هذا النحو. فعملية “هدم الاسرار” ذات طابع هجومي في الجانب المعنوي منها، وكذلك عملية “اصطياد الجنود”.
قد يكون هدف القوات الامنية الاستراتيجي هو “تدمير” القاعدة. وهذا هدف مهم بطبيعة الحال واساسي. لكن الامر يعتمد على تعريف كلمة “تدمير”. يقول الباحث الاستراتيجي جورج فريدمان في كتابه الاخير “العقد القادم”(2011) انه من المستحيل تدمير القاعدة. لماذا؟ يقول مؤلف كتاب “المئة عام المقبلة” لأن القاعدة ليست منظمة او تنظيما بالمعنى التقليدي للكلمة؟ لماذا؟ لانه ليس لديها بنية تحتية، او هيكل تنظيمي او تسلسل قيادي، وليس لها رأس حقيقي يمكن قطعه. حسنا، اذا صح هذا الكلام، فما العمل اذن؟ يقول: ان الرؤية الاستراتيجية للتعامل مع القاعدة يجب ان تركز على تخريب خطط القاعدة، وبرامجها التدريبية، وقدراتها القيادية المحدودة. لست في وضع يمكنني من الحكم على هذه الاقوال بالصحة او بالخطأ. لكن الفكرة تستحق التفكير والتأمل.
من باب الدعم الذي نقدمه الى القوات الامنية، القول ان خططنا ربما لم تحقق النجاح المطلوب بعد. ربما لم تكن هذه الخطط على مستوى الحرب العدوانية التي نواجهها. لا بأس بالمراجعة النقدية بين فترة واخرى. فـ”فوق كل ذي علم عليم”.
نحن بحاجة الى استراتيجية تستند الى فهم معمق للقاعدة، من حيث طبيعتها، كجماعة اسلامية مسلحة قاتلة، ووضع الخطط ذات الطابع الاستراتيجي ايضا في التعامل معها، وربما يكون الهدف هو احداث شلل في جسم القاعدة، والتسبب بنحوله وضعفه الى الدرجة التي تجعله غير قادر على التحرك.
كان الجنرال الاميركي بتريوس خبيرا في مواجهة الجماعات الارهابية. وله فضل كبير في شلل القاعدة، بعد عملية الزيادة في القوات المسلحة التي قررها الرئيس الاميركي السابق بوش. ويمكن لمن يريد معرفة التفاصيل العودة الى كتاب “الحرب السرية” للكاتب الاميركي المعروف بوب ودورد. وسبق للقائد الاميركي ان كتب دليلا للحرب مع الارهابيين من 300 صفحة طبق، بنجاح، الكثير من افكاره وخططه في العراق.
نحن بحاجة الى قادة عسكريين وامنيين غير تقليديين، ذوي فكر استراتيجي، ورؤية ثاقبة، يقومون بوضع الخطط او الخطة الاستراتيجية المطلوبة للتصدي للحرب العدوانية للقاعدة، وليس مجرد اجراءات احترازية لم تثبت نجاعتها في اكثر من مناسبة. من الضروري اشراك كل طاقاتنا البشرية العسكرية والعلمية والنفسية في هذه المراجعة والدراسة والتخطيط.