تطرح بقوة هذه الايام موضوعة الانسحاب من الانتخابات النيابية المقبلة، التي من المزمع ان تجري في تشرين الاول من هذا العام، وجاءت هذه الدعوات من قبل حركات واحزاب سياسية، وبعض الاوساط الاجتماعية التي تصنف نفسها على حراك تشرين الاحتجاجي، وسط دعوات للتظاهر ايضا في الايام القادمة، فهذه الدعوات لمقاطعة الانتخابات فانها بقدر ما تثار في وقت قريب جدا من اجراء الانتخابات حيث لم يتبقى الا ما يقارب اربعة اشهر على الموعد التي المقرر، فانها ستكون بمثابة عملية رفض نتائج الانتخابات فيما بعد، صحيح ان هذه القوى لا تمتلك نفوذا سياسيا او برلمانيا فان المقاطعة والانسحاب من الانتخابات تثير تداعيات على المستوى الاجتماعي في المنظور البعيد، وقد تشكل تحدي كبير للقوى السياسية النافذة ولمجمل العملية السياسية، ولا ننسى ان هذه الانتخابات اقرت كمخرج الازمة السياسية التي عصفت بالعملية السياسية قبل اكثر من عامين، وعلى ضوء هذه الازمة عينت حكومة جديدة للمستقيل السيد عادل عبد المهدي، واقرت حكومة السيد مصطفى الكاظمي البديلة ما سمي بالانتخابات المبكرة في تشرين الاول بعد عملية تاجيل، وسجالات كثيرة حول قانونها الانتخابي.
من هنا تطرح تساولات حول الاسباب لمقاطعة الانتخابات والاشكاليات المحتملة على مجمل العملية السياسية بصورة خاصة، والنظام السياسي بشكل عام، بالنسبة للقوى التي تدعو الى مقاطعة الانتخابات فهي تنقسيم على ثلاثة اقسام وتقف وراء دعوة كل قسم عدد من الاسباب والمبررات: القسم الاول من داخل العملية السياسية، الذي يرى ان الانتخابات في موعدها المقر وفي قانونها الجديد الذي يعتمد على قانون الدوائر المتوسطة لا يخدمها كثيراً، وسيقلل من حضورها السياسي داخل مجلس النواب، وان هذه القوى تسعى جاهدة الى تاجيل الانتخابات حتى تعمل اولاً على تعديل قانون الانتخابات الحالي القائم على الدوائر المتوسط اولاً الى جانب السعي الى اعادة طرح نفسها للجمهور الانتخابي بصفة مقبولة والهدف الرئيس من التاجيل بل وصل الى حد التهديد بالمقاطعة هو اعادة بناء نفسها من جديد لكسب عدد من الاصوات الانتخابية ياهلها للدخول الى مجلس النواب. بينما يشكل القسم الاخر من الداعين لمقاطعة الانتخابات قوى وشخصيات الحراك الاحتجاجي الذي انبثق من مظاهرات عام 2018، والتهديد بالمقاطعة من قبل الحراك الاحتجاجي نستيطع ان نجمله بسببين: السبب الاول هو عمليات الترهيب والاغتيالات التي تطال ابرز ناشطي الحراك، وقد كانت حادثة اغتيال الناشط الكربلائي السيد ايهاب الوزني في حالة غدر اجرامية ليس هي الاولى في المحافظة حيث نجا الوزني في محاولة اغتيال سابقة في كانون الأول 2019 عندها اغتيل أمامه الناشط السيد فاهم الطائي الذي كان في الثالثة والخمسين من عمره، بهجوم نفذه مسلحون يستقلون دراجة نارية، بأسلحة مزودة بكاتم للصوت.
واثارت حوادث الاغتيال النكراء هذه موجات ساخطة في عدد من المحافظات، واطلقت مع اغتيال الوزني نداءات عبر الاعلام، وسائط التواصل الاجتماعي بحملة لمقاطعة الانتخابات النيابية في العراق، واصفين إياها بـ”غير الشرعية”، ومشددين على ضرورة المجموعات المسلحة لتهيئة مناخ سياسي ديمقراطي حقيقي في اشارة الى بعض الحركات والتنظيمات السياسية التي تمتلك اجنحة عسكرية ولديها موقف متحفظ من حركة الاحتجاج الشعبية والمعروفة باسم تشرين، في حين يتمثل السبب الثاني هو خشيت تيارات تشرين وشخصياتها من ان انخراطها في الانتخابات يعني مشاركتها للقوى السياسية الاخرى مما يعني الاعتراف بالواقع السياسي بكل سلبياته خصوصا من قبل الجانب الاجتماعي، اذ يرى هذا الاتجاه من داخل حركة الاحتجاجات ان المشاركة في الانتخابات المقبلة هو بمثابة اعطاء الشرعية للاشرعية في اشارة الى مجمل العملية السياسية والكيانات السياسية التي حكمت العراق بعد التغيير من النظام الاستبدادي وبالتالي قد تشكل المشاركة هذه تصفير جمهورها من الناس، لكن في الانظمة الديمقراطية ليس كل من شارك في الانتخابات وحصل على تمثيل سياسي داخل مجلس النواب يصنف على حالة الفشل كون هناك حرية تكوين معارضة داخل مجلس النواب وتشكل معارضة ضل للحكومة وكذلك للعبث البرلماني والنفعي الذي هو سمة البارزة لدورات مجلس النواب، شريطة ان لا يقع هولاء في تناقضات السلطة وبرزها معارضة من جانب والحصول مكاسب السلطة من جانب ثاني لكن في وقت واحد.
في حين يشكل عامة الشعب او الاغلبية الصامتة القسم الثالث او ما يصح ان نطلق عليه باللامنتمي، وهذا القسم يعد الفيصل الاساسي في نجاح العملية الانتخابية من عدمها حيث يعتمد على نسبة الاقبال على الانتخابات ونوعية الانتخاب لمرشحين، ويشعر عموم الشعب من مختلف الطوائف بخيبة امل في اي تغيير سياسي طالما ان هناك اعراف سياسية تاسست ورافقت العملية السياسية، لكن هذا القسم هو من يعول عليه في عملية التغيير السياسي الى جانب الفعاليات الاجتماعية الاخرى ذات النهج الحركي والاحتجاجي، اذ ما تجردت شرائح هذا القسم من المجتمع عن التشاوم وارادت خلق واقع سياسي افضل، يصب في صالح التغيير وايجاد مشرعين تحت قمة البرلمان، وقادة يصلحون مشاكل البلد ويقدمون مصلحته على مصالحهم الشخصية، ومن دون بناء وعي انتخابي يحفز فئات المجتمع المختلفة، سيكون هناك تداعيات جسيمة على مجمل العملية السياسية في العراق، لاسيما وان الانتخابات هذه تاتي كمخرج حل لازمة سياسية كما ذكرنا وبعد ما يقارب عقدين من الفشل في ادارة الدولة والتحكم بمصيرها التشريعي والتنفيذي والقضائي وسوء الادارة وانتشار الفساد وكم هائل من المشاكل على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والزراعية، والتعليمية والصحية والخدمية وما الى ذلك، يضاف الى عقود طويلة مثلت حالة محنة حكم الاستبداد الفردي الغير مقيد بالقوانين وتحكمه نزواته ومزاجياتاته.
مما تقدم ختاما نسيتطع القول ان هناك دعوات مختلفة لمقاطعة الانتخابات ولا نريد ان نقف عند حججها او تبريراتها فهي تقدر ما يمر به بالبلد وتحكم من خلال ظروفه وواقعه السياسي والامني وتوفر العدالة من عدمها في اجواء الانتخابات، لكن نرى ان مقاطعة الانتخابات اذا ما تحققت ستكون لها تداعيات كبيرة وخطيره فاولى النتائج سيكون لدينا عملية عكسية في النتائج الانتخابية فكالما كانت نسبة التصويت قليلة كلما كانت حضوض الكتل السياسية التي كانت جزء من حالة الفشل في السابق ستكون كبيرة، في حين اذا ما كانت المشاركة الانتخابية كبيرة من قبل الشعب فان عدد الاصوات التي يحتاجها المرشح ستكون اعلى مما يجعل من جمهور الكتل السياسية ليس وحدة من يحدد مصير نتائج الانتخابات اذا سيرتفع النصاب المطلوب في الفوز وهو اعلى الاصوات حسب القانون الانتخابي الذي ستجري بموجبه الانتخابات المقبلة، واي ان اصوات عامة الشعب سيكون لها تاثيراً كبيراً في تحديد الفائزين في الانتخابات حسب كل دائرة انتخابية من دوائر المحافظة الواحدة، اذا ما كانت خيارات الشعب تميل لصالح الخيارات الاصلاحية البعيدة عن الحزبية والمليشاوية والعشائرية، لذا فان تداعيات مقاطعة الانتخابات اذا ما تحققت فان ذلك يعني سيكون لدينا برلمان على شاكلته السابق مع تغيير في الوجوه وصعود صبغة عشائرية بحكم القانون الانتخابي الجديد لكن باللون كتلوي سياسي اذ ان عنصر الانتخاب العشائري سيكون له دورا كبيرا في القانون الانتخابي الجديد بحكم الواقع الاجتماعي للعديد من المحافظات العديدة وتحرص الكتل السياسية بضمه اليه، وهذا سيجعل من مداوره الفشل ذاته على مجمل العملية السياسية اما عن تداعيات مقاطعة الانتخابات الاخطر من ذلك هو قد تتضخم الحركة الاحتجاجية وتعود اقوى مما كانت عليه في عام2018مع شعارات واهداف اكبر اذ قد لا تقتصر على مطالب استقالة الحكومة واجراء انتخابات، وانما اصلاحيات جذرية تطال مجمل العملية السياسية والنظام السياسي في بلد يحكم بعقلية الطوائف والمكونات التي تتشارك في غنيمة البلد ولا تريد اين منهم التنازل عن هذه الغنائم مما يقد يشكل ذلك تحدي اخر قد يهدد وحدة البلد اذا ما حصلت هذه المكونات على دعم شعبي في المناطق الجغرافية التي تنتمي اليها هذه الكتل ونتحدث هنا عن الرفض الكردي في اي اصلاح يطال العملية السياسية اذ انهم لا يريدوا ان يتنازلوا عن المكاسب والمصالح التي حققوها في الدستور الحالي والمواقع المهمة من العملية السياسية حتى لو كان ذلك على حساب الدولة، وافول طموح شعبة في بناء دولته، وهذا ينطبق على المكونات الاخرى ايضا.