يبدو أنني كنت ساذجاً جداً في مرحلة عمرية مبكرة عندما كنت أفكر بالتدرجات الوظيفية. كم من السنين يحتاجه المعلم ليكون مدير مدرسة وكم من العمل الشاق والطويل يحتاجه الطبيب ليكون مديراً لمستشفى. كم يحتاج المهندس ليكون مديرا للبلدية وكم يحتاج العامل البسيط ليكون شئياً ما يرمي عن كاهله أعباء السنين.
التدرج في الوظيفة وتسنم المسؤوليات الكبيرة لا بد إنه أمر يحتاج إلى الخبرة والتميز إلى جانب الشهادات العلمية. فحتى الفراش يسأل عن الخبرة وعدد سنوات العمل عند تقديمه الى للعمل في دائرة بسيطة. فالمهارة هي التي تجعل من الإنسان مميزاً على أقرانه، وإلاّ سيبقى المرء في مستوآه حتى التقاعد دون أن يكون شيئا مذكوراً.
عندما كنت أنظر إلى مدير مدرستنا كنت أقول في قرارة نفسي إنه شخص أفضل من كل المعلمين، ومدير المستشفى لا بد أنه أفضل من كل الأطباء وليس من شك بأن رئيس البلدية هو أفضل مهندس في المدينة على الإطلاق.
تيقنت أن هذه النظرة لم تكن صائبة بعد أن إكتشفت أن تعين المدراء والمدراء العامين ومدير البلدية وحتى الوزراء ورئيس الوزراء لا يمد بصلة إلى الشهادة والكفاءة والمهارة وما إلى ذلك من الكلمات الرنانة الملونة، بقدر ما يتعلق الأمر بالقرابة والإنتماءات الحزبية والفئوية والولاءات والمحسوبيات وما يخفيه الفرد تحت الثرى. فمن الممكن أن يكون الفرد وزيراً حتى وإن لم يعمل مديراً للقسم، والطبيب مديراً لمستشفى من بين عشرات الأكفاء من الأطباء وإن كان شاباً. ومن الممكن جداً أن تكون قائد فرقة عسكرية وأنت عديم الكفاءة، بل من الممكن أن يكون في أي موقع رفيع وإن كان قد تخرج حديثا من جامعة أهلية. دون ذلك فتبوء مقعدك من النار وإن كنت بعلم الرازي أو إبن سيناء.
اكتشفتها ولكن بعد عمر طويل وبعد فوات الاوان.