تداعيات خطورة بيان “أبو علي العسكري” شبح الحرب الأهلية يلوح بعد سقوط أقنعة المقاومة؟

تداعيات خطورة بيان “أبو علي العسكري” شبح الحرب الأهلية يلوح بعد سقوط أقنعة المقاومة؟

في زمنٍ أصبحت تتداعى فيه المبادئ وتتهاوى القيم الاخلاقية والعرف تحت وطأة الصراعات السياسية، برز أبو علي العسكري، المسؤول الأمني في “كتائب حزب الله”، قبل يومين ببيانٍ (1) ناريٍ لاذع، مستخدما فيه لغة جريئة وحادة غير مسبوقة في العرف الاجتماعي وليس فقط ليُلهب المشاعر لأنصاره ، بل هي حقيقية تتجسد كل يوم ولكنها كانت خافية عن أعين الرأي العام وليُسقط آخر أوراق التوت التي كانت تُغطي عورات الخطاب السياسي!؟ . بكلماتٍ حادة كالسيف القاطع ، وُجّهت بصورة مباشرة إلى زعيم التيار الوطني الشيعي، السيد مقتدى الصدر، وكذلك إلى المرجعية الدينية العليا في النجف، متمثلةً والسيد عبد المهدي الكربلائي، وصف فيها خصومه بعبارات وجمل خادشة للحياء وغير أخلاقية وبالاخص الفقرة الثانية في بيانه ، وفي ردٍ غير مسبوق من قبله على دعوات حصر السلاح بيد الدولة ونزع أسلحة الفصائل والحزاب “المنفلتة” التي تتخذ من عباءة مؤسسة الحشد الشعبي ستار لها لغرض تنفيذ أجندتها . هكذا، وبجرة قلم، حوّل “العسكري” ساحة النقاش السياسي إلى مستنقعٍ من السباب والتخوين، كاشفًا عن وجهٍ قبيح لما يُسمى “المقاومة” واستخدامه لغة الشارع في ثوب “المقاومة الاسلامية “؟ ما ذكره السيد “الصدر” هو مطلب جماهيري قبل ان يكون مطلب خاص له أو صراع شخصي بينه وبين بعض قادة الفصائل الولائية وفي بيانه بمناسبة ذكرى عاشوراء أصدر زعيم التيار الوطني الشيعي بيانه المتمثل والذي اتى ببعض فقراته على النحو الاتي:”لن يقوم الحق ولا يدفع الباطل إلا بتسليم السلاح المنفلت الى الدولة وحل الميليشيات وتقوية الجيش والشرطة واستقلال العراق وعدم تبعيته” . وهذا ما يتناغم كليآ بصورة أو بأخرى ويوافق عليه ما قاله ممثل السيستاني في كربلاء، في خطابه مساء يوم الخميس 3 تموز 2025 السيد الشيخ الكربلائي وشدد على ضرورة :”تصحيح المسار وتدارك ما فات، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وداعياً إلى حصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد”. وفي أول موقف علني بعد إعلان وقف اطلاق النار بين إيران وإسرائيل، والتي كادت أن تجر فصائل واحزاب وكتائب ولائية عراقية إلى الانخراط في هذا التصعيد والذي ما يزال سخونة جمره تحت الرماد وقد تشتعل نيران المواجهة  في أي لحظة من الآن فصاعدا ؟.

شخصيآ لم يكتفِ “العسكري” بمهاجمة خصومه، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن دعوات نزع السلاح هي أصوات “متصهينة” و”منحطة” لا تملك الحق في الحديث عن “الشرف والعفة” وكأن الشرف، في قاموسه، حكرٌ على من يحمل السلاح خارج إطار الدولة، وكأن المرجعية العليا في النجف، التي لطالما كانت صوت الحكمة والاعتدال والتعقل ، باتت فجأة هدفًا مشروعًا للشتائم والتطاول. بل إن “العسكري” لم يتورع عن ربط سلاح فصيله بـانه “وديعة الإمام المهدي”، معتبرًا أن قرار التخلي عنه لا يعود إلا لـ”ولاية الفقيه”، ممثلةً بالسيد علي الخامنئي. هنا تتكشف الحقيقة: ليست المقاومة هي الهدف، بل الولاء المطلق لطهران، الذي يُبرر كل شيء، حتى لو كان ذلك على حساب كرامة العراقيين ومؤسساتهم الدينية ومرجعيتهم الرشيدة والوطنية. ومع هذا فقد برزت خلال الساعات الماضية وبعد صدور هذا “البيان” عن ردود فعل غاضبة من الشعب وصمتٌ مخزٍ مع الأسف من الحكومة ولم يمر مرور الكرام وكأن شيئ لم يكن . فقد أثار موجةً عارمة من الغضب بين أنصار المرجعية في النجف وأتباع التيار الصدري، الذين اعتبروا هذا التطاول ذروة الانحدار الأخلاقي. وكيف لا؟ أن يُتهم السيد “الصدر” والمرجعية بـ”فقدان الشرف” من قِبل من يُفترض أنه يدافع عن العراق، هو قمة التدليس والخيانة والكذب. لكن الأكثر إيلامًا هو صمت “الحكومة” العراقية، ، التي لم تُصدر ولو كلمة استنكار واحدة تُلجم هذا التطاول غير الاخلاقي لغاية هذه اللحظة . هذا الصمت ليس مجرد تقصير، بل هو يعتبر شراكة في الجريمة، وغطاءٌ ضمني لخطاب العسكري الوقح. وماذا عن “الإطار التنسيقي”؟ إنه لا يحكم، بل ينفذ، كما لو كان مجرد واجهة لأوامر تأتي من خارج الحدود.

اليوم كشفت العورات وازالة الاقنعة وعرف الجميع من هم هؤلاء (القادة) الذي يدعون زورا وبهتانا بانهم يمثلون (المقاومة الاسلامية) لانهم هم أنفسهم من سرق الدولة وذبح متظاهري ثورة تشرين السلمية ؟الحقيقة، التي لا يمكن لأحد أن يحجبها ولو بغربال، تُشير إلى أن من يتطاول اليوم على المرجعية وقيادات التيار الصدري هم أنفسهم من نهبوا ثروات العراق، وقتلوا أبناء الجنوب، وذبحوا شباب تشرين الذين خرجوا يطالبون بحقوقهم. هؤلاء الذين يرفعون شعارات الحسين وآل البيت، يستخدمونها كقناعٍ لتبرير جرائمهم، بينما يُسكتون الأصوات الحرة ويُخوّنون كل من يجرؤ على المطالبة بدولةٍ حقيقية تحترم سيادتها وكرامة شعبها. لقد انتهت مرحلة الشعارات الزائفة ، وبدأت مرحلة إسقاط الأقنعة، حيث يتضح للجميع أن من يدّعي (المقاومة) قد يكون أول من يخون الأمة. والسؤال المحرج : أين هم الشيعة العرب الوطنيون من كل هذا التهجم غير الاخلاقي؟، أين مراجعهم؟ لماذا يسكتون عن هذا التطاول؟ هل لأن “العسكري” يمثل إرادة طهران في العراق، فلا أحد يجرؤ على مواجهته؟ أم أن الخوف من “ولاية الفقيه” قد أعقم الضمائر وأسكت الألسنة؟ الحكومة التي تتفرج، و”الإطار التنسيقي” الذي يصمت، والشعب الذي يُذبح يوميًا باسم المقاومة، كلهم شركاء في هذا المشهد المأساوي. فالساكت عن الحق شيطانٌ أخرس، والصمت اليوم ليس مجرد تقاعس، بل خيانة للعراق وأهله.

أن بيان المدعو “أبو علي العسكري”، على وقاحته وحدت جرائته كان بمثابة مرآة عكست زيف خطاب “المقاومة” الذي طالما استُغل لتغطية الفساد والجريمة. لقد حان الوقت لكي يقف العراقيون، شيعةً وسنةً وأكراد ومسيحيين وغيرهم من مكونات فسيفساء المجتمع ، موحدين ضد هذا التطاول، ولكي تتحرك الحكومة لتلجم هؤلاء الذين يتاجرون بدماء الشعب وكرامته. فإن لم تتحرك الدولة اليوم، فإنها تُشارك في دفن ما تبقى من هيبتها وسمعتها . والحقيقة، كما الشمس، ساطعةٌ لا تُحجب، مهما حاول البعض تغطيتها بغربال الشعارات الزائفة.

لذلك، يتعين على الحكومة العراقية وضع استراتيجية وطنية شاملة ترتكز على ثلاث ركائز اساسية ومهمة: 

أولاً، نزع سلاح الفصائل الولائية ودمجها تحت قيادة الجيش العراقي الرسمي، مع محاسبة قادتها المتمردين على شريعة الدولة ، وعلى أي أعمال تهدد الأمن الوطني. 

ثانياً، تعزيز الدبلوماسية العراقية لإعلان الحياد العلني والصريح في الصراع الإيراني-الأمريكي، ومن خلال التنسيق مع جامعة الدول العربية و تجنب توريط العراق في نزاع إقليمي . 

ثالثاً، إطلاق حملة إعلامية وطنية شاملة تكشف زيف دعاية الفصائل التي تُسوّق الحرب كـ”دفاع عن المذهب” وعلى ان تكون الحملة وتُعزز الوحدة الوطنية عبر حوار شامل وبناء يضم المرجعيات الدينية المعتدلة من جميع الطوائف والمذاهب ،  وتكون برعاية مباشرة ودعم من مكتب السيد السيستاني، والقوى المدنية والشبابية التي قادت احتجاجات تشرين ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات السياسية والأكاديمية المستقلة.

نحن نقف اليوم جميعا على اعتاب لحظةٍ تاريخيةٍ فارقة يمر بها العراق خلال هذه الايام قد تنذر بالكارثة، ويقف على شفا هاويةٍ قد تُغرقه في مستنقعٍ من الدم والفوضى والحرب الأهلية والاقتتال “الشيعي / الشيعي” لم يكن هذا البيان الذي استخدم فيه “العسكري” ولاول مرة وغير مسبوقة في بياناته السابقة لغة حادة جدا وجريئة لم نعهدها من قبل ، بل يعتبر هذا البيان لمن اطلع عليه وقرئ محتواه بانه قنبلة موقوتة تهدد بتفجير مواجهةٍ مسلحةٍ بين أنصار التيار الصدري وميليشيات كتائب حزب الله الولائية لطهران. هذه المواجهة المسلحة والتي تنذر بان يشترك الجيش العراقي مرغمآ أخاك لا بطل على الأقل ليعيد الوضع الطبيعي إلى أوله , ولكن الحدة الصراع المسلح والانفلات الأمني الذي سوف يصاحب مثل تلك المواجهات المسلحة لا سامح الله أن حدثت بين سرايا السلام واعادة حتى جيش المهدي من سبات تجميده الى الواجهة تنذر بكارثة تحل بالعراق لان الجميع سوف يتقاتل مع بعضه البعض ولا تعرف بعدها من هو الصديق والعدة حيث لا تفرق بينهما لأن جميع الوجوه متشابهة مع بعضها البعض ، هذا البيان على خطورته قد ينذر بكارثة ويقرب المواجهة المسلحة والتي قد تكون أصبحت قاب قوسين أو أدنى بعد صدور مثل تلك العبارات والجمل الجريئة غير الاخلاقية ، وتُنذر باستنساخٍ مفجع ومروعٍ لتجربة الحرب الأهلية في السودان، حيث ما تزال تتصارع قوات الجيش والدعم السريع في معركةٍ تأتي على الأخضر واليابس. العراق اليوم ، الذي يترنح تحت وطأة الفساد المالي والاداري والانقسامات الحزبية والسياسية وبالأخص ما يجرب بين الحكومة الاتحادية وحكومة أربيل والاتهامات المتبادلة حول القصف الذي استهدف بالمسيرات مواقع ومنشات عسكرية ومطارات اتهمت فيه صراحة وزارة داخلية حكومة الاقليم بان وراء هذه الهجمات فصائل مسلحة ولائية تحت حجة قصف مقرات لجهاز الموساد الاسرائيلي ، اليوم العراق ليس بحاجةٍ إلى حربٍ أهليةٍ أخرى تُجهز على ما تبقى من أملٍ يعتبرونه أخضر ولكنه في الحقيقة مجرد لون أصفرٍ باهت، وتُطيح بمستقبلٍ بات بعيد المنال لمجتمعه ، مشوبًا بالحذر والترقب. إن صمت الحكومة وتردد الإطار التنسيقي على استنكار مثل تلك البيانات يُضاعفان من خطورة هذا الاشتعال الوشيك، وان لا تبقى الحكومة مخطوفة من قبل هذه الفصائل الولائية إلى أمد بعيد ولا نرى فيه أي مستقبل ؟ فهل سنشهد انهيارًا جديدًا يُسقط العراق في ظلامٍ لا رجعة منه؟ وهذا ما لا نتمناه قطعا .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات