18 ديسمبر، 2024 6:48 م

تداعيات تصاعد حدَّة التوتُّر بين إيران وجارتها أذربيجان بعد الهجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران

تداعيات تصاعد حدَّة التوتُّر بين إيران وجارتها أذربيجان بعد الهجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران

في تطوُّرات لافتة ومتسارعة، تصاعدت حدَّة التوتُّر بين كُلٍّ من إيران وجارتها الشمالية أذربيجان؛ ما يُنبئ عن تطوُّرات إقليمية كبيرة. بدأ هذا التصعيد مع عرقلة أذربيجان وصول الشاحنات الإيرانية إلى أرمينيا، وعرقلة النظام الايراني من تنفيذ اتفاقية بين أذربيجان وأرمينيا بفتح ممر زنغازور. ويأتي إجراء أذربيجان مناورات عسكرية مشتركة مع كُلٍّ من باكستان وتركيا في بحر قزوين بأسم الإخوة الثلاثة 2021م حيث اعتبرت ايران هذه التحرُّكات بمثابة تهديد لمصالحها الحيوية، ودعمًا لعملية تغيير مُرتقَبة للخريطة الجيوسياسية في محيطها الجغرافي، تفتح بدورها المجال أمام نفوذ أوسع لقُوى منافِسة لإيران، أبرزها تركيا وباكستان.
في ظِل هذه التحركات والتحدِّيات، كانت إيران أعلنت عن إجراء مناورة عسكرية قُرب حدودها مع أذربيجان، يبدو أن هذه التحرُّكات الإيرانية ترتبط ارتباطًا بالمشهد الجيوسياسي في المنطقة، بعد تحرير إقليم قره باغ الاذربيجانية من الاحتلال الارميني الغاشم، بسواعد جيشها الباسل بقيادة الرئيس المظفر الهام علييف مع تحول أذربيجان لرقم مهمّ في حسابات القُوى الإقليمية المتنافسة والمتصارعة مع إيران.
وتأتي تعرض مقر السفارة الاذربيجانية في طهران إثر هجوم مسلّح على مقر السفارة الأذربيجانية في العاصمة الإيرانية طهران واستشهاد أورخان عسكروف، رئيس جهاز الأمن بالسفارة، أثناء التصدي للهجوم، فيما أصيب شخص آخر بجروح حيث أن المهاجم اخترق نقطة الحراسة وقتل مسؤول الأمني ببندقية كلاشنيكوف.تـأتي هذا التصعيد الايراني ضمن سلسلة من عمليات التصعيدية الايرانية المتكررة وبأشكال مختلفة ضد الجارة أذربيجان.
والعلاقات بين أذربيجان وايران حساسة جدا لوجود أربعين مليون من أتراك أذربيجان الجنوبية في داخل ايران ولطالما اتهمت إيران جارتها بإثارة المشاعر الانفصالية لأتراك أذربيجان الجنوبية في أراضيها هذه من جهة ، ومن جهة أخرى إنّ أذربيجان الناطقة بالتركية حليف وثيق لتركيا الخصم التاريخي لإيران. كما تخشى طهران من أن تستعمل إسرائيل الأراضي الأذربيجانية في هجوم محتمل ضدها، حسب ادعاءات نظام في طهران. كما تنظر طهران بكثير من الريبة إلى طموحات باكو لفتح ممر زنغازور يصل إلى جيبها ناخيتشيفان ومنه إلى تركيا، ويعبر الممر على طول الحدود الأرمينية الإيرانية.ومن شأن هذا المشروع أن ينهي اعتماد أذربيجان على إيران في الوصول إلى جيب ناخيتشيفان.
 بينما يُستبعَد سيناريو دخول الجانبين الإيراني والأذربيجاني في مواجهات مسلَّحة، لاعتبارات التكلُفة العالية للحرب، والاقتصاد المنهك لكلا الدولتين، والتحدِّيات الداخلية والخارجية المتراكمة أمامهما، ومخاوف كُلِّ دولة على خسارة مصالحها، التي يمكن حمايتها دون خسائر من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات أفضل من الدخول في حرب، ولا سيَّما أنَّ التصعيد المتبادل لا يزال في طور الدفاع، ولم يتّخِذ بعد الطابع الهجومي المسلَّح.
وتعكس المعطيات السابقة أنَّ هناك تحوُّلات كُبرى تجرى على الساحتين الإقليمية والدولية، في أدوات تحجيم أدوار أو نفوذ بعض القُوى الإقليمية الطامحة في التمدُّد والتوسُّع على حساب أمن واستقرار الدول، وهو بالأساس ليس في صالح إيران ذات النزعة العدوانية التوسُّعية على حساب جاراتها العربية والاسلامية المحيطة بها.
بدلًا من التمدُّد الايراني لتحقيق أهدافها الكُبرى، وإن كانت تمتلك ساحات نفوذ تواجه فيها تحدِّيات جمَّة، وجدت نفسها محاصرة بدائرة أو بطوق من الأزمات والأعداء والخصوم، بفعل سياساتها وتدخُّلاتها التوسُّعية،ما يعكس أنَّ هناك سياسات إقليمية ودولية جديدة لتحجيم نفوذ إيران وكبح جماحها، بفرض العقوبات الاقتصادية ،وإنَّما من خلال تطويق إيران بطوق أزماتٍ أمنية وصراعاتٍ داخلية وأعداء من كُلِّ جانب؛ بهدف دفع إيران لتعديل سلوك نظامها، بما يجعلها دولة طبيعية في ظل نظام عالمي جديد يسودها الديمقراطية والحرية .
طبيب- باحث في الشان التركي وأوراسيا