تظاهرات التيار الصدري والتيار المدني ومجاميع قليلة من اباء الشعب المستقلين التي انطلقت منذ عدة أشهر وتوجت باعتصامات أطلقت بارقة أمل للقضاء على الفساد والمفسدين والسراق وأضاءت ضوءا في آخر النفق المظلم الذي دخل فيه البلد خلال السنوات الماضية بسبب سوء السياسات والانتقاد الى الى القيادات بمختلف المستويات. الا ان مبادرة التسويف التي تبناها السيد العبادي وقبلها للاسف السيد الصدر بإعطاء عشرة ايام مهلة لاختيار المرشحين كوزراء جدد. هذا القبول لم يكن مقنعا لأغلب أبناء الشعب الذي تمنى بقاء السيد والمعتصمين في الخضراء وامام بواباتها لإدامة استمرارية الضغوطات على الحكومة والكتل السياسية الرافضة للإصلاح . مؤشرات الحِنث بوعود الاصلاح من قبل اللجان البرلمانية والكتل السياسية بدأت وللاسف في اليوم التالي لإعطاء المهلة ، في الوقت الذي رفع فيه البرلمان جلسته الى 12 من الشهر الجاري ، اي بعد انتهاء المدة بيومين ، مما يمثل تحدياً صارخاً للشعب والمطالبين والمنادين بالاصلاحات.وقد تغيرت آلية تقديم اسماء المرشحين بعرض اسماء من رشحتهم الكتل السياسية وهو يعني العودة الى اُسلوب المحاصصة الحزبية التي دمرت البلد خلال الثلاثة عشرة سنة الماضية.فاللجان البرلمانية التي أحيلت اليها الملفات والسير الذاتية للوزراء المرشحين رفضتهم واعترضت على جوانب في سيرهم تحت حجج واهية مختلفة ، وبالتاكيد حدث ذلك بايعاز من احزاب اعضاء هذه اللجان . والبرلمان نفسه وعلى لسان هيئة رئاسته أعلن بشكل غير مباشر رفض اغلب الأسماء المرشحة وقبل ذلك عدم موافته على آلية اختيار هذه الأسماء.التأثيرات الدولية والإقليمية ما انفكت تمارس ضد من يقود ويطالب بعملية التغيير الوزاري اولا والإصلاح الشامل كهدف رئيس ثانياً .فقد اجرى الاسبوع الماضي الممثل الرئاسي الأميركي برت ماكغورك يرافقه السفير الأميركي ببغداد اتصالاته مع قيادة الكتل ورئيس الحكومة، ووصل وزير الخارجية الأميركي جون كبري قبل ايام الى بغداد والتقى بمسؤولين فيها ملوحاً كالعادة بتحذيرات مخاطر داعش على العراق اذا ما تزعزع الاستقرار فيه ، بحسب قوله، وكأن الوضع مستقر تماماً في عموم البلد! هذا التهديد يضاف الى التحذيرات السابقة والمتعددة بانهيار سد الموصل والازمة الاقتصادية وغيرها . وفي ذات السياق ، نشّطت السفارة الإيرانية من اتصالاتها بالقيادات العراقية، والتأكيد عبرها على تغييرٍ وزاري متوازن لا يتجاوز على إرادة الكتل.هذه الأحداث والتداعيات المتسارعة تجري مع حلول التاسع من نيسان مذكراً بمرور ثلاثة عشر عاماً على دخول الأميركان الى العراق تحت عناوين اختلف عليها العراقيون بين تحرير واحتلال .الشيء المهم الذي يبدو لنا اليوم اكثر وضوحاً هو ان العراق لايزال تحت السيطرة الاميركية ولم يسترد سيادته رغم الاعلان عنها عام 2011 . فالأميركان لا يتركون للقيادة العراقية حرية التخطيط واختيار ساعة الصفر لتحرير المدن العراقية المحتلة من قبل داعش ، ولا يقبلون بأية طروحات حول انتخابات مبكرة التي اعلنها قادة سياسيون منذ العام الماضي وحتى اليوم ، ولا يرغبون بأي تغيير وزاري شامل وقبل ذلك اذا ما مَس رئيس الوزراء المزكى والمدعوم من قبلهم ، وبالتالي لايقدرون بإجراء إصلاحات لانها سوف تقضي على الفوضى التي هي من صناعتهم.اما مبادرة السيد الصدر بالإصلاح التي فوضه الشعب للقيام بها بدلا من العبادي الذي فشل في التعامل معها ، يبدو انها وأدت قبل ان ترى النور في حين اصبح اليوم لا أحد يطمئن الى شخص ما ضمن الوجوه السياسية الحالية يستطيع قيادة الاصلاح .التفويض عاد الى أيدي الشعب وربما سيكون هو الوحيد الذي يستطيع التعامل معه ، مع ان التيار الصدري بدأ خطوة جديدة قبل عدة ايام بسحب وزرائه الثلاثة من الحكومة تنفيذا لوعد زعيمه باتخاذ خطوات جديدة اكثر مراساً وشدة من سابقاتها في حال تراجع العبادي والكتل السياسية عن وعودها بالموافقة على تغيير وزراي يضم وزراء مستقلين. مايجرى اليوم من اعتراض واسع من قبل البرلمانيين ضد اعادة منهج المحاصصة يعد انتقالة نوعية وبوادر صحوة لهؤلاء البرلمانيين للتحرر من قبضة وقيود قادة كتلهم السياسية المسلطين على رقابهم قبل ان يكونوا مسلطين على رقاب الشعب العراقي.الأيام القادمة حبلى بالاحداث وإن غد لناظره قريب.