19 ديسمبر، 2024 12:24 ص

تداعيات «الهلال الإخواني» .. روايتان للتمدد السلفي في تونس

تداعيات «الهلال الإخواني» .. روايتان للتمدد السلفي في تونس

حذّر عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس، بتاريخ 22/08/2012، من فتنة بسبب قيام دعاة سعوديين بتنظيم دورات لنشر الفكر الوهابي المتشدد في تونس التي تعتمد المذهب المالكي.

وقال مورو أن هؤلاء الدعاة «يأخذون شبابا ليس لديهم معرفة دينية سابقة وحديثي العهد بالصلاة، ويعلمونهم قواعد الفكر الحنبلي، ويهيئونهم لأن يصبحوا طابورا في بلدنا يدعو إلى استبعاد المذهب المالكي والفقه المالكي وإحلال المذهب الحنبلي مكانه»، وأوضح أن الدعاة السعوديين ينظمون في تونس «دورات تكوينية مغلقة» تستمر ثلاثة أشهر، ويدفعون مقابلا ماديا للشبان الذين يتابعونها لأنهم «ينقطعون عن أعمالهم» طوال الدورات. و تابع مورو «هذا أمر خطير لا نرضاه. سيدخل علينا ارتباكا في وطننا. نحن لا مشكلة لدينا مع المذهب الحنبلي، لكن نحن في تونس لدينا وحدة المذهب المالكي».

يذكر أن في تونس أقلية شيعية تتركز أساسًا في قابس بجنوب البلاد. إلا أن عددهم ضئيل، حيث لا يتعدى الفين أو ثلاثة. علما بأن عدد سكان تونس يناهز الاحد عشر مليونا.

إلى ذلك، حذرت وزارة الثقافة التونسية، في بيان، من أن «تواتر الاعتداءات (السلفية) على التظاهرات الثقافية» في البلاد «ينذر باحتقان مذهبي غريب عن المجتمع التونسي المعروف بوسطيته». وأهابت الوزارة بجميع الأطراف «التصدي لمثل هذه الظواهر المتطرفة»، ودعت إلى «محاسبة الأطراف المتورطة وعدم التسامح معها».

اما الرواية السعودية للأحداث المذكورة فقد جاءت على صفحات «جريدة الجزيرة» السعودية بتاريخ 24/08/2012، حيث ورد فيها أن «الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي» قد اعلنت أن «المركز الثقافي الإيراني التابع لسفارة طهران بتونس يعمل بالاشتراك مع الرابطة التونسية للتسامح على نشر التشيع في تونس عبر مخطط يقوم على رصد الأموال وتجنيد الأشخاص وتكوين خلايا نائمة ذات ولاء لإيران ولمراجع شيعية تشتغل حسب أجندات صفوية عنصرية».

وفي الحادي والعشرين من ايلول 2012، حذر زعيم حركة النهضة الاخواني راشد الغنوشي من السلفيين وأكد أنهم «يشكلون خطرا ليس فقط على النهضة وإنما على الحريات العامة في البلاد وعلى أمنها». وشذب الغنوشي من حدة تصريحه هذا في لقاء له مع جريدة الحياة، حيث اوضح أن «هذا البلد بلد حرية، والثورة أسقطت كل وصاية على الفكر وتركت المجال للفكر مفتوحاً، فلم يعد هناك مجال لتجريم تيار فكري أو حتى لتجريم تنظيم وإنما الجريمة طبيعتها فردية. ولذلك المؤاخذة الأساسية على هؤلاء [= السلفيين] ليست بالجملة وإنما على من يتجاوز القانون بغض النظر عن خلفيته، أكانت سلفية أم علمانية. فالناس أحرار في فكرهم ولكن احترام القانون واجب عليهم جميعاً».

ويرى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أن اتباع السلفية الجهادية هم «ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان، وضد كل شيء. هم أقلية صغيرة، لكنها قد تكون مؤذية جدا لسمعة تونس، وتهديدا للديمقراطية، ولعلاقاتنا مع الدول الاجنبية»، وأكد ان حركة النهضة «يحسون بالتهديد السلفي، اكثر من العلمانيين أحيانا».

ولكن، واقعيا لا يستطيع «الاخوان المسلمون» أن يفكوا عرى تحالفهم الستراتيجي مع التيار السلفي، فالقوى العلمانية تقف ندا قويا بوجه «الاخوان المسلمين». وحين تفشت ظاهرة حرق الاضرحة والمزارات الدينية التي اتت على ابرز الموروث الثقافي في عموم تونس، اكتفت الحكومة التونسية بالاستنكار والتنديد دون اتخاذ الإجراءات الاحتياطية والوقائية اللازمة وتحديد هوية وانتماء الجهة التي تقف وراء تلك الاعتداءات.

أما التطور الخطير اللافت الآخر فهو اقدام «جهات مجهولة» على اغتيال الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد. وجريمة الاغتيال السياسي مفردة غير معهودة أبدا لتصفية الحسابات مع الخصوم.

لقد كشفت التصريحات اللاحقة لاغتيال «شكري بلعيد» عن الجهة التي تقف وراء اغتياله؛ فقد أعلن ابو عياض التونسي زعيم تنظيم انصار الشريعة السلفي الجهادي في بيان «ندعو جميع المسلمين الذين ترحموا على ملحد معاد للإسلام واعتبروه شهيدا ان يتوبوا الى الله وان يراجعوا دينهم»، وقال «نذكر بالحكم الشرعي في امثال هؤلاء، اذا نفق منهم احد فانه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقار المسلمين وهذا اجماع قطعي». ودعا متشددون على صفحات فيسبوك الى اخراج جثمان شكري بلعيد من المقبرة لأنه «كافر»، الأمر الذي دعا بوزارة الدفاع أن يقوم بتامين ضريح «بلعيد» خوفا من تدنيسه من قبل السلفيين المتشددين.

من المسلّم به أن المملكة العربية السعودية قادرة، فكريا وماديا، على التحكم بالتيار السلفي بشقيه، المهادن والجهادي، فكلا الجناحين يتأثران كثيرا برجال دين سعوديين أو درسوا في السعودية.

رغم أن السعودية قد اكتوت بشرور إرهاب التيار السلفي الجهادي، ولكن؛ لا المؤسسة الدينية ولا السلطة قطعا الوشائج القوية التي تربطهما بالسلفيين، حتى في ذروة الأزمة بينهم، فقد تم تصفية «الفئة الضالـّة» واستعادت المؤسسة الدينية سلطتها على التيار السلفي، واستمرت «اموال الزكاة والتبرعات» تتدفق على سلفيي الداخل والخارج دون أي انقطاع.

يبقى القلق السعودي من اتساع النفوذ الإيراني عاملا اساسيا في توجيه تحركاتها وتحالفاتها، ولهذا فإن السعودية تبذل جهدها لسد الثغرات التي قد ينفذ منها الإيرانيون لتحقيق بعض النفوذ في المغرب العربي. والسعوديون ماضون في ذلك مهما استلزم من تكاليف.