19 مايو، 2024 10:45 م
Search
Close this search box.

تداعيات اجتثاث البعث‎

Facebook
Twitter
LinkedIn

كثيرة هي الاخطاء التي صاحبت احتلال العراق من قبل الامريكان عام 2003 ، وتنصيب السفير بريمر حاكما مطلقا فيه . ولا تقتصر الاخطاء على حل الجيش العراقي ، واحلال الميليشيات الحزبية محل الشرطة المحلية ، ولا في تشكيل مجلس الحكم من عناصر هزيلة فقط . وانما كان الخطأ الاكبر في قرار اجتثاث البعث . هذا القرار الذي شق وحدة الصف العراقي ، واحل الانتقام محل العدالة في محاسبة المقصرين والذين اجرموا في حق الشعب من قبل رجالات النظام السابق . فتمت عمليات التصفية والاغتيالات للطيارين العراقيين اولا ثم لضباط الجيش ، وهجرة ما تبقى منهم . وقد ساهمت دول اقليمية في هذه العملية ، وعلى الاخص ايران والكويت اللتان لهما ثارات كبيرة تجاه الجيش العراقي وضباطه . ثم جاء المالكي على رأس السلطة ، وتبدلت تسمية اجتثاث البعث الى هيئة المسائلة والعدالة ، فقام باستثناء الضباط والمدنيين البعثيين من المنافقين الذين توددوا له لمصالح شخصية انانية بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة ، او مصلحة العراق كدولة ذات سيادة . وقام المالكي بعملية منهجية في احتضان الاشخاص الذين يدينون بالولاء الشخصي له ، وضرب الاشخاص الذين ابتعدوا عنه . مقلدا في ذلك نظام الحكم السابق ، بل تجاوزه عندما قام بشراء الذمم . فانفق ملايين الدولارات على اشخاص لا يستحقون دولارا واحدا في سوق النخاسة ! . فقام بشق القائمة العراقية المنافسة له والتي قدمت نفسها على انها قائمة العراقيين بمختلف طوائفهم . فانشقت القائمة الى سنة المالكي ، وفصائل متشرذمة اخرى خارج تاثير السلطة الحاكمة . ومن هنا عم الفساد في كل مفصل من مفاصل الحياة السياسية في العراق . وقد فشل حزب الدعوة والمالكي على حد سواء في تاسيس نظام حكم يستند على مفهوم الدولة ، فتشكلت سلطات متعددة الولاءات موزعة على احزاب اسلامية شيعية وسنية واحزاب كوردية .
وتوسعت عمليات الانتقام والتصفية الجسدية والحرمان من الحقوق لتشمل قطاعات واسعة من عرب السنة ، بدعوى انتمائهم لحزب البعث ، فحرموا من الرواتب التقاعدية ، ثم حرموا من التعيين في الوظائف العامة والجيش ، وحتى الشرطة الا القليل منهم . . ولما شعر العرب السنة بحرمانهم من السلطة اولا ، ثم من امتيازاتها ، وعزلهم شيئا فشيئا . ثارت ثائرتهم ، وتمردوا على السلطة الحاكمة ، واستغلت القاعدة هذه الظاهرة فنشرت الفوضى والعمل المسلح تجاه نظام الحكم ، واخذت بالتوسع ، فانتبه الجنرال الامريكي بترايوس لخطورة الوضع . فانشأ الصحوات من نفس عرب السنة لقتال القاعدة . . وقد نجحت هذه العملية الى حد بعيد في القضاء المبرم على القاعدة ، قيادة وقاعدة وحتى فكرا . . وكان الصحوات يتقاضون رواتب ومخصصات مجزية ، سرعان ما جردهم المالكي منها ، على اعتبار ان القاعدة قد تم القضاء عليها ، وليس هنالك من خطر او عدو آخر يهدده ! . فعاد السنة وخصوصا في منطقة الانبار والحويجة بالاحتجاج والتظاهر ، ثم بالاعتصام . وبدلا من تلبية مطالبهم او بعضها ، او حتى الاستماع الي شكاواهم . قام باستخدام القوة ضدهم ، واهما من انهم سوف يرضخون ، ويدينون له بالولاء . وقد دفعه الى ذلك الغرور والشلة المحيطة به ، فقدم نفسه كزعيم اوحد للعراق ، فعاث فسادا فيه لغبائه وقلة خبرته . . وكان هناك عدو لدود على الابواب ينتظر الفرصة السانحة . ذلك هو داعش الارهابي ، الذي انقض على الفلوجة ، ثم الموصل وصلاح الدين ، فاحتل ثلث مساحة العراق خلال ايام قلائل ، فسقطت هيبة الحكم وجنرالاته ، ولا نقول هيبة الدولة ، لانه لم تكن هناك دولة ولا مؤسسات ولا نظام متماسك لا في الدوائر المدنية ولا في الوحدات العسكرية ، حيث كانت الولاءات كما اسلفنا موزعة على الاحزاب المشاركة في الحكم من شيعة السلطة وسنة السلطة ، ولا زالت قائمة الى يومنا هذا ! . ولم يكن هناك من يتكلم بروح المواطنة ، او الولاء للوطن الواحد . كما ان هناك قطاعات واسعة من الشيعة وعرب السنة لا زالوا ناقمين على حكم لم ينصفهم ، واستأثر بالثروة والسلطة له ولاتباعه من الاحزاب المشاركة في نهب المال العام . 
ان عمليات تحرير المدن من سطوة تنظيم داعش المتخلف قد تمت تارة بالقوة العسكرية ، وتارة باتفاقات سرية مع قيادات سنية من خارج العملية السياسية . . والا كيف تبرر دخول قطعات الجيش والحشد العشائري الى الفلوجة بوقت قياسي ، مع بقاء اغلب منشات المدينة سليمة . كما ان هناك على ارجح الاقوال ما يقارب السبعمائة سيارة قد تم اجلائها من الفلوجة وقام طيران الجيش بمفرده بضرب اعدادا قليلة منها . ! . ثم تم اطلاق سراح الاف الرجال من الذين كانوا موجودين في الفلوجة قبل تحريرها . . وكذلك سيكون الحال عليه عند تحرير الموصل . هل سيتم قتل كل رجال المدينة بدعوى انتمائهم للتنظيم الارهابي . . ان هناك عناصر مغرر بها ، واخرى وصل بها اليأس الى حد استخدام القوة والتمرد . وقد استغلت داعش هذه النقمة فسيطرت على المدن وعلى المدنيين فيها ايضا ، واستغلتهم ابشع استغلال . 
نعود الى موضوع اجتثاث البعث وقانون المسائلة والعدالة ، والمادة 4 ارهاب المسلطة على عرب السنة . ونعود الى موضوع الحرس الوطني الذي علق تشكيله لوجود فيتو من احزاب السلطة وكذلك ايقاف العمل بمناقشة قانون العفو العام . ان قطاعات واسعة من السنة ممن هم خارج السلطة لا زالت تنظر بعين الريبة والشك ازاء ممارسات الاحزاب المتنفذة التي تقود العملية السياسية . كما ان الحزب الاسلامي وبعض الاشخاص ارمحسوبين على السنة ، لم يعودوا يمثلون سوى انفسهم . وان الشقة تتسع بين جماهير السنة والسلطة القائمة على ادارة العملية السياسية ، فكيف يمكن حل هذه المعضلة . ان من قصر النظر ، وضيق الافق التفكير بان الامور ستبقى على ما هي عليه الان . . انني اكاد ارى رؤية عين ، ان هناك مشاريع لا تقل خطورة عن داعش تلوح بالافق بعد القضاء على هذه الجرثومة التي دخلت الجسد العراقي نتيجة التمييز والاقصاء . وقد حذرنا كثيرا من خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه . . وقد قال الشاعر قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه . ! 
ان هناك اتفاقات وصفقات سياسية تتم بعلم الحكومة للخروج من هذا المازق . حيث لن يبق هنالك من مخرج سوى انشاء الاقاليم اضافة لاقليم كوردستان الموجود حاليا . . مثل اقليم نينوى الذي سيضم محافظة نينوى وبعض اقضية صلاح الدين . واقليم الوسط الذي سيضم محافظة صلاح الدين والانبار وقسم من ديالى . واقليم الجنوب ، ثم اقليم بغداد . ان نظام الاقاليم هو من الانظمة الادارية المتقدمة وتحتاج الى وعي حضاري ومدني عالٍ ، وان واقع الحال عندنا في العراق لم يتبلور الى مثل هذه الدرجة من الوعي ، وخصوصا ان ما يحدنا انظمة رجعية متخلفة مثل السعودية وايران والنظام الاخواني في تركيا . . واذا لم نرتق الى مستوى المسؤولية ، فان العاقبة ستكون وخيمة . كان الله في عون العراق والعراقيين . 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب