على منوال من سبقه، قد يفجر الرئيس الأمريكي باراك أوباما قنبلة عراقية من العيار الثقيل في آخر أيامه على طاولة الرئاسة في المكتب البيضاوي. قنبلة تتعلق بصناعة هذا النمط من السياسيين الفاسدين الذين نهبوا ثروات البلد، وبدل الخجل أو الانزواء أو الصمت، هاهم يرصفون آخر توابيت عراقيتهم على تخوم الهاوية.
بالأمس، خرج المالكي، قائد المرحلة وفارسها “الأوحد”، ليحذر من المندسين “البعثيين” بين صفوف المعتصمين لتخريب “العملية السياسية. خرج الرجل من أزقة المعارضة التسعينية دون شعور بالزمن الذي ينساب من بين يديه على مدى السنوات الماضية دون أن يشعر بقيمته. ثنائية المالكي، العملية السياسية- البعثيين، لم تعد تصلح علفا لأسماك الاهوار. هذه الفانتزيا الثورية تؤكد خشبية عقول من يقودون العملية السياسية التي حافظ عليها المالكي طيلة عهده في الحكم الذي دام ثمان سنوات عجاف.
لم تكن معظم الأسماء التي تتصدر المشهد السياسي الآن وبمقدمتها المالكي والعبادي والجعفري والنجيفيان وآلـ”المطلك” والكرابلة وغيرهم الكثير، لم تكن مطروحة على طاولة التغيير الأمريكي لنظام الحكم في العراق. دهاليز مؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي عقد قبيل الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003 أحالت طرح الأسماء المرشحة لقيادة الفترة الانتقالية الى مؤتمر صلاح الدين الذي شهد انبثاق لجنة سميت آنذاك بلجنة التنسيق والمتابعة وتكونت من ثلاث وستين شخصية تقاسمتها الأحزاب والشخصيات الفاعلة في المشهد المعارض، لكن هذه اللجنة دفنت في مقبرة أسرار الحاكم الأمريكي المدني للعراق بول بريمر الذي صنّع هذه الشخصيات التي تصدت لنهب العراق وتدمير ما تبقى من بناه التحتية على جميع المستويات. من هنا يأتي ترقب القنبلة التي قد يفجرها أوباما لتكون في سياق حمى التغيير التي تجتاح الشارع العراقي لخلق مقاربات بانورامية قد تحيل المشهد بأكمله الى مجرد ركام تنبعث من خلاله عملية سياسية تشرع بإعادة البوصلة الى اتجاهها الصحيح أو تعيدها الى موازاته على أقل تقدير.
ما صنعته واشنطن هو نظام يكاد لا يصلح حتى للعصور الحجرية، وما وصفته كونداليزا رايس ذات صحوة بانه تغيير تكتيكي في قواعد اللعبة، أصبح تغييرا في مفهوم الدولة التي لم تتمكن من الحفاظ على تسلسلها في قائمة الدول الفاشلة لتصبح ببساطة “لا دولة”.
حفنة الفاشلين والفاسدين يريدون تحويل الاعتصامات الى سيرك سياسي قبل ان تتحول الى ورشة لتعقيم العراق من الفساد والفشل، وهم بهذه العقول الخشبية لا يستطيعون فهم هذه
الاعتصامات باعتبارها نتاج جدلية التحديث الذي طال المجايلة العراقية التي تخلصت في بواكيرها الأخيرة ونتيجة ذات الزمن الذي تسرب من أيدي المالكي ورفاقه، من تهمة “البعث” الجاهزة، وان من أهم أهداف هذه الاعتصامات التخلص من وجوههم الكالحة التي علاها الصدأ الفكري مثلما علاها الغبار.