تخريب منشأت الوزارات ومؤسسات الدولة … الايقاع الخاطئ والسلوك المشينمن حق اي انسان في المجتمعات المتحضرة الادلاء برأيه حول تطورات الاحداث المختلفة وبيان موقفه وتصوراته المستقبلية نحو الفعاليات السياسية والاقتصادية والخدمية التي سيتعايش مع مفرداتها يومياً .
وقد كفلت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ودساتير الامم والشعوب هذا الحق للمواطن واعطته له وفق الاطر القانونية التي لا تتقاطع مع التوجيهات العامة التي تمس حياة المجتمع بأكمله واخذت اساليب ابداء الرأي والتعبير والاحتجاج صيغ متعددة بعد التطور الهائل الذي شهدته اجهزة البث الفضائي ووسائل الاتصال الاجتماعي والقوانين النافذة التي تنظم التظاهرات بالتأكيد عدم اضرارها ببنيان المجتمع ومؤسسات الدولة والملكية العامة والفردية وحددت ان حرية الفرد الشخصية تنتهي عندما تبدأ حرية الافراد الاخرين .
وشهدت اساليب ابداء الرأي بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 وبدايه العهد الجمهوري انتعاشاً بعد توسيع القاعدة الديمقراطية واعطاء هامش للحريات الصحفية وتشكيل الاتحادات والنقابات الصحفية التي توجت بعقد المؤتمر التأسيسي الاول لنقابة الصحفيين وتشكيل اول هيئة نقابية عام 1959 التي تعد مؤشراً مهماً في ايجاد متنفس للحريات العامة بالرغم من الهفوات الكبيرة التي اعترت مسيرة العمل الديمقراطي والتصارع الذي شهدته الساحة السياسية بين احزاب التيارين القومي والماركسي .
وبعد عام 1968 وسيطرة مفاهيم النظام الشمولي اخذت اساليب ابداء الرأي وحق التظاهر منحاً اخر تمثل في سيطرات افكار الحزب الواحد عليها بشكل محكم حيث اضحى الفرد منقاداً دون ان يدري في استخدام حق التظاهر الذي يأتي تنظيمه بايعاز من الاجهزة الحزبية وفق ما يسمى في علم الاجتماع ” الانقياد الجمعي ” يتظاهر الفرد وهو لا يعلم شيئاً عن ابعاد مشاركته ويدخل البعض في التظاهر وهو غير مقتنع بمشاركته او انه جيء به مجبراً من مؤسسته التي يعمل بها وهي بأكملها لم تستطع الارتقاء بحرية ابداء الرأي وفق مفاهيمها الصحيحة .
وتطورات اساليب ابداء الرأي وحق التظاهر الى انفلاتاً واسع وكبيربعد عام 2003 وسيطرة سياسة الاحتلال على مرافق المجتمع والسماح بتشكيل الاحزاب السياسية المختلفة وصدور العديد من الصحف الموسمية وظهور عدد كبير من القنوات الفضائية التي اصبحت مسرحاً للمهاترات وعدم الانضباط ومكاناُ للتشفي وتبادل الاتهامات بين السياسيين انفسهم … كما ان تنظيم التظاهرات الاحتجاجية الرافضة لتوجيهات الدولة والحكومة اصبح مشاعاً امام الجميع لا تقف امامه حتى الصيغ القانونية التي شرعت فيما بعد .
الا ان الذي يلفت النظر هو توجه الكثير من التظاهرات في سابقة خطيرة لم يشهد لها العراق مثيلاً نحو الاضرار بالمنشأة العامة كأسلوب للتعبير وابداء الرأي عن عدم الرضا عن قرارات الحكومة المركزية واداء بعض مؤسسات وزارات الدولة وابتعدت كثيراً عن صيغ التظاهر السلمي الذي يراد منه تكوين رأي عام ضاغط نحو مطاليب تحسين تقديم الخدمات او تعديل بعض القوانين التي تمس حياة المواطن اليومية .
واضحت التظاهرات التي هي وجه من اوجه ابداء الرأي مرتعاً لبعض العابثين بالنظام الذي اطلق لهم العنان لقطع الطرق العامة وتكسير الاجهزة ومعدات السيطرة على منظومة الكهرباء بأكملها او اطلاق الرصاص على محولات الطاقة بغرض تعطيلها لقطع التيار الكهربائي ليستفيد من قطعه بعض المنتفعين والاقدام على اقتحام مباني مؤسسات وزارة الكهرباء او الوزارات الاخرى دون وزاع من ضمير او قانون يردعهم وتعدى الى ايقاع الاذى بالموظفين الذين يقدومون خدمات عامة للمجتمع بأكمله.
لكن الامر المعيب بل والمخجل المقطع الذي نشرته مواقع التواصل الاجتماعي بأن يعمد بعض العابثين والصبيان الخارجين عن القانون الذين انقادوا دون ان يعوا الى طروحات السياسيين في توظيف هفوات مؤسسات الدولة لاغراضهم الانتخابية لكسب الشارع الى اسقاط احد الابراج التابعة لوزارة الكهرباء المنصوب في مركزصيانة ناحية النشوة شمالي محافظة البصرة خاص بمنظومة الاتصالات ” السكادا ” ضمن مشروع السيطرة المركزية على المحطات في البلد الذي ليس له اية علاقة بشراكة الوزارة مع شركات القطاع الخاص في مشروع الخدمة والجباية الذي يعترضون عليه دون تجربته والاستفادة من منافعه … و هو الذي يستدعي من الجهات القانونية والامنية الى ملاحقة هؤلاء وتقديمهم للعدالة لينالوا جزائهم العادل …
نعم … ان من حق المواطن ابداء رأيه بالطرق السليمة التي تراها القوانين مناسبة لكن ليس من حقه الاضرار بمنشأت الدولة التي هي منشأت وملك للشعب وجزء من معدات وابنية المال العام وقطع الطرق العامة بين المدن والمحافظات ومنع الموظفين من مزاولة عملهم التي يحاسب عليها القانون كلها ويوقع عقابة على العابثين والمنتسبين باثار تلك الاضرار من اي طرف اصبح سلوكه المشين جزء من شخصيته الفردية.