23 ديسمبر، 2024 12:03 ص

تحية لشبان السواتر ولزين مالك .. واقصد “كرار نوشي” : من يوقف القتلة عن ارتكاب جرائمهم ؟!

تحية لشبان السواتر ولزين مالك .. واقصد “كرار نوشي” : من يوقف القتلة عن ارتكاب جرائمهم ؟!

الروح البغيضة المشوهة هي ممر جحيم الانسانية الى الفناء، بل هي تعبير جارح عن الضمير الصدئ الذي يبرر للخسة البشرية افعالها المشينة، واي فعلة غدرٍ بروحٍ بريئة انما هي في حقيقتها انحدار اخلاقي صارخ للمجتمع الذي يحرض على تلك الفعلة بوصفها تمجيداً مباركاً لحماية العقائد والافتراضات الشرائعية والاوهام المريضة في النفوس الرديئة، والاخلاقيات المثالية.
هل تحتاج العقائد والشرائع والاخلاقيات الى كل هذا الدم والبشاعة حتى تتبجح بالديمومة والنقاء المفترض والسماحة السخيفة الكاذبة؟ هل نجد تبريراً واحداً للتناقض المريع الذي تسقط فيه القيّم حين يصير مصدها من السقوط هو القتل؟
من يتحمل هذا الدم الذي يُراق دون اسفٍ؟ من يتحمل هذا التبجح المخزي بالاضاحي الشريفة التي تقدم يومياً في الجبهات حتى يتصدر وجه عابسُ او ضاحكٌ صورة “النصر”؟ من يدقق عميقاً في الة القتل التي تكد بشراسة عامل مخلص وتبتز قيمة الحياة بالموت؟
شخصياً، انا انعى نفسي. وضمناً انا انعى المغدور البريء “كرار نوشي”، الحُرقة التي تعجن دمي وتطبخهُ مع كل قتلةٍ همجية سواء لشبان رائعين في الجبهات او شوارع المدن غير الامنة بفعل تغوّل الميليشيات ومجرمي السلاح غير الشرعي في العاصمة وكل نواحي البلاد السقيمة، هي على الاقدار اللئيمة التي افرغت كل خرائها البربري في هذه الارض، وحوّلت كل الاحلام النفيسة في رؤوس الشبان – واعني بهم فتيات وشباب – الى رمادٍ وسخام اسودٍ يلطخ عار ضمائرنا بالصمت. انها البشاعة التي تتسيّد، الشعبوية التي تتنامى وتتعربش حتى صارت حقل ضغينة يفترس اللياقة والتهذيب.
من نتهم في مقتل نوشي؟!
السلاح. العشيرة. الدين. الطائفة. الدولة. القضاء. حراس العقيدة. جهاديو الايمان. المجتمع الاناني المتزلف المريض باوهام “العفرتة”. خيالات حيازة الجنة. الخاكي الذي يسرق المدنية. الحكومة العاجزة. فيالق الاغبياء المتجمهرين في مواقع التواصل الاجتماعي لتخوين أي صوتٍ وللتحريض ضد أي رأي، ولتمجيد القتلة والنهبة وسارقي نصر الشبان في الجبهات. أم نتهم سقوط القيم وانحدار الاخلاق، والسلبية المخزية والاتكالية والغرور الضحل، واللهاث الغريزي وراء المنفعة؟ ام نحمل انفسنا مسؤولية الصمت والخنوع؟
أية رجولة يمتلكها القتلة والخاطفين والمدججين بالمقدسين والسلاح؟! انها رجولة الهزيمة المتجسدة بالعنف. الرجولة المخصية بشواربها ولحاها الثخينة التي تغطي الجبن المقيم في النفوس العليلة بالبغض. من يلجأ الى العنف حتى لو كان لفظاً او تحريضاً مهزومٌ قبل ان يبدأ صولته “الجهادية” او “الطائفية”، لان دلالة الهزيمة ان تلجأ الى القوة للتعبير عن الافكار المرفوضة. لا يمكن ان تضع العنف بموضع الاحترام وانت بموضع النذالة. قتل البراءة نذالة.
افكر، بعارض الازياء ومغني الراب زين مالك. ربما لا تعرفونه. هو عارض ازياء ومغني هيب هوب وموسيقى التكنو الحداثية (R & B). انكليزي من اصل باكستاني، افكر بالحياة الواسعة التي يمتلكها، لا اعني الثراء، بل اعني ثراء الخيارات وطمأنينة الحياة. مالك وكرار نوشي بعمرين متقاربين، كلاهما يحب الموضة والازياء والفن. قدر مالك انه ولد وعاش في بريطانيا. قدر نوشي انه ولد وعاش في العراق. افكر… تُرى لو كان نوشي الذي يهوى الازياء والفرادة بالشكل والاعتناء بالمظهر والهندام، وايضاً هو مهذب ولطيف في احاديثه، تسنى له ان يعيش في بلد آخر غير هذا المصح العقلي والمحرقة المجنونة، اما كان اليوم نجماً تتهافت عليه عروض شركات الاعلان والازياء وحقق احلاماً كبيرة برأسه، وكنا لنفخر به نحن الضامئون الى الحرية والحياة؟
افكر.. بشبان حلوين رائعين ولهم قسمات جمال واجسام رياضية رائعة التقيتهم بزيارتي الاخيرة الى الموصل، لحظتها، لا ادري لم فكرت بالقدر الاسود الذي رماهم الى هذا الجحيم الذي يأكل حياتنا. فكرت ببشاعة الصورة التي طردتها من مخيلتي بصعوبة، حين يرجعون شهداء باكياس النعوش السوداء وقد تبخرت احلامهم. لو كان لدينا ثمة بلد ودولة وحكومة محترمة اشتغلت باخلاص وطني حقيقي على تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية وقلبت بالمليارات التي اختطفها السُراق الملاعين من حماة الطائفية، حال مدننا المدمرة وانقذتنا من هذه المحارق السخيفة بسياسات حكيمة، ووجهت القدرة الشبابية الى الاهتمامات الحقيقية، هل كنا لنصل الى هذا الحال؟
افكر… من سيكون الضحية التالية؟
ربما انا…
او ربما احد الذين سيجدون هذا المنشور ويمتدحونه او يذمونه…
ماذا تبقى من الموت حتى نطالع صورته بالخيال؟!