تبنت الحكومة العراقية في الآونةالأخيرة مقترح تحويل بعض الأقضيةإلى محافظات مبتدأه بقضاء حلبجة، ثم امتد الأمر ليشمل تلعفر والفلوجة وسهل نينوى، في غضون ذلك أكدت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي استلامَها طلباتٍ جديدة لتحويل عشرة أقضية أخرى إلى محافظات، وهذه الطلبات ورت من أقضية في الناصرية والبصرة والكوت وصلاح الدين.
من الناحية الدستورية فأنه لم يأت نص في الدستور العراقي يمنع استحداث محافظة جديدة في العراق، أو تحويل قضاء إلى محافظة، بل جاءت الكثير من المواد لتصب في صالح هذا المقترح، فالمادة (15) من الدستور العراقي أكدت أنه لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز حرمانه من هذه الحقوق أو تقييدها، واذا نظرنا إلى حق تحويل قضاء ما إلى محافظة بإرادة سكانه، فأنه سيصبح حقاً دستورياً لا يجوز حرمان هؤلاء السكان منه، أما اذا كان الأمر مخالفاً لإرادة سكان تلك الأقضية المذكورة فسيكون بذلك مخالفاً للدستور، ويصبح غير شرعياً.
أما من جانب الحكومة، فقد كفلت المادة (77) ثانياً من الدستور أن لرئيس الوزراء اقتراح مشروعات القوانين، وفي المادة ثالثاً، له إصدارالأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ تلك القوانين، لذلك فأن الكرة هي أصلاً ليس في ملعب الحكومة بل في ملعب البرلمان العراقي الذي عليه أن يوافق أو يرفض مقترح المشروع، وتبقى المحكمة الاتحادية العليا كرقيبة على دستورية القوانين والأنظمةالنافذة، لذا يمكنها أن تطعن أو توافق على المقترح أيضاً.
أما من الناحية المعيارية، فعلى الرغم من عدم وجود معايير واضحة يتم بموجبها تحويل الأقضيةإلى محافظات، إلا أن المنطق يقودنا إلى الاستنتاج بأن بعض الأقضية هي أكبر من العديد من المحافظات سواء بالمساحة أمبالنفوس، فعلى سبيل المثال فأن قضاء تلعفر تبلغ مساحته (4453) كم2، وهو يشكل بحدود (28%) من مساحة محافظة نينوى بأكملها، وهو بذلك أكبر حتى من العاصمة بغداد التي تبلغ مساحتها (2897) كم2، أما نفوس القضاء المذكور فتبلغ (425.214) نسمة، ويأتي بالمرتبة الثانية بعد قضاء (الموصل) مركز محافظة نينوى، ويشكل بذلك (13.7%) من مجموع سكان محافظة نينوى بأكملها.
من الناحية الإدارية من الممكن أن يشكل مقترح تحويل الأقضيةإلى محافظات نقلة نوعية في مستوى الخدمات لما ستشكله التخصيصات المالية من تغير واضح نحو الافضل، إضافةإلى نوع المشاريع التي سيتم تنفيذها باعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها، فضلاً عن تشغيل أعداد كبيرة من الموظفين والعاملين في الدوائر والمؤسسات الحكومية التي يتم استحداثها نتيجة لهذا التحويل.
أما من الناحية الأمنية، فنعتقد أن هذا المقترح جاء نتيجةً لتعرض بعض الأقضية وبخاصةً قضائي تلعفر وطوز خرماتوإلى الكثير من الخروقات الأمنية، إذ يرى سكان هذين القضائين أن سبب الاستهداف والخروقات الأمنية هو طائفي بالدرجة الأولى.
ومن الناحية السياسية، نعتقد أن هذا الموضوع يشكل ثغرة في الجسد الوطني العراقي كونه لم يستند على أسس إدارية بحته، بل استند على أسس طائفية وانتخابية في آن واحد، فنجد أن سكان الأقضية التي تم اقتراح تحويلها إلى محافظات هم من مكون واحد، وبدأوا يشعرون بالغربة في وطنهم جراء الممارسات الطائفية التي اتخذتها بعض المجاميع الإرهابية المدعومة خارجياً، وحتى بعض الأحزاب والكتل المشتركة في العملية السياسية، لذا اقدموا على محاولة الانسلاخ من هذا الواقع علهم يجدون في ذلك فرجا.