7 أبريل، 2024 11:03 م
Search
Close this search box.

تحولات فكرية

Facebook
Twitter
LinkedIn

أفكارنا المعلبة التي نتمشدق بها صباح مساء،وثقافتنا الخاوية التي ملت من تكرارها آذان السامعين، فقدت نضارتها ، وتيبست مفرداتها ، بسبب الجمود الفكري الذي يجثم على عقولنا منذ قرون، ويؤثر بالضرورة سلبا على مخرجات أدائنا ، هذا هو السر وراء تخلفنا الأبدي ، إذ الشعوب تقاس ثرواتها الحقيقية بما تملك من أفكار ، وليس بما تملك من أشياء .
منظومتنا المعرفية المدعاة ، ما هي إلا محفوظات تلقفناها من المحيط الإجتماعي وكتبناعليها(ممنوع اللمس) ولعظم تأثير الجاذبية الثقافية على أفراد مجتمعنا الذين  يفكرون بآذانهم ، ويدينون بالقناعات المريحة، يحملونها معهم أينما ذهبوا، كأحد مخرجات التعليم البائسة ، وأبرز جناياته على الأجيال ، حين عطل ملكات الصغار النقدية ، لما أعتمد آليات الحفظ والتسميع، وألغى الحوار والمشاركة في صناعة المعرفة.
لذا ينشىء الجيل بعد الجيل يردد في تلذذ ما سمعه من آبائه الأولين ، منتشيا بمناهجه العشوائية ، وأساليبه القديمة ، والكارثة أنه بعد سنوات سيظن نفسه قد أصبح من (النخب) المفكرة ، مع أنه يعيش العطالة الفكرية ، ويمارس التسطيح الثقافي بمهارة ، لهذا لا ينبغ في بلادنا المفكرين ، أو الكتاب اللامعين، أو الفلاسفة البنائين ، إلا الأفذاذ الذين لايجود الزمان بهم إلا نادرا ، وهم آحاد في كل قرن .
فالحديث في هذا المنخفض الثقافي عن التحولات الفكرية ، يعد ضربا من الخيال ، لاسيما في عصر تقتات أجياله ونخبه المزورة ، أنواعا مكررة من الأفكار الجامدة والثقافات الخاملة منتهية الصلاحية.
تحاور وتستمع لشرائح مختلفة ، ذات تحصيل دراسي متنوع ، وإذا بها تنهل من منبع واحد،  مخرجاته ، رؤى عوراء ، وحول عقلي ، وكلل فكري ، ترهبه أضواء الفكر العميق، يخشى المراجعة والتصويب، فليجأ الى شخصنة الأفكار ، ليحافظ على ممتلكاته الرخيصة ، منح عقله إجازة طويلة فلم يعد يحسن التفكير، مدخلاته منخفضة القيمة الفكرية ، إذ شخصت المختبرات المعرفية إصابته المبكرة (بأنيميا الثقافة).
ولكن كيف تتم التحولات الفكرية لدى نخب مدعاة لم تذق المعاناة الفكرية ، ولم تعش مع محمد إقبال في تعامله الفذ مع وهج الحضارة الغربية حين دعا الى توأمة حقيقية تجمع بين القلب الشرقي والعقل الغربي ، أو تحلق مع علي شريعتي المفكر والفيلسوف في تأطيره لمسؤولية المثقف ، ولم تكويه لواعج النورسي في رسائل النور ، أو تتجذر رؤاه مع السيد الصدر في فلسفته وآفاقه الفكريه أو تنهل من الفكر التسامحي للعلامة فضل الله ، أو تغرف من فكر مالك بن نبي فيلسوف الحضارة ، وتعي أسس شهادته على العصر، وآليات تفكيك بنية التخلف والأزمات الحضارية أو تواكب تحولات رجاء غارودي الفكرية ، أو ترافق مراد هوفمان في طروحاته الحضارية ، أوتتأنسن مع جان جاك روسو ملهم إعلان حقوق الإنسان ، أو تقرأ لزكي الميلاد دراساته  العميقة ومراجعاته الفكرية، أو تصدمه الجرأة الفكرية والعمق العقلاني للدكتورعدنان إبراهيم ، أوتستمتع برائعة باولو كويلهو الخيميائي أو ينفد عنده الوقت فيصل الى الساعة الخامسة والعشرون للروائي المبدع كونستانتان جيورجيو ، أو يتجول مع جبرا ابراهيم جبرا في شارع الأميرات، أو يستقي من ثقافة أرض السواد مع الروائي الكبيرعبد الرحمن منيف ، أو تهزه خطبة أنا لدي حلم لداعية الحريات مارتن لوثر كنغ ، أو يقرأ عن مالكولم إكس ، وتحولاته الفكرية في الستينات ، أو يسمع أسرار عصر العلم من الدكتور أحمد زويل ، أو يكحل عينيه بما كتب الدكتورعبد الوهاب المسيري عن رحلته الفكرية التي أسماها البذور والجذور والثمار.
من لم يتناول هذه الأطباق الفكرية الشهية أو أشباهها ، وبقي متمترسا خلف محفوظاته ، ولم يستطع أن يتحررمن القلاع الفكرية التي سجن نفسه بها طويلا ، أنى له أن يفكر في التحولات الفكرية ، فضلا عن أن يدفع أثمانها الباهضة ، أو يتابع غمار المعاناة اللاهبة لأعلام الفكر والثقافة الذين أناروا طريق البشرية الطويل نحو السلام والتنمية ، ببريق عقولهم وعظيم تضحياتهم.
التحولات الفكرية طريقنا نحو الإنفتاح على الأفكار البناءة والجادة ، ليس عن طريق الإستنساخ الفج ، بل هضم فكري عميق ، يعرقنها من أجل أن تحقق أهدافها في ترسيخ التكامل المجتمعي ، وتعزيزالسلم الأهلي، والتنمية المستدامة ، بما يتيح البدء من حيث إنتهى الآخرون في تجاربهم الناجحة ، وأفكارهم المبدعة.
المرور بمخاض التحولات الفكرية حتمي ، وإلا سنبقى أسرى لأفكار عفى عليها الزمن، وتأسنت من ركودها الطويل، ولكن الصعوبة تكمن في إجتياز حاجز أوهام إحتكارالحقيقة المطلقة ، آن الأوان أن نخرج من الصندوق ، فنعيد ترتيب منظومتنا الفكرية ، عبر حيازة خمائر فكرية بناءة ، من خلال قراءات متنوعة ، تتبعها محاولات حوارية جادة ، من أجل الحصول على عقل نقدي ، ستفضي بالضرورة الى تحولات فكرية تعد المدخل الوحيد لصناعة حاضر أفضل ومستقبل أرغد. (التحولات الفكرية هي الحل).
إضاءة: إن الكتب  والأفكار هي التي تؤثر في
التاريخ،إنها العواصف التي تغير وجه العالم (مالك بن نبي ، فيلسوف ،ومفكر جزائري 1905- 1973م )

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب