تنبع الأهمية الاستراتيجية لمعركة جرف الصخر من أهمية الموقع الجغرافي لهذه المدينة التي تقع شمال محافظة بابل، وعلى بعد 60 كم من العاصمة بغداد، اذ تمتاز بكونها قناة تواصل تربط بغداد بمحافظات الوسط والجنوب من جانب وتنفتح بمساحات واسعة على مدينة الفلوجة، وعلى طرق صحراوية وممرات مائية.
استغلت الجماعات المسلحة ارتباط هذه المنطقة جغرافياً وسكانيا بمدينة الفلوجة، لتسهيل حركة نقل المسلحين والأسلحة واتخاذها كنقطة ارتكاز في ضرب العمق الشيعي، عبر استهداف محافظات الوسط والجنوب وخصوصاً محافظة كربلاء المقدسة، فضلاً عن اتخاذها كمنطلق لزعزعة الأمن في المناطق المحاذية للعاصمة من جهتيها الجنوبية والغربية والعمل على السعي لقطع الطريق الرئيسي الواصل بين بغداد وكربلاء وتعزيز وتمكين المسلحين في مناطق حزام بغداد والسيطرة على مناطق اليوسفية واللطيفية للوصول الى المناطق الغربية للعاصمة ومنها الى مطار بغداد الدولي.
معركة جرف الصخر احدثت متغيراً ميدانياً كبيراً فضلاً عن العملياتي والميداني، وتمكنت القوات العراقية وسرايا الدفاع الشعبي والحشد الشعبي وفصائل المقاومة من وضع خطة موحدة، بقيادة مركزية وفرت للقوى المهاجمة عنصر الاسناد المتبادل، وتوزيع الأدوار بين تشكيلاتها وتنظيم الوظائف والمهمات وأكدت قدرتها على تحشيد العناصر المقاتلة في المكان والزمان المناسبين، واستعدت للمعركة جيداً عبر تهيئة الأسلحة المناسبة قبل أيام في نفس الوقت الذي تشن فيه القوات العراقية هجوماً في تكريت وتخوض معارك في بعض مناطق الأنبار.
تحركت القوات العراقية عبر محاور رئيسية ثلاث اولها منطقة الفاضلية وثانيها منطقة عبد ويس وثالثها نحو مركز مدينة جرف الصخر بصورة مباشرة، نجحت القوات المهاجمة في ترويع المسلحين المدافعين واحداث صدمة مفاجئة لديهم بسبب القوة النارية الكثيفة والضربات الصاروخية المركزة، المسنودة بطيران الجيش بفضل الاحداثيات الدقيقة ما وفر للقوات المهاجمة عنصر المباغتة والدخول السريع والاقتحام القوي ليتم حسم المعركة منذ ساعاتها الأولى ومنعت المسلحين من تنفيذ اي خطط تكتيكية بديلة، ما مزق أوصالهم وقطع طريق الامداد والاسناد بين قطاعاتهم رغم استعداداتهم الدفاعية الكبيرة اذ قاموا بتلغيم الشوارع والأرصفة وتفخيخ المباني وكل ما يمكن تفخيخه.
اظهرت المعركة تنسيقا عاليا بين قوات الجيش وفرق مكافحة الارهاب وسرايا الدفاع الشعبي وفصائل المقاومة، ونجحوا في تنفيذ واختبار تكتيكات قتالية جديدة واثبتوا انهم على استعداد تام وجهوزية عسكرية عالية لتحرير مدنهم وطرد عصابات داعش منها، وانهم في غنى عن اي تدخل خارجي بل بإمكانهم تقديم وصفة عسكرية جديدة وخلطة هجومية تزاوج ما بين اساليب الجيوش النظامية وتكتيكات فصائل المقاومة التي تجيد فنون وطرق حروب العصابات ما سينعكس مستقبلاً بصورة ايجابية وكبيرة على عقيدة الجيش العراقي الذي يحل اليوم بالمرتبة الـ 68 في ترتيب موقع Global fire power الذي شمل جيوش 106 دول .
تحرير منطقة جرف الصخر سيؤثر على مجمل نشاط وحركة مسلحي تنظيم داعش في مناطق حزام بغداد والفلوجة وسيؤمّن مناطق شمال كربلاء وغربها وسيحد كثيراً من عمليات الاستهداف المنظم لبعض المحافظات الغربية وسيوفر عمقاً أمنياً لغرب العاصمة العراقية ويمهد لتحرير بقية المناطق المحتلة من تنظيم داعش.
اذا كان فك الحصار عن مدينة آمرلي بفضل الجهد العسكري الجماعي العراقي دفع اميركا للتعجيل بتشكيل حلفها المزعوم للحفاظ على ماء وجهها وانقاذ حصان طروادة الداعشي المقدر له الجري لعقود عدة في ساحات المنطقة فما الذي ستفعله بعد تسونامي جرف الصخر الذي جرف معه المشروع الصهيو ــ أميركي وسدد ضربة قوية للمخططات الاميركية.