23 ديسمبر، 2024 12:46 م

تحليل سياسي لحالة مرضية

تحليل سياسي لحالة مرضية

كتب أحد الأطباء في صفحته الخاصة تساؤلاً: لماذا تنتشر الكوليرا في الجنوب والوسط، ولا توجد إصابات في كردستان والرمادي والموصل؟!
سؤال منطقي مع تزايد الإصابة بالكوليرا، وتفاوت المحافظات في نسبها ؛ بمرض متوطن في العراق، ولا تتذكره بقية الشعوب؟!
قبل يومين أجبت عن سؤال لإحدى القنوات الإخبارية عند السؤال عن الكوليرا، وقلت أن وزارة الصحة لا تتحمل المسؤولية كاملة عن المرض، وهي مسؤولية حكومية تضامنية إستراتيجية، ومسؤولية مجتمعية ومنظمات مجتمع مدني وفعاليات شعبية وأخلاقية وإنسانية.
الكوليرا مرض جرثومي ينتقل عن طريق المياه والغذاء والبيئة، وشعوب العالم المتقدمة تضع 99% من إمكانياتها للوقاية، و 1% للعلاج، وذات يوم سألت أحد العاملين في المجال الصحي الأمريكي: لماذا ترمون المستلزمات الطبية بمجرد فتحها ودون إستخدام؟ فأجاب نعم نحن دول رأسمالية ونبحث عن الدولار، ولكن إصابة واحد بالألف يكلفنا أضعاف ما نرميه في النفايات، حيث يمكن له أن يُعدي آلاف، ونحتاج لهم مستشفيات وخدمة وعاملين وفندقة، وبالطبع سوف نستهل أكثر مما أتلفناه.
في شوارع أي مدينة عراقية، تجد عشوائية المحلات التجارية، ومواد الأطعمة والمطاعم على الشوارع، ومكاب النفايات توزعت في الأزقة، ولا تعقيم لمياه الإسالة، وطفح المجاري، ومرتع الحشرات، وليس غريب أن تصنف بغداد العاصمة الأقل نظافة في العالم، فكيف إذا إتجهنا الى الجنوب، حيث تُفقد مقومات العيش وتتناثر الإحياء العشوائية وتلقي المعامل نفاياتها في الإنهار، وتباع الفواكه والخضروات على الأرصفة، وتترك مكشوفة الى الصباح كغذاء للقوارض، فهل تستطيع وزارة الصحة منع كل هذه الظواهر، ووراء كل متر تجاوز يقف حزب وعشيرة وعصابات إستغلت الأرصفة؛ لمقاهي الأراكيل والحشيشة؟!
إن المحافظات الوسطى والجنوبية أُهملت لسنوات؛ بفعل ساسة باعوا ضمائرهم بحفنة دولارات، وقتلوا شعبهم بسوء الخدمات، وبمقارنة الأرقام تجد بابل تسجل 45% من الإصابة، ومن ثم بغداد والسماوة؟! والإهمال بسبب مافيات فساد نشرت الفقر وأعادت الدولة الى القرون الوسطى والتخلف والأمراض، ولم تكتفي بقطع الأرزاق والسماح للإرهاب بالدخول، وهذه المرة ستقتل شعبها بالأمراض.
الأمراض تنتشر وسط أجواء الفقر، الذي يدفع المواطن الى إستخدام وسائل بسيطة؛ لأجل عبور يومه الى ما يليه، وفي كردستان نسبة 4% بينما في بعض محافظات الجنوب تجاوز 50%؟!
تهرب ساسة الفشل من مسؤولياتهم، وربطوا صلاحيات المحافظات بالمركزية، حتى تعطل قانون المحافظات الذي يسمح للمناورة في موازناتها، والنتيجة محافظات تعج بالفقراء والأمراض والأحياء العشوائية، ووضعوا العناية بالإنسان في آخر سلم أولوياتهم، ووزارة الصحة من أقل التخصيصات، لذلك أنتشرت المطاعم المتجولة في الشوارع، ووضعت الفواكه والخضروات على الأرصفة، وغطت النفايات الأحياء السكنية، وإختلط الماء الآسن بمياه الشرب، وعندما نحلل إنتشار الكوليرا نجد أن أسبابها أخطاء سياسية؟! فكيف يستطيع مواطن غسل يديه بالماء والصابون، وما في بيته لا يكفيه لرغيف خبز؟!