لقد اتضح للجميع ان خيار الحرب على العراق من قبل امريكا كان من اسوا الخيارات التي اتخذتها الادارة الامريكية مما اضر بمصالح الامن العراقي بل بمصالح الولايات المتحدة الامريكية وقد تعرض هذا الامن الى مخاطر وتحديات وخسائر كبيرة جدا ضمن حزمة اوامر سوى التي اتخذها الحاكم المدني “بول بريمر” أوالحكومات التي شكلت بعده على اساس طائفي وعرقي مما ادى الى تدمير مرتكزات الامن الوطني العراقي بالكامل وكان في مقدمتها حل الجيش العراقي والمؤسسات الامنية التي لها باع طويل في الخبرة والمهنية والكفاءة العالية وعقيدة عسكرية ووضوح معالم التهديد الخارجي ، وكان القرار المبيت سلفا قد اتخذ قبل احتلال العراق في تأسيس بدائل عن هذه الكيانات المنحلة بقيادات غيرة كفوءة ورفد هذه المؤسسات الجديدة بعناصر من الميليشيات الحزبية التابعة للاجندة الايرانية ” دورات الدمج ” ، ولعل الأخطر في هذه المؤسسات هو طبيعة بنائها التنظيمي وعدم وضوح عقيدة عسكرية لها لحد الان وكان عامل التوزيع الطائفي فيها في مقدمة خللها الامني والوطني في ظل وجود تحولات ” ديمقراطية” غير مفهومة النتائج ولم يلمس الشعب العراقي الا الضرر منها ليس بسبب عدم تهيئة الاجواء والمناخات واعداد المراحل الانتقالية التي تضمن اساليب العمل الشفاف وتقبل الاخر وطريقة الحوار فحسب بل تداعيات الاحتلال والنفوذ الايراني القوي في العراق وعدم وجود رجال دولة أكفاء في كيفية أدارة الدولة وأزماتها بل تعاملهم مع المشهد العراقي برمته حتى هذه اللحظة وكأنهم معارضة عندما كانوا في الشتات ، وهمهم الوحيد هو ” كيفية البقاء في السلطة ” مهما كانت الخسائر، واعتقد تجربة السنوات العجاف الماضية أكبر دليل على ذلك ، ان الحكومات التي شكلت بعد 2003 لاتزال مكوناتها السياسية تصطرع على السلطة والنفوذ حتى الان وتمزيق الاجماع العراقي الوطني باغراء الكثير من العراقيين بالمكاسب والوعود وفق حسابات غير وطنية وتخويف العراقيين بإرهاب الدولة كانت نتائجها الأزمة السياسية التي عصفت بالعراق منذ شهور ( ازمة سحب الثقة من دولة رئيس الوزراء) لقناعة الاطراف الطالبة ان الوضع السياسي والتطرف الذي اصابه خرج من دائرة التحول ” الديمقراطي ” والتداول السلمي للسلطة وخرق حقوق الانسان وتأمين أبعاد دكتاتورية جديدة خالفت ما منصوص عليه دستوريا والتلاعب بالالفاظ والحشد الحزبي والاعلامي والتهديد لاطراف ومكونات الخصوم بين ” الترغيب والترهيب” لغرض الخضوع لسياسية الامر الواقع التي يفرضها ائتلاف دولة القانون ، الوضع الحالي في العراق خلق بيئة سياسية وامنية مضطربة جدا لانها بنيت وفق معايير”سياسية دينية متطرفة” فكانت النتائج جملة من الاخفاقات وصلت الى نسب غير مقبولة خاصة في عهد رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي بدورته الاولى والحالية لتفرده بالقرار وسيطرته المطلقة على المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تحتاج الكثير من عمليات الإصلاح والتأهيل والإعداد حتى تؤدي إلى المحافظة على سلامة الوحدة الامنية الوطنية للبلاد وكذلك الانسجام مع البيئة الاقليمية ، لازال العراق في حاجته للامن والاستقرار والخدمات الاساسية الحيوية ولايمكن تحقيق ذلك إلا بتوافقات وطنية حقيقية وليست وهمية مثلما اغرقتنا مصطلحات المتشدقين بها بين ” التوافق والشراكة ” وفي الواقع لا توافق ولا شراكة ، وكذلك نحن بأمس الحاجة الوطنية في عدم خضوع القرار السياسي والامني العراقي للاجندة الخارجية وخاصة الايرانية بفعل سيطرة الاحزاب التي ولدت من الرحم الايراني على عموم مؤسسات الدولة العراقية وخاصة الأمنية والعسكرية منها مما شكل تهديد حقيقي على نظام الدولة الجديدة وبقاء الصراعات كما هي دون معالجات وترحيل الأزمات وشرعنة الفساد المالي والإداري بل حمايته وتشجيعه وأصبح العراق يتربع على عرش الفساد عالميا للسنة العاشرة على التوالي وفق تقارير المنظمات الدولية المهتمة بذلك ، سوف لن يتحقق امن حقيقي بظل وجود هذه المؤشرات التي تهدد كيانه في حين ان العامل الامني هو ركيزة مهمة وحيوية في استقرار البلد واستقبال الاستثمارات الخارجية وتوظيفها لصالح البنية التحتيه التي دمرت بعد الاحتلال الأمريكي ، إلا إن الأمن العراقي الحالي لايمكن الاعتماد عليه بظل وجود مشاكل جوهرية تدخل في بنائه الهيكلي والتنظيمي والتوزيع البشري له ولايمكن تحقيقة وتطويره الا من خلال تنامي الروح الوطنية ونبذ الطائفية والمحاصصة العرقية وبالاحساس الجمعي بالمسؤولية في مواجهه المخاطر المحدقة بالعراق على كل المستويات لغرض ضمان السيادة الحقيقية واعمال التنمية والتقدم ، ينبغي أولا تفعيل المجتمع العراقي وتحويله الى مجتمع أمة حية ضمن حدود الوطن لتجاوز العواطف العرقية والطائفية كما حال الكثير من الامم مثل الامة الهندية بحيث تكون امة عراقية موحدة تضم جميع الاطياف والالوان ، ان بقاء الوضع المضطرب للامن العراقي سيؤثر بالتأكيد على دول الجوار وخاصة في ارتفاع وتيرة نشاطات الجماعات الإرهابية المختلفة بالوقت الحاضر التي تغذيها بالدرجة الأولى ايران لاستخدمها قوة تحقق من ورائها اهداف عديدة في مقدمتها خلق الفوضى الامنية في العراق والمنطقة لتحقيق مكاسب سياسية وطائفية لها ، ايران لاعب قوي بل اساسي في العراق يأتي بعدها اللاعب التركي ثم الامريكي ومن هنا نجحت ايران بتطوير مشروعها النووي من خلال استخدام العراق كورقة ضاغطة مما اتاح لها قلب الكثير من موازين اللعبة السياسية في المنطقة ، اما اللاعب التركي لازال يستخدم استراتيجية القوة الناعمة ونجح من خلال ذلك إذ كسب الكثير من العقود الاستثمارية داخل العراق وخاصة في إقليم كردستان وتعزيز جبهة تقويض المد الإيراني في العراق وفق سياسية ذات أنماط عدة ، الدور الامريكي اصبح بعد الانسحاب منكمشا لايتعدى المحافظة على مصالحة الاقتصادية بعيدة المدى في العراق وفي مقدمتها الثروة النفطية ويعتبرها خط احمر، هذا التراجع او الانكماش للنفوذ الامريكي في العراق اعتبرت ايران هي الرابح الاكبر خاصة بعد التحولات والتغييرات التي شهدتها منطقتنا العربية مؤخرا ، من الصعب القول في هذه المرحلة ان الامن في العراق سيستقر لاسباب عدة من ضمنها :-
1. طبيعة النظام السياسي الغير متفق اساسا على هدف وطني موحد ووجود بعض الكتل تتبنى مشاريع انفصالية او شبه انفصالية مما يعني عدم وجود استراتيجية سياسية رصينة للبلد وكذلك الخلل في المكون البنيوي والقيادي في النظام السياسي الحالي .
2. شكل الحكومة الحالية تتراوح بين المقيدة والدكتاتورية .
3. حرمان البرلمان من دوره التشريعي عبر التأثير في قرارات المحكمة الاتحادية .
4. القفز على مبدأ الفصل بين السلطات .
5. إصدار التعيينات المهمة خلافا للمادة خامسا/61 الدستورية .
6. عطل الاقتصاد العراقي الذي اضاف تحديات كبيرة جدا في مقدمتها البطالة وصعود خط الفقر الى نسبة 43% وفق احصاء 2011 ومعدومية الصناعة الوطنية بل القضاء عليها وعوامل تهديد الزراعة والثروة الحيوانية والعوامل والابعاد الاقتصادية الاخرى وجعل النفط هو المورد الرئيسي لدخل العراق وكذلك عدم توفير احتياجات الاجيال القادمة من الثروة النفطية نتيجة نهب الصادرات النفطية في ظل فساد عام .
7. دورالمؤسسات “االدينية” في أطلاق الفتاوى التي تخدم تكريس الوضع الطائفي الشاذ وعمليات الاحتواء الصفوي للعراق .
8. ترهل حكومي وذيل أداري كبير من خلال تشكيل مؤسسات غير قانونية .
9. عدم وجود معالجات رأسية من قبل السيد رئيس الوزراء لجهازه التنفيذي .
10. معدل دخل الفرد العراقي لايزال في مستوياته الدينا وليس راتب الموظف الحكومي كما يحسبه البعض.
11. اختلاف الكتل السياسية ضمن مكونات العملية السياسية في تحديد ” تسمية” التهديدات الخارجية نتيجة اختلاف وجهات النظر ومن هم ” الاصدقاء والاعداء” مما يعني عدم توفر استراتيجية أمنية فاعلة في العراق مما تسبب للجندي والشرطي في تشوه “الهدف” وعدم القناعة في المهمة .
12. ضعف القدرات العسكرية والامنية لحماية المصالح الوطنية .
13. الاطروحات السياسية المؤدجلة بثقافات خارجية اضرت بمقومات الامن الوطني .
14. خلق الازمات السياسية تلو الاخرى من قبل دولة القانون مع المكونات المنطوية تحت مسمى العملية السياسية واعتماد السياسة الباطنية في عقد الاتفاقيات والعهود وبالتالي نقضها لاحقا بأطاريح مختلفة محسوبة بدقة على العامل الزمني .
15. ترحيل الازمات السياسية وعدم معالجتها بشكل حقيقي من قبل الائتلاف الحاكم .
16. ضعف الدور الرقابي للبرلمان بسبب التأثيرات السياسية والشخصية من قبل كتلهم وتسلط وتفرد “رئيس اللجنة ” البرلمانية وهو قرار سياسي بحد ذاته مما شكل عبء ومطاولة في اتخاذ معالجات حقيقية لعمليات الفساد ومحاسبة المسؤوليين او الذهاب لابرام ” الصفقات” والخاسر هنا الشعب العراقي.
17. أشغال بعض المناصب المهمة من درجة مدير عام فما فوق من قبل اصحاب الجنسيات المزدوجة وهروبهم الى بلدانهم عند محاسبتهم على فسادهم المالي والاداري كما حصل مع وزراء التجارة والكهرباء والدفاع السابقون ولا زال مشروع ابعاد ذو الجنسيات المزدوجة من تولي المناصب المهمة يراوح في مكانه تحت تأثيرات سياسية .
18. مستشارين ومسؤولين كبار في الدولة العراقية من اصول ايرانية .
19. 80% من الموازنة السنوية العامة تشغيلية وبهذه الحالة لايتحقق اعمار وخدمات في البلد في نسبة 20% الباقية كما يطمح المواطن العراقي .
20. ضخامة رواتب المسؤولين بما يماثلها في ارجاء المعمورة واحتساب رواتب تقاعدية للنواب وهو عمل طوعي بما يقابله من رواتب هزيله لمن أفنوا زهرة شبابهم وانحناء ظهورهم في خدمة الوطن طيلة خدمة لاتقل عن 25 سنة .
21. عدم تشريع القوانيين التي تخدم حياة المواطن .
22. ربط الهيئات المستقلة من ضمنها هيئة النزاهة ومفوضية الانتخابات في مكتب رئيس الوزراء والسيطرة الميدانية على البنك المركزي العراقي .
23. عدم صدور قوانين المحكمة الاتحادية العليا والمجلس الاتحادي والنفط والغاز والأحزاب.
24. عدم تعديل المنظومة الانتخابية ويكون الصوت للنائب المرشح فقط وليس له ولقائمته في ان واحد ويفترض خروج رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية من الشارع دون المرور عبر المادة 76 الدستورية العبوة الناسفة .
25. دعم وتمويل وسائل الاعلام بمختلف وسائلها العائدة فقط للحكومة ومكونات التحالف الوطني .
26. مسك القوات العسكرية والامنية بيد من حديد من قبل القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء أذ اصبحت بيده ” القوة والمال” وهذه هي ابعاد الدكتاتورية الجديدة لكنها تستخدم بوسائل ” ديمقراطية” .
27. عدم وجود توزان ” وطني” في توزيع الموارد البشرية ضمن مؤسسات الدولة مما ادى الى تطرفها وانصياعها لجهه واحدة فقط .
28. دورات “الدمج العسكرية ” هذا العنوان الذي انخرط تحته الاف الاشخاص من الذين كانوا في ايران يعملون ضمن “لواء المجاهدين الاول والثاني تحت خيمة فيلق بدر” تم منحهم رتب عسكرية من رتبة ملازم حتى رتبة فريق داخل وانيطت لهم مناصب امنية وعسكرية ذات قرار معظمهم لايملكون التحصيل الدراسي الاول مجرد وجودهم هو الولاء المطلق للسلطة وعمليات التغيير الطائفي وفق الأجندة الإيرانية .
29. الازدواجية في التعامل بقانون المسائلة والعدالة .
30. محاربة الإعلام المستقل .
31. التهديدات اليومية التي يواجها المواطن العراقي من خلال ” قانون المخبر السري.
32. عمومية المادة 4 إرهاب .
33. السياسية الطائفية والعرقية .
34. الاعتقالات العشوائية .
35. دور بعض القضاة المسيسين في طريقة والية إصدار مذكرات القبض خلافا للقواعد القانونية ومبادئ حقوق الإنسان وما نص عليه الباب الثاني من الدستور العراقي وعمليات التعذيب والاغتيالات والفقدان من قبل مصادر التهديد سوى التنفيذية منها أو الميليشيات الحزبية المتنفذة في السلطة .
ولذلك استحالة يتحقق استقرار امني حقيقي كما يتأمل المواطن العراقي بل سيظل يتراوح وفق نسب بيانية ، الا في حالة انطلاق ائتلاف سياسي جديد وطني حقيقي ذات إرادة مستقلة من الداخل يجمع فيه كل القوى المحبة للعراق بمختلف اطيافها والوانها وليس بعيد ان يتحقق هذا الحلم خاصة بعد حالة التشظي التي حصلت في كل الكتل السياسية نتيجة الاختلاف وعمليات الشد والجذب على آلية سحب الثقة أو الاستجواب للسيد رئيس الوزراء واعتبار ان الامن الوطني العراقي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجميع والسعي الجاد في محاربة الفساد وتقويضه ثم القضاء عليه وجعله في مقدمة الاسبقيات بخط متوازي مع خط تفعيل دور الاقتصاد الوطني العراقي ضمن برنامج متكامل يشمل فيه تطوير كل القطاعات وفق خطة مرسومة لاتقل عن 20 سنة قادمة بالاستفادة من سلبيات وايجابيات تجارب بلدان ( الصين – ماليزيا – اندونيسيا – البرازيل – كوريا الجنوبية – الامارات – تركيا – قطر – السعودية – مصر – اليابان ) و اجراء العملية المزدوجة في معالجات امراض الجهاز الحكومي والتغيير الاستراتيجي في أن واحد وكذلك تنفيذ عمليات اصلاح سياسي حقيقي وليس مجرد الدعوة لها حيث سبق وان وافقت الحكومة الحالية على هذه الدعوة خلال تعهداتها ضمن مدة “100 يوم التي منحها لها الشعب العراقي اثناء خروجه في تظاهرات 25 شباط من العام الماضي ثم مهلة 3 اشهر من قبل التيار الصدري وبعدها شهرين ثم 15 يوم ” ولم ينفذ منها اي شيء ، وهنا يجب على الجانب الامريكي استنادا لمعاهدة الاستراتيجية بعيدة المدى ان يتحمل جانب مهم في دعم التحولات الديمقراطية في العراق والتعاون في كل المجالات في اطار ( استقلالية العراق وليس الخضوع او الاحتلال ) لاسيما في ظل ظروف اقليمية ذات تغير سريع وبناء استراتيجية شاملة تؤمن للدولة العراقية مواجهه التهديدات والمخاطر تكفل حياة أمنة ومستقرة للشعب العراقي، عدا هذه الصورة سيبقى العراق ضعيفا في ظل سيطرة ائتلاف دولة القانون على كل الخيارات المطروحة بما فيها خيارات بعض مكونات التحالف الوطني والكتل الأخرى ، وعلى الجميع أن يؤمن بل يوقن إن الخيار الأفضل في قيادة العراق هو الخيار العلماني والدعوة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط معيارها الكفاءة والانتماء الوطني بعيدة عن التحزب والتخندق وتفعيل الدور الرقابي للبرلمان والتعامل الشفاف في الحوار والمحاسبة سيجعل العراق على خط شروع قطار الديمقراطية ومراحل تحولاتها باتجاه الفعل الجاد في بناء مقومات الحداثة والتطور والنضج السياسي وجعل العراق أنموذج يحتذى به .