23 ديسمبر، 2024 11:09 م

تحليق في فضاءات عبد الرحمن مجيد الربيعي

تحليق في فضاءات عبد الرحمن مجيد الربيعي

تربع الربيعي على عرش القصة والرواية واتقنهما وابدع فيهما
أسس من خلال روايته لأبعاد فنية رفيعة وعالية القيمة والمضامين
يخال لقارئ عبد الرحمن مجيد الربيعي بأنه يحمل أزميل نحات لينحت رواياته وفق صورة مكتوبة تترائ للقارئ مجسدة في صفحات الكتاب، وتخرج حروفه رشيقة جميلة محسوسة لتعبر عن الحالة التي يصفها وهو يتناول فضاءات واسعة في عالم الرواية والقصة القصيرة لايقوى على التحليق فيها سواه.

أن المشاهد التي يرويها الربيعي تعمق في ذهن القارئ وصف الحالة التي يعيشها أبطال القصة وفق حبكة متقنة عالية تفسر سر تربع صاحبها على عرش هذا الجنس الأدبي الذي اتقنه وابدع فيه، لقد اسس عبد الرحمن الربيعي لمشروعه الأدبي ما يجاز لنا أن نطلق عليه (البناء الهرمي) في القصة والرواية، حيث القمم التي زان بها المكتبة العربية عموماً ، والعراقية خاصة وهو ينطلق منها الى جمهوره العريض بمحاولة منه لإيصال واقع التجربة القصصية العراقية التي تعنى بالواقع الاجتماعي والثقافي في العراق والوصول بها الى أفاق رحبة تنشأ شكلاً ثابتاً في أذهان القارئ العربي وتجسد واقعاً أصيلاً لما هي عليه من واقع فني حيوي بعيداً عن التزويق والزيادات اللفظية وغير المتقن من الكلام، منطلقاً الى فضاء الرواية الواسع والذي يؤسس لأبعاد فنية رفيعة وعالية القيمة والمضامين ، ومثل مهندس معماري يرسم ويخطط لبناء شاهق على الورق، تابع الربيعي تطورات المشهد الفني الذي عمل عليه وهو يراه يعلوا في الواقع كما يعلوا البناء الذي رسمه ذلك المعماري في الحقيقة التي يجسدها على تشكل صرحاً شاهقاً تكتمل فيه عناصر البناء الجمالي الذي إن عكسناه وجدنا إن عناصره الجمالية تشبه الى حد بعيد عناصر الربيعي الجمالية في السرد والحبكة وإختيار الجمل الرشيقة التي تصل الى قارئها دون كثير العناء، وبفهم مبسط يتوازى مع واقع القصة المعاش، أي الواقع الحياتي العراقي البعيد عن التعقيد في الأرياف وفي المدن الجنوبية المنزوية على ضفاف الأنهر التي تتفرع عن نهر الفرات ، ومنها نهر الغراف.

لقد ابدع الربيعي في عملية إستمالة القارئ العربي وتنشيط قوى الفكر الكامنة في مخيلة العقل نحو استحضاره الصورة من خلال النص ثم تكوين الرديف في العقل الباطن حتى حدود التصور بـأن القارئ يعيش المكان الموصوف والحدث في السرد الذي تحتضنه صفحات العمل الأدبي مما يعطي الربيعي بعداً اخر مضافاً الى الأبعاد الابداعية التي تميزه عن غيره من أقرانه الذين شكلوا أسس الأبداع أو عناصر الثورة الأدبية في القصة والرواية، وعلى عكس ماقيل بأن إكتمال رؤية المشروع لاتعني إكتمال المشروع ذاته،تأتي أعمال الربيعي المتعددة والمبدعة مكتملة المشروع والرؤية ، لتؤسس لمدرسة أدبية متكاملة تأخذ على عاتقها رسم حدود وابعاد ومسارات الرواية والقصة وتعد منهجاً متكاملاً يأخذ بعين الاعتبار عند الدارسين والباحثين في أصول هذا الجنس الأدبي الجميل، كما يؤخذ لإعتبارات أخرى تفيد المبتدئين من الشباب الذين يحاولون الولوج الى عالم كتابة القصة والرواية.

ولأن الربيعي متنوع المواهب فقد سجل إبداعاً فذاً في صفحات الشعر والقصة والرواية، وهذا التنوع جعله يتفرد في مسارات الأدب ويحتويه انطلاقاً للوصول الى كلمة مبدع بمعناها الشامل، كما عرفنا مبدعين كثر في الشعر والنثر والقصيدة والقصة والرواية، كما عرفنا منهم في فنون أخرى كالنحت والرسم والتمثيل، لكن لم يجمع أحدهم بين ثلاثة مسارات ميبدع فيها كالربيعي فأن جاز القول أن فلان الشاعر تألق في كتابة القصة مع تألقه الشعري، فليس معناه أنه قد شق طريقه في الرواية وغير ذلك من الأمثلة العديد، إلا أن الفنان عبد الرحمن مجيد الربيعي تميز بالابداع في المجالات الثلاثة من الشعر والقصة والرواية، وله فيها باع طويل أهله ليكون في مقدمة جيل الستينات الذي صاغ المشهد الثقافي في العراق بعد أن ورث من المشهد الخمسيني والأربعيني تركات لايعلى عليها في الفن والأدب.

كتب الربيعي العديد من الروايات والقصص ، وجادت قريحته بوفر من القصائد الشعرية التي أحتوتها العديد من الدواوين المطبوعة منها ( إمراة لكل الأعوام، شهريار يبحر، علامات على خارطة القلب، ملامح من الوجه المسافر، اسئلة العاشق) ، وغيرها الكثير في الشعر كما في الأبواب الأدبية الأخرى ومنها القصة التي يصعب علينا حصر عناوينها ن وسنكتفي بذكر بعض منها ( عيون في الحلم، قصص ورواية قصيرة، ، ذاكرة المدينة، السيف والسفينة، وجوه من رحلة التعب) والقائمة طويلة ، ومثلها في الرواية التي أجاد فيها ولم تسجل عليه فيها ملاحظة، مما جعل روايات الربيعي ممتعة وأنت تقرأها وتشعر بانك تعيش أحداثها، وأنك تعرف شخوصها ، وتعيش معهم وسط اجوائهم التي رسمها الربيعي من واقع الحياة الاجتماعية العراقية، أي من الواقع المعاش.

وقد كتب الربيعي العديد من الروايات التي ميزت مسيرته الفنية ومنها ( القمر والأسوار، الوشم، الوكر، الأنهار، الأفواه، خطوط الطول وخطوط العرض) وتضم قائمة رواياته العديد من العناوين الأخرى نكتفي منها بما ذكرناه وننتقل الى منها الى جنس أخر ابدع فيه الربيعي واحتوت خطوطه مجال الابداع فيه، فقد كتب الدراسات الأدبية والنقدية العديدة، بالإضافة للمقالات التي أختص فيها في نقد القصة العربية ومنها ( من سومر الى قرطاج)، ( ومن النافذو الى الأفق)، ( روئ وظلال)، كما له ( أصوات وخطوات) وتعد الأخيرة مجموعة من المقالات التي أختصت بنقد القصة العربية دون غيرها.

عبد الرحمن مجيد الربيعي الذي ولد في مدينة الناصرية، والتي تقع في محافظة ذي قار جنوب العراق عام 1938 ، درس وتخرج في معهد الفنون الجميلة ببغداد، ثم كلية الفنون الجميلة وعمل مديراً للمركز الثقافي العراقي في كل من بيروت وتونس، وشارك في عضوية هيئة تحرير مجلة الحياة الثقافية التي تصدر عن وزارة الثقافة التونسية.

وصف بانه تزعم مدرسة من القصاصين الشباب الذين تميزوا في طروحاتهم ومعالجاتهم لقضايا الإنسان العربي وهمومه وتطلعاته، أثرى الربيعي المكتبة العربية باجناس أدبية خالدة نمت عن تجربته الحياتية الطويلة، وعشقه للقصة والرواية، كاتباً ومبدعاص وأستاذاً لايعلوا على أعماله الأدبية التي خلدتها الحياة الأدبية العربية، ورسخت في ذاكرة ابناء الأمة من المحيط الى الخليج.