تحقيق قرآني في الآية:
تقول الآية الكريمة * إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * 33 الأحزاب.
قرأت كل الأحاديث التي تفسرها ومرادها الخصوص بأهل بيت الرسول فقط كما هو شائع وثابت، لكن لم أقتنع بها، لأن الآية ليس فيها مايدل على ذلك. فلماذا نفتري على الله مالم يقل، ولانتبع قوله المتواتر اليقين، وهو أصدق قيلا وحديثا؟
لذا أود طرح فهم قرآني لآية التطهير بعيداً عن
الأحاديث.
نستهل التحقيق بسؤال:
نسأل:- هل حقاً أهل بيت الرسول كان فيهم رجس، فطهرهم الله منه؟
لو فهمنا الآية بهذا الفهم نكون قد ثبتنا الرجس فيهم، وقد طهرهم الله منه بعد أن كانوا مدنسين فيه، وأما باقي الخلق، فلم يطهرهم منه، أو ربما ليس فيهم شيء منه!!
سؤال ثاني:
أو ليس الخمر رجسٌ والرجس أثم من عمل الشيطان ؛ قال الله عنه فإجتنبوه !
فكيف بأهل بيت النبوة وتعاليم الله ومهبط وحيه، فيهم من هذا الرجس أو من الآثام التي يرتكبها جُهال الدين من المؤمنين، ليستوجب على الله تمييزهم عنهم بالتطهير لهم منها؟
سؤال ثالث:
ما هو الرجس الذي طهر الله أهل البيت منه، وما هو هذا البيت ومن هم أهله؟
نجيب :-
إن الخطاب القرآني في آية التطهير لعموم الخلق، لم يكن يختص بأهل بيت النبي بالتحديد، فالله إصطفى النبي لتبليغ رسالته، لا أهل بيته! وإلا لصرّح الله بأهل بيت النبي في آية التطهير، وليس بذكر أهل البيت فقط! لكنه لم يفعل، فالله لم يطهر نبي ولا أهل نبي من قبل، حتى يطهر أهل بيت النبي محمد ص( وآله)! فكل الأنبياء بشر يمتلكون إراداتهم إن أرادوا أن يعصوا الله فعلوا، ولولا هذه الإرادة الحرة وحسن العمل والطاعة، لما إستحقوا كل هذه الكرامة ولا جنة الله.
لقد أخبرنا الله عن الجعل التكويني للنفس الإنسانية الواحدة ، بقوله في سورة الشمس الآيات 7، 8 ،9:-
* وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا *
وأهل البيت وكافة البشرية خلقوا من نفس واحدة، فلا رجسٌ فيها كما خلقت لأن الإلهام معنى تمام القابلية والإستعداد، ولذلك قد خاب من طوعها فدسّاها بذنوبه، أي بما إقترفت يداه سواء كان الفاعل من أهل بيت النبوة أو خارجها، فالكل معرض للذنب وقادر على فعله بإرادته لو أراد عصيان ربه. وما نقوله هنا هو لبيان باب الإمكان للنفس كمخلوق بشري، لا بصدور الأثم بعينه من أهل بيت النبوة.
إذاً من هم أهل البيت المقصودون في آية التطهير؛ الذين طهرهم الله من الرجس؟
يقول الله تعالى في سورة عمران*
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * (96)
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ .97
نستدل من سياق الآيتان أعلاه بيان مقصد البيت في آية التطهير، فهو بيت الله وليس بيت النبي، أي إن *أهل بيت النبي* غير معنيين بالآية وإنما هم (أهل بيت الله) أي (حجاج) بيت الله من البشرية المؤمنة به جمعاء، وهم الذين آمنهم الله بأنه سيطهرهم من رجس الذنوب وعذابها، فبقصدهم بيته هو قصد الوقوف بين يديه للإعتراف بالذنوب وطلب الغفران منه، من أن يتوب عليهم بتطهيرهم من رجسها، ولذلك نفهم ما جاء في الآية(97) أعلاه، معنى من دخله( البيت) كان آمناً؛ أي آمناً من عذاب الله لأن الله سيغفرها له ويطهره منها.
وعليه يعود الحُجاج المؤمنون مطهرين لاذنب لهم فرحين يحتفلون بعيد غفران الذنوب، فيشكروه بنحرهم الأضاحي لوهبها إلى المحتاجين الفقراء، وعليه جاءت الآية تخبرهم عن سبب قصد بيت الله، من نفض شرور النفس وتطهيرها لأنها أثقلت كاهلهم، فالحج هو الأمل.
وهل من أملٍ غير الله ؟
غفران الله هو التطهير للذنوب، فإقصدوا بيته ما إستطعتم إليه سبيلا، فالبيت رمز حسي لساحة الإعتراف بالذنوب ، وكأن المؤمن شق طريقه ليطوف حول البيت معترفاً بذنبه، فيدور ويكرر الدوران متوسلاً المغفرة منه، بطوافه هذا، ففي كل طواف أو دوار عهد بالتوبة وتوسل بطلب المغفرة للذنوب، فيكرمهم الله بتطهيرهم منها إن علم منهم صحة النية وصدق العزيمة، ومن لم يستطع الحج، فبيت الله قلوب المؤمنين الصادقين، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد.
بيت الله هو المأوى الحسي الأمين، للفارين من جسد ساحة عذاب الذنوب إلى ساحة التطهير منها، لتعود النفس مطمئنة كما خُلِقت أول مرة.
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *