الإنجاز تحقيق لعمل ما مكلف به فرد أو جماعة، وإتمامه بأكمل ما أريد أو خطط له، وربما كان حلماً أو طموحاً في مرحلة سابقة، وصار العمل به واقعاً، حتى إذا تحقق بأكمله، يكون قد أُنجز. والإنجاز مطلب عالمي ينم عن مبدأ غاية في الرقي في أن يحقق الإنسان أفضل ما عنده في أي مجال وميدان، وبأقصى ما أمكنه، حتى إذا عمل الناس بأغلبهم وفق هذا المبدأ، تمكنوا من الرفاهية والعيش الرغيد. والعمل بدافع الإنجاز، يُلزم التقيد بالخطة المرسومة له، ومتطلبات تحقيقها بالإمكانات المتاحة والسقف الزمني الذي من المفترض أن يكون محدداً مسبقاً حتى إنهائه، وهذا بدوره يتطلب العمل دون تقاعس، وبلا كلل ولا ملل، هذا، فيكون قد خضع كمشروع للتخطيط السليم، وأتخذت التدابير الممكنة المدروسة لتحقيقه، مع كل الاحتياطات والبدائل المهمة في حالة واجه المشروع أيا من المعوقات المتوقعة وحتى الطارئة. مثلاً عند ترميم شارع مستخدم حالياً، فلا بد أن يسبق العمل به شرع البديل المؤقت كي لا يعاق الناس من المرور فترة ترميم الشارع الأساسي. وفي حالة ترميم بناية لمؤسسة عمل، فلا بد من توفير البديل كي لا يتوقف العمل فيها، أو تتأخر معاملات المواطنين، كذلك العمل في قناة وظيفتها تصريف مياه الأمطار أو غيرها، فمهم شق قناة بديلة ولو بأقل المواصفات لتؤدي الغرض المطلوب لحين إتمام القناة الأساسية بالمواصفات الدقيقة والضرورية.. وهكذا كل عمل فلا يضار أحد. حضاري أخلاقي فضلاً عن كونه عملي، أن يضع كل من المخطط أو المنفذ نصب عينيه حاجات الناس قبل كل شيء، وفيما إذا كان العمل بمكانه وبتوقيته وآليته سيتسبب في أذى الناس وإعاقتهم، أو سيضرب المصالح العامة. هذه من بديهيات وأبسط القواعد العملية التي قامت وتقوم عليها المشاريع الخدمية وغيرها، أبسطها وأكثرها تعقيداً في كل بلاد العالم. أما ما يحصل عندنا فلا يمكن إدراجه ضمن أي وصف معروف، لا يمكن القول أن أي مسؤول عن مشاريع البناء والإعمار بدائي مثلاً، أو لا دراية له بالغالب، فكثير منهم إن لم يكن قد قضى وقتاً لا بأس به خارج الوطن، فبأقل تقدير قد اطلع على كثير منها خلال سفراته المتكررة لبلاد العالم المختلفة وتحت مسميات مختلفة.. بمعنى أن لهم ما يكفي من الإطلاع مسبقاً على ما وصل إليه العلم والعالم في شتى مجالات التطور والعمران. كما لا يمكن القول أن المشاريع التي يقومون بتنفيذها من نوع العظيمة الضخمة، أو ذات البعد الزمني الطويل لتخدم أهداف بعيدة المدى..فكل ما يطلبه الناس اليوم هو البنى التحتية ولا غيرها. لا ناطحات سحاب، ولا مدن خرافية، ولا خدمات كمالية (بطرية) كل ما هنالك الحاجة لمجاري الصرف الصحي الصحيحة، وشوارع معبدة بمواد غير مغشوشة، كهرباء بمستوى معقول…. أما مدارس ، بيوت، مستشفيات، …فكل مؤجل، إن لم يكن قد نسيه الناس بفضل فعل.. الشيطان.. وعندما يبدأ الناس بالتنازل عن حقوقهم المشروعة تحت ضغط الحرمان من أبسطها، وكواقع حال صار تغييره حلما..، فهذا أمر خطير. أما الأخطر، ففضلاً عن كون المطالب أمست محدودة جداً، أصبح المتاح منها والمفقود يقاس بأقل النماذج العالمية حضارة وتطورا، وأكثرها فقرا . والأكثر، فالمقارنة مع ما كان إبان عهد النظام السابق. مؤسف أن البعض صار يتغنى بما كان وكأنه حلم ليتهم يتمكنون من أن يطالوه لينعموا بأقل مستوى مما كان من الخدمات، برغم ما في بلدنا من وافر النعم، وبعد أن أصبح العالم يخطو تلك الخطوات بل القفزات في العمران وكل شيء.
يأتي من يقول لو أننا رضينا بما قد كان وفات ما كنا نعيش هذه المعاناة.. لا سوء الصرف الصحي، ولا الشوارع المتكسرة، ولا المياه المتعكرة، ولا…..إلخ ، حقاً، لقد تحقق في عهد النظام البائد ما تحقق من العمران حينها قد سبقت بلادنا كل من صار اليوم في المقدمة. وبحسب هذا المنطق، فلا بأس بتقبل مثل كل سلبيات وأخطاء ذلك النظام مقابل توفير بعض البنى التحتية. والرد على هذا ومثله كثير، ليس العبرة فيما تبني وتعمر، بل من خدمت ومن آذيت. فليس كل إعمار يخدم الجميع، وليس كل من بنى نزيه. لقد بني ما بني عهد النمرود، ومن الفراعنة، وبنو أمية… وغيرهم كثر. فقل لي مسبقاً، ماذا دمرت وعلى أية أنقاض مشيت، أقل لك إن كنت عصامياً معمراً أم وصولياً مدمرا. ويلعب السعي وراء المجد الشخصي دوراً مهماً في مثل هذه الأمور. ومثل ذلك موضوع الإصلاح، بمعنى تحديد مواطن القوة والضعف، فإن كان قوة، عملنا على تثبيتها وزيادتها، وإن كان خللاً، شخصناه وأوجدنا له الحلول المناسبة. أما أن نعمد إلى مقارنة ما كان بما حاصل اليوم بالقول إن ما كان هو الأصوب، فهذا أفظع ما يمكن المقايسة به ووضع الطموحات في حدوده، وإن قد كان فيه أي نوع أو مستوى من البناء والعمران، فلم يكن ليمثل بحق طموح الجماهير التي تعيش في بلد غني بكل ما فيه، كما لا يمكن الجزم بأن أي منه قد كان بنية خالصة لخدمتهم، وإلا لما كان كثير منها لتخدم مصالح معينة.. ولما خرب بيده من عمر مسبقاً، ويزيد في ذلك الخاتمة، أن تُرسل البلاد وما فيها ومن عليها إلى الهاوية. لا تصح المقارنة والمفاضلة بين الخراب والخراب. من يتحدث عن الإنجاز لا بد أن يحدد الهدف وإلى أي مدى ومستوى، وعلى أي معيار، ومن يتحدث عن الإصلاح، لا بد أن يحدد ما ومن يريد به، وعلى أي نهج. فما يراه صاحبه عملاً يستحق التعظيم لجانب، قد يراه آخر عملاً هدفه الأذى والتحطيم لجانب آخر، أو قد تم على وفق معيار أعوج، وما يراه إصلاح، قد لا يكون عند الآخر إلا خراب عندما يتعارض مع مبادئه، ويتناقض مع نهجه. هكذا.
مؤلم أن بقي بلدنا يدور في فلك المجهول وقد عتمت الرؤيا. مؤسف أن من فيه يعيش يومه محبطاً وقد سُرق أمسه وتداعت أحلام غده. في نهاية المطاف، لم يشهد بلدنا إصلاحاً ولا إنجازاً.. والمشاريع التي تخدم المواطنين أمست ضروباً من الخيال، بل مواضيع ساخرة يتضاحك الناس عند التطرق إليها، فلا مشاريع خدمية تلوح. أما الإنجاز الحقيقي الذي يشهده على أرض الواقع، فهو إتمام الخراب، وعلى أكمل وجه.