قبل سنوات كثيرة وقع بين يدي كتاب عن تحضير ارواح الاموات, في فترة عجيبة حيث انتشر تعليم السحر في العراق, وتعددت الاماكن الخاصة بالتعليم, حيث كانت هنالك جهات داعمة لهذا التوجه, حتى اصبحنا نشاهد نوعين من السحرة: احدهما يدعى بالسحار, والاخر يدعى بالروحاني للفرز بينهما فيقال: الاول شرير والثاني من الاخيار, هكذا تم تسويق عملية تجهيل الامة في تلك الفترة.
والحقيقة الفضول دفعني لقراءة الكتاب, وقررت على سبيل التجربة ان احضر بعض الارواح الجدلية, والتي تكتنفها اسرار مهمة.
فكانت اول روح تاريخية خطرت على بالي لأستدعيها: هي روح (عبدالله بن سبأ) الشخصية التي ترتبط بها احداث تاريخية مهمة ومصيرية, مع الغموض الشديد الذي يكتنفها, وحسب تعليمات الكتاب في طريقة التحضير وضعت شمعة بداخل اناء ابيض, وكتابة طلسم سحري في غرفة مظلمة, وانتظار القادم من الزمن البعيد, وانتظرت.. والوقت كان يمر ولا شيء حتى مرت نصف ساعة, تململت من الموضوع وشككت بالكتاب من انه اكذوبة, وفجأة تحرك الاناء, كأن زلزال يغلي تحته, وجاء صوت مخيف بلغة عربية فصيحة: ” لا توجد روح بهذا الاسم .. انه اسم وهمي .. لا توجد روح بهذا الاسم .. انه اسم وهمي ..” وبقي يتردد الكلام الى ان اطفأت الشمعة وفتحت شباك الغرفة ليعم الصمت.
يبدو ان عبدالله بن سباء شخصية مختلقة من خيال الكتاب, او وجدت بدوافع سياسية لربط كل مصيبة بالمجهول, كي يخفون الفاعل الحقيقي لكل المصائب التاريخية.
بقيت مشغول البال في الروح التالية التي يجب ان احضرها, كانت اسماء كثيرة تزور خاطري, في الاخير قررت ان استدعي روح نتنة جدا فكان الطاغية صدام, اسرعت للغرفة واغلقت الشبابيك واطفأت الانارة وعملت حسب تعليمات الكتاب, وانتظرت.. وبعد ربع ساعة تزلزل الاناء الحاوي للشمعة, واذا بصوت اعرفه جيدا طالما لوث الكون بجنونه, مصاحب برائحة نتنة جدا كرائحة السمك الفاسد, انه صوت صدام, قال: ” ماذا تريد مني ؟ هيا قل..” خاطبني الصوت بعنجهية وغرور كما كان في حياته! قالت: “عندي سؤال لم اجد له تفسيراً لليوم”.. فقاطعني الصوت.. “شتريد هسة”؟
فقلت له: اصمت واسمع كلامي, اني اسأل عن سبب دخولك للكويت بعيدا عن حججك الغبية للأعلام, ما بين قطع الاعناق ولا قطع الارزاق, او تلبية نداء الثوار الكويتيين, او ان الكويت جزء مسلوب من البصرة؟
عم الصمت ارجاء الغرفة, حيث كانت روح الطاغية تحاول استيعاب سؤالي, ثم قال صدام: ” مستر بوش أمرني وعبر وسطاء بدخول الكويت, كي يتم تنصيبي شرطي للخليج باكمله, لكن مع الاسف خان الوعد وسخر مني! وتبخرت كل احلامي, ليقرر مستر بوش سجني داخل العراق بحصار شديد, الحق انني ندمت على فعلتي التي اثبتت رعونتي وطمست كل تاريخي, ولو رجع الزمن لما فعلتها”, حل الصمت واختفت الرائحة النتنة, فعلمت ان روح عراب الحروب قد عادت الى حفرتها.
وغدا… ستكون لي رحلة اخرى مع ارواح اخرى .