23 ديسمبر، 2024 5:51 ص

تحريف النص المقدس..وشرعنة القتل..

تحريف النص المقدس..وشرعنة القتل..

من يتابع الاحداث الجارية في العالم وفوضى القتل المجاني الممتد من اقاصي افريقيا الى القوقاز مرورا بالمشرق العربي   النتاج  من الصراع الفكري والعقائدي الذي تخوضه الجماعات الاسلامية السلفية المتشددة مع مجتمعاتها والتي تستمد هذه الجماعات فكرها الجهادي من النصوص المقدسة واراء وافعال السلف الصالح حسب ما تدعي هي على الرغم من ان معظم جهادها اذا لم يكن كله موجه ضد المسلمين اتفسهم وهم المادة الخام لعملياتها التي تسميها بالجهادية ..ولكن ماهو التفسير الفقهي والشرعي للقسوة والهمجية التي تمارسها هذه الجماعات من عمليات ذبح وتمثيل وتنكيل بالجثث ..اعتقد ان الجواب موجود في تراثنا الديني والذي تلاعبت به الميول والتوجهات على مر التاريخ ..فكل هذه الجماعات تستند في افعالها هذه الى الحديث النبوي الذي يقول…لقد جئتكم بالذبح..ومن يبحث عن اصل هذا الحديث سيجد ان معظم كتب الصحاح قد اوردته وبهامش حديث حسن…وبخمس طرق اربعة منها عن عبد الله بن عمرو بن العاص  عن ابيه وواحد عن عثمان بن عفان..فقد رواه احمد في مسنده حديث رقم 7036 وابي حاتم في تفسيره حديث رقم 2699 وابن حبان في صحيحه حديث رقم 562 وابن عساكر في تاريخ دمشق ..والهيثمي في مجمع الزوائد والبخاري في صحيحه  باب خلق افعال العباد رقم الحديث 307…وابن حجر في فتح الباري وغيرهم ..وهو كما في رواية عمرو بن العاص (مارايت قريشا ارادوا قتل النبي(ص) الا يوم أئتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة والنبي يصلي عند المقام فقام اليه عقبة بن ابي معيط فجعل ردائه في عنقه ثم جذبه حتى جثا على ركبته ساقطا وتصايح الناس فظنوا انه مقتول فأقبل ابو بكر الصديق يشتد ويقول ..اتقتلون رجلا يقول ربي الله ..ثم انصرفوا عنه فقام يصلي فلما فرغ من صلاته مر بهم فقال ..يامعشر قريش اما والذي نفس محمد بيده ما ارسلت اليكم الا بالذبح ..واشار بيده الى حلقه فقال له ابو جهل ماكنت مجهولا فقال الرسول وانت منهم )..وفي رواية اخرى ..لقد جئتكم بالذبح..هناك فرضيتان يجب التعامل فيهما مع مثل هكذا روايات ذات مدلولات تمس جوهر العقيدة الاسلامية ..الفرضية الاولى هي التسليم بصحة هذا الحديث الا انه جاء على وجه الخصوص لا العموم  لسادات قريش فقط الذين ناصبوه العداء وسعوا الى قتله والدليل هو اعفائه عن قريش في يوم فتح مكة سنة 8 هجرية حين قال مقولته الانسانية الكبيرة (اذهبوا فانتم الطلقاء) ولو ان الله بعثه لذبح قريش لفعل وهو النبي الذي لاينطق عن الهوى .. وهذا الرأي ذهب اليه البهيقي وترجمه ابي نعيم في (دلائل النبوة) وعده مقيد كونه خص شيوخ قريش  وشرحه السيوطي في (كتابه الخصائص الكبرى )  وجعله من الخصائص لا العموم وانه جاء لسادات قريش السبعة والذين وقف النبي(ص) على مضاجعهم يوم بدر..اما الفرضية الثانية فهي أبطال صحة هذا الحديث  كونه يخالف القران الكريم ..بقوله تعالى مخاطبا النبي (ص) في سورة الانبياء ( وما ارسلناك الارحمة للعالمين)..واذا تعارضت السنة مع القران فالترجيح للقران بحديث  النبي محمد (ص)الذي اخرجه البخاري في كتابه التاريخ الكبير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (انه تفشوا عني احاديث فما اتاكم من حديثي فقرؤوا كتاب الله واعتبروا ما وافق كتاب الله فأنا قلته ومالم  يوافق كتاب الله فلم اقله ) .. وحديث  (الذبح ) يتقاطع مع خلق ورحمه النبي محمد (ص)  بكل مايحمل من عظمة وسموا انساني ومن ورائه الاسلام ذلك الدين القيمي الذي جعل السلام شعارا لأسمه هل يعقل ان يصدر منه مثل هذا الحديث.. أضافة الى  ان بعض علماء الامة قد ضعفه كأبن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري )  وقال ان احد رجال السند هو ابن شهاب وهو ضعيف يروي عن التابعين ..وقال شعيب الارنؤوط ..رجاله رجال الصحيح الا ان فيهم يحيى بن سليم مما يحطه عن رتبة الصحيح .. بعد كل الذي تقدم نجد ان هذه الجماعات قد جعلت هذا الحديث من الثوابت واستحلوا فيه دماء واعراض واموال المسلمين وأخرجوه من الخصوص الى العموم لانهم تثقفوا على فكر سلطوي سادي .. أموي عباسي.. هذا الفكر الذي وسم تاريخنا الاسلامي بالدماء والرؤؤس المصلوبة على جذوع النخيل حين يحدثنا تأريخهم كيف كانت تبدأ مجالس الحكم  لخلفائهم بفرش النطع وهو فراش من الجلد كانت تقطع عليه رؤؤس الناس .. اذن نحن الان بحاجة الى اعادة النظر بكل تراثنا الديني وانشاء ثقافة اسلامية مضادة  لهذا الموروث الزائف والمشوش وتخليص الاسلام من كل هذه الشوائب التي لازال يذهب ضحيتها الاف الابرياء.