5 نوفمبر، 2024 5:35 م
Search
Close this search box.

تحرير تكريت وتكريت المحررة

تحرير تكريت وتكريت المحررة

كما توقعنا منذ البداية، تحررت تكريت من قبضة تنظيم داعش، وخسر التنظيم مدينة مهمة بالنسبة له وفق الحسابات الجغرافية العسكرية. منذ إنطلاق عملية تحرير صلاح الدين، أدرك تنظيم داعش قبل غيره، إنها معركة محسومة لصالح القوات العراقية، لسبب وحيد، لايوجد بديل للدولة العراقية ووسط التحشيد الشعبي والأعلامي والعسكري، كانت المعركة بمثابة معركة وجود، فأما نكمل المعارك أو يجلس الجميع في اماكنه ويكتفي بالدفاع.

لم يكن لمعركة تكريت أن تنتهي بهذا الشكل لولا الأرادة السياسية العراقية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي ومن معه، قد أدرك العبادي متطلبات الواقع وإستشعر المخاطر وقبل النصيحة وإجتهد بالحوار، حتى حصلنا على تكريت محررة برضى وفرح الكثير. كان قرار توقف العملية، حكيم وشجاع، لم يكن ليصدر من غيره في هكذا توقيت وظروف ووسط ضغط شعبي وإعلامي، وحتى عسكري من قادة فصائل الحشد الشعبي؛ المتحمسة لأكمال المعركة وإنجاز المهمة بسرعة حتى تثبت قدرتها القتالية وتأثيرها في سير المعارك.

يعلم الجميع أن الحروب العسكرية لاتكفي لتحقيق النصر، فالأنتصارات العسكرية وقتية، وإتمام النصر يتطلب العمل السياسي إلى جانب العسكري حتى يتحقق الهدف بشكلً تام. وهذه النقطة محورية وهامة في تكريت، حيث توقف العمليات لم يكن بقصد القدرة العسكرية من عدمها وفي النهاية وإن طالت المعركة أو قصرت، كانت ستتحرر لكن بصيغة ثانية تحولها لصراع طائفي وتفتح مشاكل سياسية جديدة وتجهض كل أمل في تحرير المناطق الأخرى بل وترسل للناس رسالة سلبية تؤثر في إقناعهم بأن الدولة العراقية تتبنى حمايتهم لا الأنتقام منهم. كما إن للعمل السياسي جانب مهم في سير المعارك على الأرض، وقد ضمن لنا حفظ الكثير من أرواح القوات المقاتلة للتحرير.

ماذا نستفيد من تكريت؟

أن القيادة العسكرية العراقية وحدها من يمكن أن تقنع العراقيين، وأنها على عكس الأنطباع السائد بسبب ماجرى منذ العاشر من حزيران، قد أثبتت قدرتها على إدارة المعارك بعقل عسكري يدرك الواقع ومتطلبات المعركة. قائد عمليات صلاح الدين مثالاً، الفريق عبدالوهاب الساعدي الذي طالب القيادة السياسية بشكل علني عند توقف العمليات، بالأستعانة بالتحالف الدولي لتوجيه ضربات جوية، وهو بذلك خاطر في الحديث خارج رؤية الرأي العام، وقبل بذلك لأجل تحقيق الهدف وفق رؤيته والتي تكللت بالنجاح اخيراً. القائد العسكري يفكر في جنوده ولايغامر ويتحرك وفق إنفعالات ومشاعر، وهذا مالمسناه عند عبدالوهاب الساعدي في معركة تكريت. وبالفعل حققت ضربات التحالف الكثير من خلال تطهيرها المدينة من العبوات الناسفة التي زرعها التنظم وعاقت تقدم القوات في الفترة الماضية، ونحن بذلك حفظنا ارواح المقاتلين وجنبناهم أرض ممتلئة بالعبوات. يقول الأعلامي عامر الكبيسي “ضربات التحالف والقنابل الأرتجاجية قد طهرت المدينة من العبوات والمفخخات”. كما يذكر السيد وزير الدفاع خالد العبيدي في خطاب التحرير الذي القاه عبر الشاشة، أن “القيادة السياسية إستجابت لطلب القيادة العسكرية بأشراك التحالف الدولي” كما أكد في حديثه للعربية أن “الضربات الجوية للتحالف كانت فعالة ومؤثرة، بواقع 115 طلعة جوية دمرت 44 هدف”.

بالمقارنة وقت إنطلاق العمليات ثم توقفها وصولاً للتحرير، يمكننا تعلم الكثير والأستفاده من ذلك في معارك قادمة لتحرير أماكن إخرى. إشتراك بعض ابناء صلاح الدين ضمن ألوية قتالية قد سهل الكثير وجنب المدينة الكثير ايضاً، كان الأمر بمثابة تبيان رأي وإثبات للأخر أن الناس مغلوبون على أمرهم، وهي رسالة تلقتها القوات المحررة بمختلف صنوفها وإنعكست على تصرفاتهم ولو بشكل بسيط وغير معلن.

يمكننا إستشعار هذا من خلال التصريحات التي ادلى بها مختلف القادة منذ بداية العملية لغاية التحرير، سنلاحظ إنخفاض حدتها، كما مع الرأي العام والشعبي ايضاً.

في جانب الخروقات التي حصلت خلال اليومين الماضيين، بعد تحرير المدينة. يتبين مجدداً عدم قدرة القادة السياسيون والعسكريون، على منع هذه الممارسات بشكل مطلق. ولعل الملفت أن تتم هذه الممارسات امام مرآى قادة عسكريون وجنود نظاميون، يعارضونها بكل تأكيد، لكن غير قادرين على منعها. هذا موضوع شائك وهو أبعد من ممارسة فردية في قراءة موضوعية، لكيان الدولة العراقية ومدى قوتها وسيطرتها. في الحروب كل شيء وارد ولايعني مبرر، لكن حربنا تختلف وحساسة لدرجة كبيرة، فألأخطاء التي تقع في حروب تقليدية، غير مقبولة في حروب من نوع أخر، نظراً للحساسية الشديدة والأنقسام المجتمعي. وبغض النظر عن التحليل والقراءة، مقارنة الخروقات التي حصلت على مدار يومين وتمثلت في أعمال سرقة وحرق، لاتقارن بماجرى في معارك إخرى سبقتها. يقول الصحفي علي عبدالأمير للعربية أن “القوات الأيرانية سيطرت على قرية حدودية عراقية أبان الحرب العراقية الأيرانية، وبعد تحريرها من قبل العراقيون، تم سرقتها ونهبها”. ولدينا مثل عراقي يقول “بالمال، ولابالعيال”. بالتالي الأمر ليس بالكبير بموضوعية شديدة، لايعني انه مبرر لكن لايثير الفزع كما حصل سابقاً في أماكن إخرى.

كيف تحقق النصر؟. بالنسبة لأنسان عادي، لايهم كثيراً الأجابة عن هذا السؤال، وهو أمر للتاريخ والسياسيين والمحللين، لا للمواطنين. معارك التحرير ليست مصالح شخصية، بل أهداف وطنية، وتحقيق الهدف الوطني أهم بكثير من جزئية نسب الأنتصار لمن. لهذا لامبرر لخوض النقاشات والجدل حول الأمر، لكن يبقى أن التحرير لاينسب لأحد برأيي، فهي عملية متكاملة قدم فيها كلً من مكانه، وساهم في إنجاز النصر النهائي. لايمكن إغفال دور الحشد الشعبي ولادور الشرطة الأتحادية أو طيران الجيش العراقي ولاحتى طيران التحالف الدولي، والعمل السياسي الذي وفر اجواء في وقت تصاعد فيه الأحتقان بداية العملية.

وماذا بعد؟

حتى يتحقق النجاح التام، يتطلب الأمر عودة النازحين. فالمدينة خالية من السكان وعودة النازحين لديارهم، أساسي في نجاح العملية من عدمها. المسألة ليست طرد تنظيم داعش وفقط، بل مابعد داعش ماذا؟ مناطق عديدة في ديالى ونينوى وغيرهم، محروم سكانها من العودة رغم تحرير هذه المناطق منذ وقت ليس بالقصير، ولأسباب ودواعي ومبررات مختلفة. كما ينبغي على ابناء صلاح الدين تنظيم أنفسهم ومسك الأرض وضمان عدم عودة التنظيم لمدينتهم، وهذه مسؤولية تقع على عاتق المحافظ والذين شكلوا ألوية من ابناء المحافظة اثناء التحرير والشرطة المحلية. اما القوات المحررة وبعد إتمام المهمة التي ستحتاج لوقت معين، عليهم الخروج من المدينة وتسليمها لأهلها، وهم بذلك ينجزون المهمة في أكمل وجه وأحلى صورة. وحينها سنجد مدن إخرى واماكن ثانية تستقبلهم وتناديهم للعون، وهذه حالة وطنية فريدة إن تحققت بهذا الشكل.

لايجب تهميش دور القيادة العسكرية العراقية مجدداً، وينبغي كما حصل في تكريت بعد توقف العمليات، ان تستمع القيادة السياسية لقادة الجيش وحدهم، وأن تعمل وفق رؤية بحجم دولة، تعتمد المهنية أساس للعمل، ولاتأخذ قرارها من شركاء. كما إن القيادة الميدانية يجب حصرها بالجيش وفقط، مع تبادل الأراء والمقترحات مع داعمين ومساندين القوات المسلحة، لكن يبقى في النهاية القرار مؤوسسي. كما إن المعارك القادمة ستحتاج لنفس الجهد السياسي الذي بذل في تكريت وقد يكون أكثر خصوصاً مع نينوى والأنبار بالنظر للمساحة وعدد السكان وأهمية ومركزية هذه المحافظات.

على مستوى المقاتلين من مختلف الصنوف والتشكيلات، ينبغي تكريم وتشجيع الوطنيين، ومحاسبة ومحاكمة المسيئين الذين يتسببون في تقليب الرأي العام؛ وهم بذلك يفشلون كل نجاح ويعيقون كل تقدم على كافة المستويات. بات واضح لايقبل النقاش أن ابناء المدن نفسها آولى بتحريرها وإن مهما تم العمل على عدم حدوث خروقات، فأنها ستحدث. لاينبغي خوض معارك جديدة بقوات خالية من أهل المدن نفسها منذ البداية، حتى تتكلل العمليات بنجاح تام وحتى تتجنب الدولة العراقية الموقف الذي تكون فيه كل مرة أمام المجتمع الدولي والذي يؤثر في الدعم المقدم لها. لتكن معاركنا وطنية ونستعيد بلادنا وارضنا من عدو لم يُفرق بين عراقي وعراقي.

مازال بأمكاننا جعل تكريت نموذج لباقي المحافظات والمدن العراقية التي تنتظر التحرير، قرارات سريعة ومحاسبة علنية، كفيلة في غلق ملف الأنتهاكات. توجيه العبادي بالمنع والقبض على من يمارس الأنتهاكات، أمر جيد وإيجابي، لكن بحاجة لبرهان عملي. كما إن خطاب السيد مقتدى الصدر ومن قبل حدوث أي إختراق وخرق، كان واقعي وتوقع ماسيحدث بالفعل، لهذا كان ينبغي الأستماع له حينها. هناك مسؤولية تقع على عاتق القادة الميدانيون من القوات المسلحة والحشد الشعبي، وعليهم تحمل مسؤولية مراكزهم، فلا أعتقد أنهم يقبلون أن يساء لهم كلهم، لأجل فعل فرد أو مجموعة، لهذا عليهم أن يحاسبوا المسيء بأنفسهم، قبل غيرهم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات