وانطلقت عملية تحرير الموصل, من احتلال عصابات داعش, التي اغتصبتها في العاشر من حزيران عام 2014, لتمثل المرحلة الأخيرة والاهم, في عملية تحرير الأراضي العراقية, التي استولى عليها هذا الكيان السرطاني, والتي في ليلة وضحاها, وصل الى مشارف بغداد, وصار يهدد مستقبل شعب ويمزق بلد بأكمله, في عملية أريد لها, رسم ملامح شرق أوسط جديد, قائم على التقسيم الطائفي.
ووسط غياب؛ ملامح مواجهة عصابات داعش, بسبب انهيار المنظومة العسكرية العراقية, وغياب الرؤية السياسية للسلطة الحاكمة آنذاك, انطلقت فتوى المرجعية العليا في النجف الأشرف, لتستنهض شعبا بأكمله على مواجهة هذا العدوان, فانطلقت جموع مقاتلي الحشد الشعبي, لتقاتل هذا التنظيم الإرهابي, في ديالى وصلاح الدين والانبار وختمتها بالفلوجة, التي مثلت المفتاح لتحرير الموصل.
واليوم وبعد سنتين ونصف, أصبحت القوات الأمنية العراقية, على أبواب الموصل, وهي قوة قتالية متمرسة, ربما هي القوة الأبرز في المنطقة الإقليمية, وتمتلك من الخبرة القتالية, مالا تمتلكه جيوش المنطقة, ومجهزة بالمعدات الحديثة والمقاتلين الأشداء, الذين تعودوا على الحروب, وعلى القتال في مختلف التضاريس, والظروف البيئية.
شهدت علاقة إقليم كردستان, مع الحكومة المركزية شد وجذب, وأحيانا حد التوتر, بسبب التفكير في المصالح الحزبية الضيقة, وعدم التوافق على المصالح العليا للعراق, الأمر الذي جعل رئيس الإقليم, يغرد بعيدا عن حكومة المركز, حتى صار متهما بالشراكة في سقوط الموصل, ولكن اليوم نجد إن الأهداف توحدت, وأصبح هناك تفاهمات مشتركة, وأصبحت قوات البيشمركة, شريكة مهمة في عمليات تحرير الموصل, ودخلت القوات العراقية الى الإقليم, وهي المرة الأولى منذ عام 2003.
إن عملية تحرير الموصل, كانت تحتاج الى خطاب سياسي موحد, والى توافق بالرؤى, على المستوى الداخلي العراقي, وهذا ما دعا الى عودة التحالف الوطني العراقي, بقيادة جديدة تمتلك العلاقات الجيدة, على المستوى الداخلي والإقليمي, وحتى الخارجي, ولها القدرة على الحوار, مع جميع الإطراف, الأمر الذي انعكس بصورة ايجابية, على المشهد السياسي العراقي, وتوحده من اجل القضاء على داعش, وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة في العراق.
بلا شك إن الخاسر الأكبر, من القضاء على داعش, هم أصحاب المشروع الطائفي, المتمثل بتركيا والسعودية وقطر, وبعض دول الخليج, الذين وجدوا ضالتهم بداعش, لتحقيق مصالحهم في العراق, وهدم كيانه, وإبقائه دولة ضعيفة, بدعوى دعمهم لأهل السنة, اتجاه المشروع الشيعي الإيراني -بحسب زعمهم-, فكان المتضرر الأكبر هم أهل السنة أنفسهم, الذين استبيحت أعراضهم, وهدمت منازلهم وهجروا في أصقاع الأرض, الأمر الذي جعل أهل السنة, هم اول المشاركين في معركة تحرير مدنهم وقرارهم, تحت مسمى “الحشد العشائري”, فتحرير الموصل سوف يمثل نهاية لهذا المشروع, ويسكت جميع الأبواق, التي كانت تزمر له.
مع نهاية تحرير الموصل, سوف تنتهي ملامح مشروع الشرق الأوسط الجديد, الذي كانت داعش إحدى أدواته الرئيسية, بعد ان انقلبت, على من يمسكون بخيوط هذا التنظيم الإرهابي, والداعمين له, وصارت عملياته تضرب عواصمهم ومدنهم, هذا المشروع الذي بدأ خطوته الأولى باتفاقية سايكس- بيكو, التي قسمت الوطن العربي, ووضعت خارطته المستقبلية باتفاق لوزان عام 1923, حتى وصل مراحله الأخيرة, بثورات الربيع العربي, وكاد أن ينجح, لو لا كلمة انطلقت من بيت صغير في النجف الأشرف, تحت عنوان “الجهاد الكفائي”.
إن عملية التحرير؛ ماضية لا رجعة, فيها وما هي إلا أيام, وتعود أم الربيعين الى أحضان الوطن, لترسم ربيعا لكل العراقيين, بعد ان عاشوا موسم خريف شاق, ولتتحدث الأجيال عن من تخاذل وخان, والعار الذي سوف يلاحقه, وسوف تكتب الأقلام بأحرف من نور, عن من قاتل وضحى وأعطى الدماء, وغير التاريخ ووقف بوجه جيوش الظلام, ومخططات الاستكبار العالمي, وصنع تاريخا ناصع البياض, عنوانه الرفعة والصمود والنصر.