في هذه اللحظات , ونحن نكتب هذه المقالة , لا زالت مدينة الرمادي لم تحرر بالكامل من عصابات داعش الإجرامية , ولكن هذه اللحظات التاريخية توجب علينا أن نستبق بعض الأحداث لكي نوضح لأهلنا في الانبار خاصة , وأهلنا في كل محافظات العراق عامة بعض الذي يجب علينا توضيحه وحسب فهمنا لمجريات الأحداث .
منذ ما يقارب الستة شهور , أعلنت الحكومة العراقية عن سلسلة من العمليات العسكرية لتحرير مدينة الرمادي بعد أن سقطت بشكل كامل بيد عصابات داعش الإجرامية صبيحة يوم 12/5/2015 , إلا إن كل تلك العمليات لم تأت اكلها بسبب عدم توفر معظم مستلزمات المعركة وقلة السلاح كما أعلنت ذلك الجهات المختصة في حينها . ولكن (الحقيقة هي بسبب غياب الإرادة السياسية الوطنية الحقيقية , لأن هناك من يريد أن يكون للأمريكان الدور المهم في عملية التحرير من جهة , وهناك من يريد لإيران ان تقوم بهذا الدور من جهة أخرى ), وبين هاتين الإرادتين راح المئات وربما الآلاف من أبناء الوطن الغالي من أبطال القوات المسلحة ومن يساندها من شرفاء العراق بين شهيد وجريح .
وعلى مدار أكثر من ستة شهور بين الشد والجذب انتصرت الإرادة التي تريد للأمريكان أن يكون لهم الدور الأساس في عملية تحرير الرمادي كبداية لتحرير باقي المناطق التي ترزح تحت وطأة داعش . وهذه الإرادة تمثلت ببعض السياسيين الذين كانوا أصلا سببا رئيسيا في مشكلة داعش ودخولها للانبار .
مما لا شك فيه إن عملية تحرير الرمادي التي تجري ألان قد ساهمت فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مساهمة فاعلة وأساسية وان الدور الذي تلعبه ألان أمريكا هو الدور المهم في عمليات التحرير .
والسؤال الذي يطرح نفسه ألان هو :
هل إن ما تقوم به اليوم أمريكا من تقديم الدعم والإسناد من اجل تحرير المدن المغتصبة من قبل عصابات داعش سيكون بلا ثمن ؟؟؟
من المفترض إن أمريكا مرتبطة مع العراق باتفاقية أمنية تم توقيعها في أواخر الـ 2011 وكان من المفترض أن تتدخل أمريكا وفق هذه الاتفاقية منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه داعش إلى الانبار ,,, لماذا لم تتدخل أمريكا إلا بعد أن اخذ داعش الوقت الكافي للتمدد والانتشار وإسقاط محافظات أخرى مثل نينوى وصلاح الدين وبقية مدن الانبار ؟؟؟
إن من النظريات الرائجة في مجال التحليل السياسي لما يحدث اليوم في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديدا هي تلك النظرية التي تقول إن داعش هي لعبة أمريكية القصد منها نشر حالة من الفوضى في المنطقة العربية من اجل إعادة تقسيم المنطقة على أساس طائفي وعرقي وقومي . وقد أكد هذه النظرية ما ذكرته هيلاري كلنتون في كتابها (خيارات صعبة ), وهي النظرية الأقرب الى الحقيقة الواقع .
ولو آمنا بصحة هذه النظرية بالمطلق فأننا سنكون أمام كارثة لا يمكن وصفها بأي حال من الأحوال , فلا يمكن لتلك النظرية أن تطبق على ارض الواقع وان تحقق أهدافها كالذي حققته داعش من نجاحات ما لم يكن للأمريكان اذرع وأتباع داخل المناطق السنية عملت على تسهيل مهمة دخول داعش إلى تلك المناطق ,وهذه الأذرع ليسوا أناس عاديون وإنما هم ربما سياسيون او شيوخ ما بعد الـ 2003 , المهم أنهم اذرع ذات سطوة وأصحاب قرار , فأمريكا عندما كتبت سيناريو داعش وبدأت بتنفيذه في العراق كانت قد هيأت كل مستلزمات إنجاحه ولا سيما المتعاونون معها في المناطق السنية .
لقد انكشف زيف بعض السياسيين السنة خلال الشهور الماضية وزيف ادعائهم بالوطنية , فوجدناهم يحثون الخطى بالذهاب إلى البيت الأبيض الأمريكي بإدعاءات واهية أبرزها إبعاد الخطر الإيراني عن المناطق السنية وكسب الدعم الأمريكي لغرض تسليح العشائر السنية من اجل محاربة داعش كما يدعون , في الوقت الذي لم نجد لهم اي دور يذكر في الوقوف مع أهلهم ومدنهم ومناطقهم لمحاربة داعش في ارض المعركة , وكأن داعش بالنسبة لهم هي ورقة يلعبون بها لتحقيق مصالح حزبية وذاتية حالهم حال الأمريكان مع اختلاف الأهداف والمصالح ولسان حالهم يقول تبا للنازحين وتبا للمهجرين وتبا لكل أهالي المناطق المتضررة من داعش ما دامت الإحداث تصب في مصلحتهم ومصلحة مستقبلهم السياسي .
لقد فشلت الحكومة العراقية في الفترة السابقة من تحرير مدينة الرمادي , او بالأحرى كان مخططا لها ان تفشل , بل على العكس من ذلك كله , فلو لم تطلب الحكومة العراقية من الأمريكان المساعدة لوجدنا أن الأمريكان سيقومون بضرب القوات العراقية بدلا من ضرب داعش !!
لقد ظن بعض السياسيين السنة من المتصيدين للمواقف ان أمريكا ربما ستحقق لهم كل أحلامهم وخاصة حلمهم الكبير في إقامة مشروعهم (المتأقلم) الذي يحلمون به , وإنهم ربما سيكونون أسياد هذا الإقليم , وستكون كل مقدرات السنة بأيديهم , لذلك وجدناهم لا يأبهون لصرخات الثكالى من النساء اللواتي أعياهن النزوح والتهجير والوهن وقلة الحيلة , او لصرخات طفل جائع يبحث عن كسرة خبز يسد بها رمقه وهو يعيش في تلك الخيمة البالية التي لا تقي من برد الشتاء ولا من حر الصيف , او صرخات رجل عجوز بلغ من العمر عتيا وهو يبحث عن حبة دواء يعالج بها ضغطه المرتفع , او او او …………….الخ وبدلا من كل ذلك وجدناهم يقيمون في أرقى الفنادق في اربيل وعمان وتركيا ووجدنا عوائلهم تعيش في بيوت مكيفة صيفا ودافئة شتاءا .
لقد وجدنا بعض من السياسيين ومعهم شيوخ ما بعد الـ 2003 يحاولون التقرب إلى الأمريكان زلفى , فوجدناهم يغادرون إلى البيت الأبيض بتذاكر سفر تم دفعها من ميزانيات محافظاتهم التي هي أموال الشعب , محاولين أن ينقذوا أحزابهم وكتلهم السياسية ومحاولين الاطمئنان على مستقبلهم في مرحلة ما بعد داعش ,,, فوجد الأمريكان بهم ضالتهم , فقال لهم الأمريكان عليكم الطلب من قوات التحالف الدولي التدخل والمساعدة وعليكم بإقناع الحكومة المركزية أيضا ان تقوم بالطلب من قوات التحالف الدولي بالتدخل والمساعدة فكان للأمريكان ما أرادوا , وها هي أمريكا اليوم تأتي بقواتها وجنودها وطائراتها لكي تحرر مدينة الرمادي من داعش , ولكن السؤال الذي يطرح نفسه , ماهو الثمن الذي سيدفعه أهل الانبار للأمريكان مقابل تحرير محافظتهم من داعش ؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه سنة العراق للأمريكان مقابل تحرير سنة العراق من داعش ؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه العراق للأمريكان مقابل تحرير العراق من داعش ؟؟
انها اسئلة كبيرة , ضمن معادلة كبيرة ,,من لعبة كبيرة ,,, اسمها لعبة الكبار
انها لعبة الكبار