كان الحديث فيما سبق حول إباحة الأئمة (ع) لحقهم الشرعي لشيعتهم في عصر الغيبة وقد استعرضنا العديد من الروايات الصريحة في هذا المعنى ، وما ذكرت ليس فهمي الخاص للنصوص الواردة عنهم ، وإنما فهم نخبة كبيرة من العلماء لحديثهم (ع) كصاحب المراسيم والمحقق الاردبيلي وصاحب الفقه الرضوي وشيخ الطائفة الطوسي وصاحب المدارك و العلامة الهمداني في مصباح الفقيه والشهيدين وغيرهم ..
ومع تطور الفكر الشيعي وتوسع صلاحيات الفقيه قال العلماء بوجوب إيصال الخمس إلى الفقيه لتشييد دعائم الإسلام وإقامة أعلامه ونشر أحكامه وترويج الشريعة وإيصال معالمه وتعليم المؤمنين وتربية طلاب العلم الجادين ونصح المؤمنين وإعانة المرشدين ، وإعانة المحتاجين من المؤمنين ، وما يتصل بهذه المضامين مما يعلم برضا الامام في صرف حقه ..
وهذا الرأي مع احترامنا لقائله ليس عليه دليل شرعي كما صرح بذلك الشيخ الاعظم مرتضى الأنصاري في مكاسبه ج2 ص 48 حيث قال : ( لو طلب الفقيه الزكاة أو الخمس من المكلف فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعا ) ، ويرى الشيخ مغنية في كتابه فقه الإمام الصادق (ع) ج2 ص119 وما بعدها ( عدم وجوب دفع الخمس للمرجعية الدينية وللمكلف إيصاله لموارده بنفسه دون واسطة بينه وبين ربه وعلى هذا يصرف سهم الامام في زمن الغيبة ) .. ويعلق سماحته على مشهور العلماء بوجوب الرجوع الى الحاكم الشرعي لدفع الخمس بقوله : ( هذا من المشهورات التي لا اصل لها ولا دليل من كتاب او سنة او عقل .. ان الواجب هو الاداء والوفاء بسهم الامام واشتراط الرجوع الى الحاكم قيد زائد .. لا واسطة في الاسلام بين الله والانسان ) كما نسب سماحته هذا القول الى الشيخ المفيد وصاحب الحدائق حيث قال : ( لم نقف له _ أي لوجوب الرجوع إلى الحاكم الشرعي _ على دليل وغاية ما يستفاد من أخبار أهل البيت (ع) نيابة الحاكم في القضاء والمرافعات والأخذ بحكمه وفتاواه ، اما دفع الاموال اليه فلم اقف على دليل عموما او خصوصا ) ، وقال السيد محسن الحكيم في المستمسك : ( اذا احرز _ المكلف_ رضا الامام بصرفه في جهة معينه جاز للمالك تولي ذلك بلا حاجة الى مراجعة الحاكم الشرعي ).
اذا حتى لو لم نعمل بروايات الإباحة للخمس، وضربنا بها عرض الجدار أو أولناها على معاني أخر فلا مفر من الإقرار بعدم وجوب إيصال الحق الشرعي للفقيه .
ولو سلمنا بكل ذلك وقلنا بوجوب دفع الخمس للفقيه ، فأتساءل لاي فقيه يعطى الخمس؟ للفقيه الخامل الذي لم يرى النور منذ سنوات، ويسكن في البروج العاجية والناس طوابير على بابه لتقبيل يده والتبرك بمقامه؟، أم تعطى للفقيه المتحرك الذي يعيش هم الناس وهمومهم، ويتأثر بالناس ويؤثر فيهم، الفقيه الذي يقيم العدالة والقسط بين الناس، الفقيه الناطق الذي يظهر علمه ويستعمل علمه، الفقيه الذي لا يسكت على جور الجائرين، ويستنقذ حقوق المظلومين.
ان الذي يدعو الغيور للكتابة في هذا المجال هو ما نراه من ضياع للدين وحق الشعوب وسرقة ثرواتهم بأساليب ماكرة يمارسها أدعياء العلم والفضيلة في الحوزات ليزدادوا ثراء وبطرا على حساب المحرومين من ابناء الاسلام الذين نشاهدهم يسكنون العشوائيات ويلتقطون النفايات لبيعها والارتزاق منها ، وفي جوارهم المراجع الرأسماليين وأبناءهم المرتزقة وحواشيهم المتطفلين الذين يمتلكون مليارات الدولارات من أموال الخمس ولا من حسيب ولا رقيب، يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه الفردوس الاعلى ص95بخصوص هؤلاء : ( اليوم صار مال الامام (ع) كمال الكافر الحربي ينهبه كل من استولى عليه )، ويذكر الشيخ مغنية في كتابه المذكور اعلاه ص118 : ( اما الانفاق من سهم الامام (ع) على المتطفلين والمرتزقة ، وعلى الذين يتاجرون بالدين فانه من اعظم المحرمات ، واكبر الكبائر والموبقات ، وفي عقيدتي ان الغاء سهم الامام افضل الف مرة من ان يأخذه احد هؤلاء ، ومن اليهم ، لانه تشجيع للجاهل على جهله، وللمغرور على غروره ، وللضال على ضلاله)، وما اكثر المتطفلين والمرتزقة من ادعياء الدين والاجتهاد من المراجع الوهميين ومن ابنائهم واصهارهم ووكلائهم الذين اتخذوا مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا .. ومن اراد ان يشيب رأسه من قصص هؤلاء المحتالين وأساليبهم الماكرة فليراجع ما كتبه الخبير في الشؤون الحوزوية الخطيب السيد الكشميري في كتابيه ( جولة في دهاليز مظلمة ) و ( ستون سؤالا بين قوسين ) ومذكرات أية الله السيد احمد الحسني البغدادي ..