23 ديسمبر، 2024 12:24 م

تحرير الإنسان الشيعي – 8 / الخمس أبيح لشيعتنا … وجعلوا منه في حل

تحرير الإنسان الشيعي – 8 / الخمس أبيح لشيعتنا … وجعلوا منه في حل

سؤال واعدت القراء الأعزاء بطرحه على طاولة النقاش حول مصير اموال الخمس بعد عصر الغيبة ولمن تسلم هذه الاموال، وهل للفقيه أن يستولي على اموال الخمس بعنوان انه نائب الامام ، او الاعرف بتوزيعها على مستحقيها ! كل ذلك سأتناوله مستندا الى أقوال الأئمة (ع) الصحيحة وكلمات بعض الفقهاء الاعلام .
قبل البدء باصل الموضوع اعطي موجزا لموضوع الخمس والأدلة عليه من القران الكريم والسنة  لمن ليس له الإطلاع عن هذه الفريضة .
الخمس فريضة إسلامية واجبة عند جميع الفرق الإسلامية لقوله تبارك وتعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ .. } مع اختلاف في موارد وجوبها وإنفاقها ، قالت مدرسة الخلفاء بوجوبها في غنائم الحرب فقط ، وقالت الامامية بوجوب اخراج خمس الغنيمة سواء كانت من الحرب او التجارة او غيرها .. وتدفع الى الامام (ع) ، يقول الامام الباقر (ع) بهذا الصدد : ( إن الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفيء ، فقال تبارك وتعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.. والخمس كما تذكر النصوص يقسم إلى ستة أسهم لله ورسوله ووصي رسوله وتسمى هذه الثلاثة اليوم بـ ( سهم الإمام ) ، وَ نِصْفُ الْخُمُسِ الْبَاقِي بَيْنَ اقرباء النبي (ص) فَسَهْمٌ لِيَتَامَاهُمْ وَ سَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ وَ سَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عِوَضاً لَهُمْ عن الصَدَقَاتِ التي حرمت عليهم..
وقد وقع الخلاف والاضطراب بعد عصر الغيبة فحار جميع فقهاء القرن الثامن الهجري في امر الخمس فقال بعضهم بعدم وجوبه لانتفاء وجود الامام ، وقال البعض الاخر بوجوب اخراج حصته (ع) وتوارثها حتى ظهوره ، والايفاء بحصة اصحاب الاسهم المتبقية لوجودهم ، والسائد اليوم عند الأغلب هو تسليم الخمس للمرجع الديني ، فالمرجع حسب تقديرهم هو الاعرف بتوزيعها على مستحقيها ، وفيما يحرز به رضا الإمام (ع) !
هذا هو المشهور والسائد عند أكثر المتدينين اليوم، استنادا لفتاوى اغلب فقهاء الحوزة المعاصرين، ولكن هذه الكلمات ( الاعرف بتوزيعها على مستحقيها ) و( يحرز رضا الإمام ) هذه ليست نصوص شرعية، بل كلمات واجتهادات من بعض الفقهاء المعاصرين خالفت صريح الروايات الصحيحة المنسوبة لأهل البيت (ع) ، ونحن طبعا اتباع النص، وليس اتباع الاستنتاجات العقلية والاذواق الاجتهادية، فلا اجتهاد مقابل النص ، فالنص الشرعي هنا خلاف السائد والمشهور عند الفقهاء المعاصرين فقد روي عن اهل البيت (ع) إباحة حقهم لشيعتهم بل أباحه عموم الخمس كما صرحت بعض الروايات لـ ( تَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ ) كما عبروا  في أحاديثهم (ع)،  ونعرض هنا ما روي عنهم في هذا الشأن اعتمادا على كتابي ( الكافي للشيخ الكليني ج1-8 ) و ( الوسائل ج9 للحر العاملي ) وهما من الكتب المعتبرة عند الإمامية .
(1) كُلُّ مَا فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا مِنَ الْأَرْضِ فَهُمْ فِيهِ مُحَلَّلُونَ 
في الكافي عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ رَأَيْتُ مِسْمَعاً بِالْمَدِينَةِ وَ قَدْ كَانَ حَمَلَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) تِلْكَ السَّنَةَ مَالًا فَرَدَّهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَقُلْتُ لَهُ لِمَ رَدَّ عَلَيْكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَالَ الَّذِي حَمَلْتَهُ إِلَيْهِ قَالَ فَقَالَ لِي إِنِّي قُلْتُ لَهُ حِينَ حَمَلْتُ إِلَيْهِ الْمَالَ إِنِّي كُنْتُ وُلِّيتُ الْبَحْرَيْنَ الْغَوْصَ فَأَصَبْتُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَ قَدْ جِئْتُكَ بِخُمُسِهَا بِثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَ كَرِهْتُ أَنْ أَحْبِسَهَا عَنْكَ وَ أَنْ أَعْرِضَ لَهَا وَ هِيَ حَقُّكَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي أَمْوَالِنَا فَقَالَ أَوَ مَا لَنَا مِنَ الْأَرْضِ وَ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا إِلَّا الْخُمُسُ يَا أَبَا سَيَّارٍ إِنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لَنَا فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ لَنَا فَقُلْتُ لَهُ وَ أَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ الْمَالَ كُلَّهُ فَقَالَ يَا أَبَا سَيَّارٍ قَدْ طَيَّبْنَاهُ لَكَ وَ أَحْلَلْنَاكَ مِنْهُ فَضُمَّ إِلَيْكَ مَالَكَ وَ كُلُّ مَا فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا مِنَ الْأَرْضِ فَهُمْ فِيهِ مُحَلَّلُونَ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا فَيَجْبِيَهُمْ طَسْقَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وَ يَتْرُكَ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ.
(2) الْخُمُسِ وَ الْفَيْ‏ءِ مباح لشيعتنا
في الكافي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ نَحْنُ أَصْحَابُ الْخُمُسِ وَ الْفَيْ‏ءِ وَ قَدْ حَرَّمْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ مَا خَلَا شِيعَتَنَا.
(3) الخمس مطيب لشيعتنا
في الكافي عن مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا _الباقر أو الصادق_ (ع) قَالَ إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولَ يَا رَبِّ خُمُسِي وَ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِشِيعَتِنَا لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ وَ لِتَزْكُوَ وِلَادَتُهُمْ .
(4) شيعتنا وآباءهم من حقنا في حل
في الوسائل عن أبي جعفر (ع) قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل .
(5) من أعوزه شيء من حق الإمام فهو في حل
في الوسائل عن أبي جعفر ، عن علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر (ع) من رجل يسأله : أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس فكتب بخطه : من أعوزه شيء من حقي فهو في حل .
(6) الشيعة محلل لهم الخمس ولميلادهم
في الوسائل قال أبو عبد الله (ع) : أتدري من أين دخل على الناس الزنا ؟ فقلت : لا أدري ، فقال : من قبل خمسنا أهل البيت ، إلا لشيعتنا الاطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم .
(7) ما أنصفناكم إن كلفناكم
في الوسائل عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبدالله (ع) فدخل عليه رجل من القماطين ، فقال : جعلت فداك ، تقع في أيدينا الأرباح والاموال وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت ، وانا عن ذلك مقصرون ، فقال أبو عبد الله (ع) : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم .
(8) أنّا أحللنا شيعتنا
في الوسائل عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك.
(9) شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا
في الوسائل عن حكيم مؤذن بني عيس عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول ) قال : هي والله الافادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا .
(10) أحللنا لشيعتنا .. فليبلغ الشاهد الغائب
في الوسائل عن الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبدالله (ع) قال : قلت له : إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أن لك فيها حقا ؟ قال : فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ، وكل من والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم في حقنا فليبلغ الشاهد الغائب .
(11) اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا
في الوسائل عن الحارث بن المغيرة النصري عن أبي جعفر (ع) إن لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال .. إلى أن قال : اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا.
(12) الخمس أبيح لشيعتنا … وجعلوا منه في حل
في الوسائل عن إسحاق بن يعقوب ، فيما ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان (ع) : قال : ـ وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران ، وأما الخمس فقد ابيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث .
(13) ما كان لنا فهو لشيعتنا
في الوسائل عن يونس بن ظبيان او المعلى بن خنيس قال : قلت : لأبي عبدالله (ع) : ما لكم من هذه الأرض ؟ فتبسم ثم قال : إن الله بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان ، وجيهان وهو نهر بلخ ، والخشوع وهو نهر الشاش ، ومهران و وهونهر الهند ، ونيل مصر ، ودجلة ، والفرات ، فما سقت أو اسقت فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا ، وليس لعدونا منه شيء إلا ما غصب عليه ، وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه ـ يعني : بين السماء والأرض ـ ثم تلا هذه الآية : ( قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا ) المغصوبين عليها ( خالصة ) لهم ( يوم القيامة ) بلا غصب .
 
(14) ما تصدق أحد أفضل من صدقتك
في الوسائل عن الحسن بن علي العسكري (ع) في ( تفسيره ) عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (ع) إنه قال لرسول الله (ص): قد علمت ، يا رسول الله ، إنه سيكون بعدك ملك عضوض  وجبر فيستولى على خمسي ( من السبي ) والغنائم ، ويبيعونه فلا يحل لمشتريه ، لأن نصيبي فيه ، فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل ومشرب ، ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام ، قال رسول الله (ص) : ما تصدق أحد أفضل من صدقتك ، وقد تبعت رسول الله في فعلك ، أحل الشيعة كل ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي ، ولا احلها أنا ولا أنت لغيرهم ..
وعلى هذا استند جمع من الفقهاء على إباحة حق الامام (ع) للشيعة، ومنهم الفقيه سلار في كتابه المراسيم ( كتاب الخمس ) حيث قال : ( ان الأئمــة (ع) قد أحلوا الخمس في زمان الغيبة كرما وفضلا للشيعة خاصة )، وذكر المحقق الاردبيلي : ( ان عموم الاخبار تدل على السقوط بالكلية في زمن الغيـــبة والحضور ) ولكن المحقق اســتدرك كعــادة الفقهــــــاء قائلا : ( ولكن لا ينبغي الاحتياط التام وعدم التقصير في اخراج الحقوق..) ، وقال السيد محمد الموسوي العاملي في مدارك الأحكام ج5 ص419 عن الخمس والانفال في حال الغيبة : ( الاصح اباحة الجميع ، كما نص عليه الشهيدان وجماعة _من الفقهاء_ للاخبار الكثيرة المتضمنة لاباحة حقوقهم في حال الغيبة .. ) وقال الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي في كتابه البيان ص221 🙁 ورخص في حال الغيبة المناكح والمساكن والمتاجر) وقال الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي في مسالك الإفهام ج1ص475 🙁 ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة ، وان كان ذلك باجمعه للإمام أو بعضه ، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه).
وفي كتاب الفقه الرضوي يقول المؤلف : ( اخبار الاباحة اصح واصرح فلا يسوغ العدول عنها بالاخبار المذكورة .. )، وقال شيخ الطائفة الطوسي في كتابه الفقهي ( النهاية ) ص200 : ( اما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالاخماس وغيرها فيما لا بد لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن فاما ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه ) وقال الفقيه محمد باقر السبزواري في ذخيرة المعاد ص292 : ( المستفاد من الاخبار الكثيرة في بحث الارباح .. اباحة الخمس للشيعة .. ) ويقول الشيخ يحيى الحلي في الجامع للشرائع : ( فأما في حال الغيبة فقد احلوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من الاخماس وغيرها …) ، وقال صاحب الجواهر ( صرح جماعة بأنه ثبت شرعاً اباحتهم (ع) المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة ، وان كان ذلك بأجمعه للامام (ع) او بعضه فانه مباح ولا يجب اخراج حصة الموجودين من ارباب الخمس منه …) وقال العلامة الهمداني في مصباح الفقيه: ( الانفال للشيعة في عصر الغيبة …فلا ينبغي الارتياب في اباحتها للشيعة في زمن الغيبة وقصور اليد عن الاستئذان من الامام (ع) ) ..
وبالتأكيد هنالك اقوال اخرى للفقهاء في حال الخمس في عصر الغيبة ، وبعضها من المؤسف ان يتفوه به الاكابر من العلماء حيث ذكروا في حال غيبة الامام (عج) يدفن حقه من الخمس في الارض الى ان يظهر الله وليه فيخرجه منها مستندين الى رواية تتحدث عن الظهور لا علاقة لها بالموضوع والتي تقول : ( ان الارض تخرج كنوزها عند ظهور الإمام وان الله يدله عليها )! متناسين ان الارض مملوء بالكنوز الطبيعية من المعادن والذهب الأسود وغيرها من موارد الطبيعة التي لا حد لها ولا حصر …
لكن يبقى تساؤل وهو من هو الشيعي الذي أباح الأئمة (ع) له الخمس؟ هل هو الشيعي بالهوية أم الشيعي الذي وصفته الروايات بالتقوى والعدالة والزهد والجهاد وعلى تعبير الإمام الصادق (ع) : ( من عَفَ بطنه وفرجه , واشتد جهاده , وعَمِل لخالِقِه , ورجا ثوابه , وخاف عِقابه .. ) هذا التساؤل يمكن توجيه للعلماء للإجابة عليه.