22 نوفمبر، 2024 11:57 م
Search
Close this search box.

تحرير الإنسان الشيعي -5 / الشروط التي لم يذكرها الفقهاء لمرجع التقليد

تحرير الإنسان الشيعي -5 / الشروط التي لم يذكرها الفقهاء لمرجع التقليد

تعرضنا فيما مضى من كتابات إلى مفهوم التقليد الذي يدعوا له الإسلام والتقليد في الذهنية الشيعية اليوم والذي تتبناه اغلب المرجعيات الدينية التقليدية ، وفي السطور الآتية أسلط الضوء على شرائط في مرجع التقليد  لم يذكرها الفقهاء التقليدين في رسائلهم العملية مع إنها شرائط حيوية ووردت في القران والسنة كصفات للفقيه ومسؤوليات عليه، ومن هذه الشرائط :
1. ان يكون الفقيه القائم بأعباء المرجعية شجاعا مقداما في تبليغ رسالة الإسلام : قال تعالى {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً } وقال تعالى { فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً }، وقال امير المؤمنين (ع) : لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ، ولا يكون المؤمن جبانا ولا حريصا ولا شحيحا . وقال (ع) : الجبن منقصة ، وقد يقول قائل إن هذا الشرط موجود ضمنا في شرط ( العدالة ) ولكن الفقهاء المعاصرين ومنهم الشيخ الايرواني أستاذ البحث الخارج في النجف عندما سؤل عن هذا الشرط قال ( ليس شرطا في مرجع التقليد ان يكون شجاعا ! ) ولم يقل انه شرط موجود ضمن العدالة ! وقد نظّر لهذا الشرط فضيلة العلامة الشيخ عبد الرزاق النداوي في كتابة ( شرط الشجاعة في مرجع التقليد ).
2. ان يكون الفقيه داعية إلى الله ويجيد فن الكلام والإقناع والخطابة مثلما كان الرسل (ع) يخاطبون قومهم وينذروهم كما صرح القران الكريم بعشرات الآيات بهذا الشأن، والعلماء ورثة الأنبياء . واية النفر تؤكد هذا المعنى { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } والانذار يحتاج الى إجادة فن الخطابة واساليب الاقناع ، وعن علي (ع) قال: ما اخذ الله العهد على اهل الجهل ان يتعلموا حتى اخذ على اهل العلم ان يعلموا. وتعليم العوام من الناس يحتاج بطبيعة الحال الى فن ايصال الموعظة والمعلومة اليهم بالاضافة الى الصبر والحلم وغيرها من المؤهلات الاخلاقية. وقول الامام الصادق (ع): الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يؤيسهم  من روح الله ، ولم يؤمنهم من مكر الله . فكيف لم يقنط الناس ولم يؤيسهم ولم يؤمنهم اذا لم يكن يجيد الحديث معهم !!
3. إن يقيم العدالة بين الناس كما قال تعالى:{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ }.
4. ان لا يكون كاتما لعلمه ، او مستخدما لعلمه في تضليل الناس ، بعدم بيان الحق وخاصة اذا ظهرت البدع : قال تعالى { لا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون }، وقال جل ذكره : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}. وعن النبي (ص) قال:  من كتم علما لخسة ، الجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. وقال أمير المؤمنين (ع) : قوام الدين بأربعة : بعالم  ناطق مستعمل له _ اي لعلمه _ ، وبغني لايبخل بفضله على أهل دين الله ، وبفقير لايبيع آخرته بدنياه ، و  بجاهل لا يتكبر عن طلب العلم ، فإذا كتم العالم علمه ، وبخل الغني بماله ، وباع الفقير  آخرته بدنياه ، واستكبر الجاهل عن طلب العلم ، رجعت الدنيا إلى ورائها القهقرى ،  فلا تغرنكم كثرة المساجد وأجساد قوم مختلفة. وقد قيل لامير المؤمنين (ع) :  من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى ؟ قال : العلماء إذا صلحوا . قيل : و  من شر خلق الله بعد إبليس وفرعون .. قال : العلماء إذ افسدوا ،  هم المظهرون للاباطيل ، الكاتمون للحقائق ، وفيهم قال الله عز وجل : اولئك يلعنهم الله  ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا . وعن النبي (ص) : قال إذا ظهرت البدعة في أمتي فليظهر العالم علمه ، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله .
5. ان لا يسكت على جور الجائرين ، ويستنقذ حقوق المظلومين : فعن علي (ع) قال : اما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما اخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم ، لالقيت حبلها على غاربها، ولسقيت اخرها بكأس اولها ، ولالفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز.
6. ان يطابق فعله قوله، ويعمل بما علم : فعن النبي (ص) أنه قال :  العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج ، ورجل تارك لعلمه فهذا هالك ،  وإن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه ، وقال (ص) : العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه ، أتعب صاحبه  نفسه في جمعه ولم يصل إلى نفعه ، و قال أمير المؤمنين (ع) إن العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق  عن جهله ، بل قد رأيت الحجة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ عن علمه  منها على هذا الجاهل المتحير في جهله ، وكلاهما حائر بائر. قال الصادق (ع) : ( إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن  القلوب كما يزل المطر عن الصفا ) لذا نجد العلماء يقولون إنا الناس لا يسمعون لنا اذا تكلمنا !.
ومن كلام عيسى (ع): تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ، ولا  تعملون للآخرة وأنتم لاترزقون فيها إلا بالعمل ، ويلكم علماء السوء ! الاجر تأخذون  والعمل تضيعون ! ، يوشك رب العمل أن يطلب عمله ، كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به ولا يطلب  ليعمل به ؟
7. ان يكون على مرتبة عالية من تهذيب النفس والتقوى والإحساس بالآم الناس فيكون رحيما بهم ومشفق عليهم بالإضافة للصبر والحلم وسائر الفضائل النفسية ونستدل على ذلك بما أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود (ع) : ( العالم يحتاج إلى عقل ورفق وشفقة ونصح وحلم وصبر وبذل وقناعة )، وقول أمير المؤمنين (ع) لا ترخصوا لانفسكم ، فتدهنوا ولا تدهنوا في الحق فتخسروا ،  وإن من الحق أن تفقهوا ، ومن الفقه أن لا تغتروا ، وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، وقول الإمام الصادق (ع) : آفة العلماء ثمانية أشياء : الطمع ، و  البخل ، والرياء ، والعصبية . وحب المدح ، والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته ،  والتكلف في تزيين الكلام بزوائد الالفاظ ، وقلة الحياء من الله ، والافتخار ، وترك  العمل بما علموا .. وقول الامام الصادق (ع) : اطلبوا العلم وتزينوا معه  بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا  علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم . وقال الامام علي (ع) : من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل  تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق  بالاجلال من معلم الناس ومؤدبهم..
واتخطر وأنا اكتب هذه السطور ما رواه لي احد الإخوة في أيام الاحتلال حيث قال : دخل احد السادة من طلبة العلم على احد المراجع الأربعة قائلا : مولانا الجيش البريطاني في مدينة العمارة قتل 30 إنساناً بدون سبب _ والحادثة معروفه _ ماذا نعمل ؟ قال المرجع : كنت أتصور عندك سؤال شرعي! من ادخل هذا علي أخرجوه !!!!!
وحادث أخر حصل معي شخصيا حيث كنت عند احد المراجع اسأله عن مسألة شرعية فطردني قائلا تفضل ( اطلع بره ) . وأتذكر المسألة جيدا لا تستوجب تلك العصبية!! وقبل أيام من هذا الموقف شاهدت نفس هذا المرجع يقبل رجل من جبينه لأنه أعطاه مبلغ من المال كحق شرعي عليه ! .
8. ان يطلب العالم من علمه وجه الله وليس المباهاة او الشهرة او التقرب الى السلطة او التسلط على الناس دون وجه حق: قال رسول الله (ص) : من تعلم علما ليماري به السفهاء أو ليباهي  به العلماء ، أو يصرف به الناس إلى نفسه يقول : أنا رئيسكم فليتبوأ مقعده من النار ، إن  الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها ، فمن دعى الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله  إليه يوم القيامة، وقال أمير المؤمنين (ع) : لو أن حملة العلم حملوه بحقه لاحبهم الله  وملائكته وأهل طاعته من خلقه ، ولكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس. وقال رسول الله (ص) : علماء هذه الامة رجلان : رجل آتاه الله علما  فطلب به وجه الله والدار الآخرة وبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعا ولم يشتربه ثمنا قليلا ،  فذلك يستغفر له من في البحور ، ودواب البحر والبر ، والطير في جو السماء ، ويقدم على  الله سيدا شريفا ، ورجل آتاه الله علما فبخل به على عباد الله ، وأخذ عليه طمعا ، واشترى  به ثمنا قليلا ، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار ، وينادي ملك من الملائكة على رؤوس  الاشهاد : هذا فلان بن فلان آتاه الله علما في دار الدنيا فبخل به على عباده ، حتى يفرغ  من الحساب .
9. ان يعيش المحيط الاجتماعي ويطلع على كل تفاصيله ويخالط أفراده كما كان الأنبياء والأئمة (ع) لكسب الخبرة في لغة التعاطي عندهم وعاداتهم واذواقهم العرفية والانفتاح على الواقع الحاضر ويحيط احاطه كاملة بالموضوعات التي يصدر بشأنها الفتوى ، جاء في الرواية ( العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس ) وفي رواية اخرى ( اعرف الناس بالزمان من لم يتعجب من احداثه ) ، ومن اللطيف ان أخي سأل احد المراجع الأربعة عن حكم اللعب بالـ ( فيشه ) فقال المرجع وما معنى الفيشه ؟ هل تقصد لعبة ( الاربعة عشر ) وهذه اللعبة قديمة جدا في عصر العلامة الحلي قبل حوال سبعة قرون .. فتأمل.
10. ان يمتلك المرجع الكفاءة الثقافية والسياسية والادارية التي تمكنه من ان يكون امينا على سلامة حياة الامة في كل هذه الجوانب و كذلك يمتلك الرشد الاجتماعي والحركي الى جانب الرشد الفقهي والاستقامة الأخلاقية بحيث يستطيع من خلالها ان يطل على القضايا المصيرية التي تعيشها الامة الاسلامية، لهذا يرى بعض الاعلام (قده) ان الذي لا يحيط بالألاعيب السياسية العالمية ليس مجتهدا مطلقا .
11. ان ينفتح على كل الخبرات وكل الطاقات لتوظيفها في خدمة الأمة ليتكامل معهم فيكون هناك مجلس شورى يستفيد من خبراتهم فيما لا خبرة له فيه لمعالجة مشاكل وهموم وقضايا الناس، فمن شاور الناس شاركهم في عقولهم، وسيرة العقلاء تقر بالرجوع إلى أهل الاختصاص، كما ان الفتوى التي يشترك فيها عدد من اهل الاختصاص تكون اقرب الى الحق من انفراد الفقيه بنفسه ، خاصة الفتاوى السياسية وتلك التي تتعلق بإصلاح وتربية المجتمع ، ولاسيما في هذه العصر الذي كثرت فيه الحاجات والمتغيرات والزمن بطيعة الحال يفرض نفسه، فالحاجات في عصرنا هذا اكثر بكثير من الحاجات في صدر الاسلام..
12. ان لا تقتصر مرجعية الفقيه بمسائل بالحلال والحرام ( المسائل الفردية ) وإنما تكون مرجعية شاملة من حيث المعارف الدينية، لا مرجعية الحلال والحرام فقط ، كما يقول السيد كمال الحيدري (حفظه الله ).
وقد يقول قائل ان هذه الصفات التي ذكرت هي من شروط القائد أو الولي الفقيه الحاكم وليس من شروط الفقيه المرجع ، ويمكن أن نجيب ان الأئمة (ع) حددوا هذه الصفات للفقيه ، ولكن الفقهاء قسموا هذا التقسيم ليعطوا المجال للمراجع المنهزمين والمراجع المنعزلين والمراجع الجبارين .. وإلا فالمرجع الديني عمليا هو قائد فعلي سواء رضوا أم أبو .. كما ان اغلب هذه الصفات هي صفات يجب ان تتوفر في الانسان المؤمن الاعتيادي فضلا عن الفقيه الذي تقع عليه المسؤولية العظمى… فتأمل .

أحدث المقالات