التقليد المعاصر بين أهل البيت (ع) وفقهاء الحوزة هشام الاسدي من البديهيات الشيعية اليوم هي مسألة وجوب التقليد للمجتهدين العدول وهذا المبدأ سار عليه إتباع أهل البيت (ع) بعد انقطاع الخط الإخباري الذي كان ينظر الى تقليد غير المعصومين (ع) محرم شرعا وان الفقيه والانسان العامي كلاهما مقلدين للمعصـــوم لكن الفقهاء مقلدون ارقى من العوام قليلا ، ولا يوجد شئ اسمه ( اجتهاد ) ! استنادا الى الروايات الكثيرة التي تذم التقليد والاجتهاد كما في الوسائل ج18، اما بعد انقطاع هذا الخط بظروف تعسفية من قبل رجال الخط الاصولي ظهر الاجتهاد والتقليد بشكله الحالي وتطور مفهومة حتى وصل الى ما عليه الان من التشدد والتضييق في دائرته خلافا لما كان سائدا من تسامح ومرونة في هذا المفهوم وحرية الرجوع لاي فقيه لاخذ احكام الله منه كناقل وراوي للاحكام وليس مشرع لها .
ان التقليد المعاصر ارتبط ارتباطا وثيقا بالخمس والزكاة وسائر الحقوق والواجبات المالية ، كما ارتبط بالزعامة الدينية والسياسية والوجاهة الاجتماعية خلافا لما كان من الاقتصار على التفقه في الدين والتدريس والفتيا في الأمور الشرعية الفردية ، فليس للفقيه سابقا علاقة بالاخماس والأسداس لا من قريب ولا من بعيد بل ان كثير من فقهائنا المتقدمين واستنادا الى بعض المرويات عن اهل البيت (ع) اعتبروا الخمس بعد الغيبة ساقط عن الشيعة وليس من الواجبات الشرعية!! ، وسوف اشير الى بعض الروايات و الاراء الفقهية في هذا الشأن عند الحديث عن الخمس.
ما يهمنا في هذه السطور ان نبين ان التقليد بشكله الحالي والذي يساوي التقييد والتكبيل والعبودية والطاعة العمياء لشخص المرجع وحاشيته هو ليس التقليد الشرعي الذي نصت عليه الشريعة السمحاء وأكده العقل السليم بل هو استغفال واستحمار للمقلدين وامتصاص لجهودهم وسرقة لاموالهم واستعباد لهم .
ان التقليد الشرعي هو تلقي العلوم الدينية من الفقهاء الربانيون كما قال تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } اما التقليد اليوم فهو تكبيل للطاقات وتعطيل لدور الانسان الشيعي ، وتجميد للفكر وسلب للحرية وتقديس لرجال الدين على حساب الدين وضحك على عقول البسطاء من الناس ، وتجهيل للعامة ونشر للخرافة حتى صار مدعي الفقاهة والاجتهاد قديس في نظر مقلدية لا تأخذ الاحكام الا منه حصرا ، ولا يجوز توجيه اصابع النقد اليه ولا يجوز تعليمة لانه الاعلم وان كان في غير اختصاصه، مع ان بعض المحدثين قال حتى الائمة (ع) كانوا يستشيرون في غير اختصاصهم ! فصار الفقية في نظر المقلدين كالمعبود يطاع وان خالفت فتاواه صريح القران الكريم والسنة المطهرة وفي هذا الشأن يحدثنا الامام الصادق (ع) حول قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) ، قال (ع) : ” أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا، فعبدوهم من حيث لا يشعرون )، وقال (ع) : ( من اطاع رجلاً في معصية فقد عبده ) ويبرر للمرجع وان ارتكب افضع الجرائم كالسكوت على الظلم ومنع الناس حقوقهم ومحاربة المؤمنين الذين يأمرون بالقسط سواء كانوا رجال دين او غيرهم امثال الشهيدين الصدرين والشيخ كاشف الغطاء والسيد فضل الله والعديد من العلماء السابقين الذين نالوا من الحوزة والعلماء مالم ينالوه من الطغاة من تشهير وتشويه واتهامات ما انزل الله بها من سلطان فهذا الفيلسوف الشيخ عبد الكريم الزنجاني يتهم بتهم لا اخلاقية لاجل تسقيطه في انظار الناس حتى لا ينافس المرجع الاعلى في اوانه وهذا السيد جمال الدين الكلباكاني يمنع من الصلاة جماعة في الصحن العلوي كي لا ينافس المرجع العلاني والقائمة طويلة عريضة راجع كتاب ( جوله في دهاليز مظلمة ) لمؤلفة السيد الكشميري ، وكتاب ( السفير الخامس ) للشيخ عباس الزيدي وكتاب ( الثورة البيضاء ) للشيخ قاسم الكعبي و كتاب ( عراق بلا قيادة ) للاستاذ عادل رؤوف تجد العجب العجاب من أدعياء الدين والاجتهاد !
ان هكذا تقليد مما لا دليل عليه في الشريعة، بل ان ( الاجتهاد ) بهذا الشكل لم يكن موجودا في العصر الاسلامي يقول احد الاعلام ان ( الاجتهاد بهذا المعنى المتعارف في زماننا لم يكن في الصدر الاول ) ، والتقليد الجديد ليس شرطا في صحة العمل بل ان كل ما ثبت عن الله تعالى من أحكام في كتاب أو سنةٍ مما ورد عن آل بيت رسول لله ( ص) بشكل قطعي، يجوز بل يجب الرجوع أليه والعمل به فالغاية من التقليد أو الاجتهاد هو الوصول الى الحكم الشرعي ولو بشكل ظني ، وليس التشبث بآراء زيد من المراجع دون غيره ، وكأنه نبي مرسل أو وصي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ان التقليد الذي يدعوا له الإسلام من خلال نصوصه الشرعية هو اتباع الحق وليس اتباع الرجال قال أمير المؤمنين (ع) : ( من اخذ دينه من افواه الرجال أزالته الرجال، ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل) ، والمرجع الديني قد يسير مع الحق وقد يجانبه ( فلا يعرف الحق بالرجال، وانما يعرف الرجال بالحق، اعرف الحق تعرف اهله ) كما قال الامام علي (ع) وهذا يتطلب منا معرفة وتفقه وتعقل وان لا نسير معصوبي العيون خلف المرجع الديني مهما كان شأنه وعلمه لانه معرض اكثر من غيره للانحراف والتقصير والغرور ، كون هذا المنصب وتلك الاموال تجعله على المحك ، واستهداف وضغط من قبل الدوائر المركزية العالمية، لذا قيل في الحديث عن الامام الصادق (ع) قال: قال: ( يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد ) فزلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق كما يقول الامير (ع) وكما حذرنا رسول الله (ص) : من زلة العالم حيث قال ( أشد ما يتخوف على امتي زلة عالم او… ) .
ان التقليد الذي امر به الاسلام هو تقليد يفتح العيون ويبقيها مفتوحة . ان التقليد الذي يتخذ شكل ( التسليم المطلق ) يورث آلاف المفاسد سواء من المقلدين او من المتمرجعين .
ان السير بيقظة وفطنه خلف المرجع يقينا من الاسر في حبال مراجع السوء اخوان الشياطين الذين تصفهم الروايات بانهم قطاع الطرق الى الله ، قال (ص): ( أوحى الله إلى داود (ع): لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فإن اولئك قطاع طريق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم )، وقال السيد روح الله : ان المرارة التي تجرعها ابوكم الشيخ من امثال هؤلاء المتحجرين كانت اضعافا مضاعفة من الصعاب والضغوط التي جاءت من غيرهم .
اني عندما أدعو للتعقل والمعرفة في تشخيص العلماء والمراجع لاجل الاهتداء بهديهم للوصول الى طاعة الله تعالى ، اما السير مع الشهرة والدعاية بدون ان نرى او نسمع فهذا لا يزيدنا الا بعدا عن الله تبارك وتعالى فالمرجعية في الازمنة الاخيرة لا يشخصها ويحددها اهل العلم والايمان والخبرة كما يظن المكلف اعتمادا على مقدار إنتاجهم وكثرة مؤلفاتهم وعظيم خدماتهم للاسلام واهله ، انما تحددها الدوائر المركزية العالمية ببذل المال وكثرة الدعايات وشراء الذمم وهذا هو الذي يدور في دهاليز المؤسسة الدينية، لان السيطرة على هذا الموقع من قبلهم يعني السيطرة على ثروات شريحة كبيرة من شرائح المجتمع الاسلامي ، والاهم من ذلك السيطرة على هذه الفرقة المستغفله من ان تأخذ زمام المبادرة، وتدير الوضع الاسلامي الكبير، وتخرج من القمقم ، وتنافس الشرق والغرب كما حصل مع الثورة الايرانية التي غيرت خارطة الطريق على الاستعمار الجديد، وكم من فقيه فاضل همش دوره وحرمت الأمة الاسلامية من معين علمه وفضله وقيادته وخدماته بسبب الفقر والارهاب الفكري والبلطجه الحوزوية وعدم قدرته على مواجهة اصحاب النفوذ من المراجع الجبارين ، ينقل السيد علي الحسني البغدادي ان خمسين مرجعا في عهد المرجع محسن الحكيم عاشوا الفقر والحرمان بسبب عدم خضوعهم لمرجعيته.
والعجيب ان اغلب هؤلاء المتصدين اليوم للمرجعية العليا ليس لهم ذاك التأهيل الذي يرشحهم لهذا المنصب الخطير وخير دليل على ذلك هو ابتعادهم عن الأنظار حتى لا تكشف سواتهم ، وابتعادهم عن الأحداث التي تجري في بلادهم وكانهم غير مسوؤلين عن الواقع المر الذي تعيشه شعوبهم والاحاديث تصرح ( كلكم راع .. ، ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ) ، واتذكر عندما تكلم احدهم أنفضح وتمنى اتباعه لو لم يتكلم لكان افضل ، ومن الطريف اني سألت احد ابناء المراجع المتوفين عن ما يسمى بالمراجع الأربعة في النجف ومستواهم العلمي فأجاب باستهزاء اي مستوى علمي سورة الفاتحة لا يستطيعون قراءتها بشكل صحيح !!
وما يسمى بالمرجع الأعلى اليوم ترك حتى المسؤوليات التقليدية المتعارف عليها في أوساط الحوزة العلمية كالتدريس والتأليف وإمامة الجماعة وحتى إصدار الفتاوى أوكل إلى حاشيته، وكلا يفتي حسب ذوقه، واكتفى المرجع الموهوم بقبض المليارات من الأخماس والصدقات واللقاء بالسياسيين الفاسدين!!
إن مسؤولية العلماء حسب رأي أهل البيت (ع) هي ليست هذه بالتأكيد فهؤلاء المتصدين للإفتاء والمرجعية هم تجار بالدين ، وسراق لهذا الموقع الرباني، إن مسؤولية الفتوى وقيادة المسلمين خطيرة وعظيمة لذا قيل في الروايات العلماء ورثة الأنبياء ، وحصون الإسلام ، وكأنبياء بني إسرائيل، وإذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمه لا يسدها شئ ،…الخ وسوف نأتي على بعض مسؤوليات العلماء اعتمادا على القران الكريم والسنة المطهرة اذا شاء الله تعالى.
Al¬[email protected]