18 ديسمبر، 2024 8:54 م

تحررت الموصل وماذا يعني؟!

تحررت الموصل وماذا يعني؟!

هناك حكمة جميلة تقول: (إذا شعرتَ بالحاجة الى يد دافئة، فأمسك يدك الأخرى، فلن يُهزَمَ شخص مؤمن بنفسه)، وما جرى هذه الأيام في الموصل الحدباء، ندرك من خلاله قيمة هذه الكلمات، التي وردت على قلب كل عراقي غيور، أراد الدفاع عن وطنه، وعرضه، ومقدساته.
العراقيون جميعاً يتذكرون أن التحالف الدولي، تشكل لقيادة العمليات العسكرية، لتحرير المحافظات المغتصبة من عصابات داعش الإجرامية، كانت قد صرحت عشرات المرات، بأنها تحتاج لسنوات طويلة للقضاء على هذا التنظيم التكفيري، ولكن كيف تحررت المدن العراقية المستباحة واحدة تلو الأخرى؟ إنها اليد الربانية الدافئة على الأرض، وهبها البارئ عز وجل لتنقذ العراق، من هذه الجرذان والأفاعي القادمة من الصحراء.
محاولة إثارة الفتنة والفوضى، والتقسيم والتناحر، بين أبناء الشعب الواحد أمسى همهم الأول، على أن صمام أمان البلاد والعباد، كان لهم بالمرصاد، فأُعلنت الفتوى الجهادية، ولبى المجاهدون هذا النداء المقدس، ورسموا لوحة أدهشت العالم الأعداء قبل الأصدقاء، لأن ما خططوا له بالبقاء لعشرة أعوام، قُضي عليه في ثلاث سنوات فقط، فمالهم كيف يحكمون؟
شعب كريم ووطن عريق، تلاحمت فيه كل أنواع صور الإنسانية والمواطنة، حين طبقها أبناء الجيش، والحشد، والعشائر في عملياتهم البطولية لتحرير الأرض والعرض، فلم تكن المعركة واقعة بين سلاح وسلاح، وإنما كانت بين إنسان وإنسان، فتحقق النصر بعد عرس جهادي كبير، خطته دماء الشهداء والصالحين، ممَنْ لبى نداء المرجعية الرشيدة، وهذا لا يمكن أن ينكره أحد حتى الشيطان نفسه!
سيعُلن النصر قريباً جداً، ولكن النصر شيء وإعلانه شيء آخر كما يقال، فما نحتاجه بعد هزيمة داعش، وسقوط دولة الخرافة الإرهابية، هو معركة فكرية وبإمتياز، وتحقيقها يحتاج الى وقت طويل، وإعداد خطة تربوية وثقافية عميقة، تتشارك فيها معظم وزارات الدولة وهيئاتها، للقضاء على الفكر المتطرف، الذي عشش طيلة الثلاثة أعوام الماضية.
تحررت الموصل وماذا يعني؟ إذ أصبح الفكر لدى بعض أبناء حدبائنا مشوشاً ومريضاً، وهذا يتطلب عملاً وطنياً خالصاً، لا يمكن للأجانب أن يبرعوا فيه، من أجل تنظيف العقول الملوثة للشباب، وبعض العوائل التي تأثرت بداعش، فإعادة الحياة وتعميق الثقة بين أبناء الموصل والحكومة من جهة، وبين طوائف الموصل نفسها وعشائرها من جهة أخرى، هو أيضاً تتطلب جهداً إستثنائياً، للتخلص من عقدة الثأر والتهميش.
فن إدارة الأزمات يحتاج الى مزيد من التكاتف والتعاون، لمساعدة أهالي الموصل على تجاوز المحنة، وهذا وحده يعني تهيئة الخطط اللازمة لإعادة النازحين، وتوفير سبل العيش الكريم ولو بالحد الأدنى، وتقديم الخدمات لهم وإعمار مدنهم المحررة.
إن عودة الحياة الطبيعية شيئاً فشيئاً، أمر ليس بالهين على أهالي نينوى، فقبل ذلك يتطلب من الحكومة قطع مسافات من العقل، لتتكلم بجرأة وصراحة في عملها وليس الإدعاء فقط، وإذا نفذ الزيت من مصباح نينوى، بسبب عصابات داعش، حيث أرادت للموصل الحدباء أن تفارق الحياة، فإن اليد العراقية الأخرى تسعى جاهدة، لتحارب، وتبني، وتتعامل بإنسانية مع الأوضاع.
ختاماً: أيها الملبون للنداء، والمحررون للأرض والعرض: بوركت سواعدكم، ولن نبخس حق إنتصاراتكم أبداً، فما زلتم على العهد تغترفون من عبق كربلاء، دروس الشهادة والكرامة، ولم تستسلموا لنعيق غربان الطائفية، وتماسكتم يداً بيد، فالإرهاب لا دين له، أما بعد التحرير، فنحن بحاجة لحشد وطني فكري جديد، ينظف عقول الشباب من ملوثات الدواعش الأرجاس، لأجل عراق مستقر آمن، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.