قبل ان يستنسل المغاربة مأساة أشقائهم الدموية في سورية والعراق واليمن وليبيا ويتحولوا وبلادهم الى هشيم تذروه الرياح بذريعة الثأر لمحسن فكري ، قبل ان يموت جاري المغربي من شدة الجوع فيذبحوا حزنا على موته كل الجياع في شمال افريقيا ، اقول نعم بكل تأكيد أن حادثة طحن سماك فقير يسعى على قوت عياله بالحلال في حاوية نفايات أمر مؤلم وبشع للغاية وفوق حد التصور ، لا إنساني بالمرة ، وحشي الى أبعد الحدود ، إلا ان استنساخ مسلسل بوعزيزي أمر بحاجة الى إعادة نظر من المغاربة قبل غيرهم ومن قبل الإعلام المسيس الذي يعشق تأجيج الفتن والحروب كونه يعتاش عليها ويدفع رواتب موظفيه من وارداتها ويزيد من أرصدته بملاحقتها ولولا الحروب لأغلقت 80% من الفضائيات العربية أبوابها !!
واضيف ولست ملكيا ولا مغربيا حتى لايقال انك تدافع عن الحسن الثاني ونظامه ، هل الشاب ، محسن فكري، هو الوحيد الذي طحن بآلة شفط النفايات عربيا ؟ قطعا لا فالشباب العربي جله مطحون ان لم يكن بالحروب فبالبطالة ، بالفقر ، بالسجون والمعتقلات ، بالقضاء الفاسد ، بالظلم الأجتماعي ، بالفساد المالي والإداري ، بالجهل ، بالمرض ، بالأمية !!
تظاهرات غاضبة لليوم الخامس على التوالي تلت سيناريو غريب في توقيته وعجيب في تفاصيله ، غرابة توقيته تكمن في انه حدث بعيد فوز الأسلاميين في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة وليس قبلها ، وعجيب في تفاصيله ، كونه يشبه الى حد اللعنة ولكن بالمعكوس سيناريو انتحار بوعزيزي ، ما جعلني اشكك بأن الحادثة الأولى ربما تكون سيناريو معد سلفا ايضا ، سيناريو غايته ان ينجب لنا في نهاية المطاف “سوراقيا ” محطمة جديدة اذ ان صناعة المقدمات للحصول على النتائج المرجوة عفويا ليس بالأمر صعب المنال على أرباب الصنعة فبإمكان أتفه – مخبر سري – ان يصنع مثله ليثير فتنة مخطط لها ابتداء في مكان ما وبحبكة درامية عصية على الكشف وكل المطلوب هو كومبارس يمتلك نوازع انتحارية ويعاني من مشاكل مادية ونفسية وأسرية معقدة تجعله جاهزا للأنتحار حرقا او غرقا او طحنا خلال العرض السينمائي بطلب من المخرج او بصفعة من بطل الفيلم ، اقول للمتظاهرين ان العالم اليوم لا يتسع للاجئين المغاربة في حال تدهورت الأوضاع اكثر فأكثر ..خيام النازحين لن تكفي لأيواء المغاربة في حال حلول الفوضى العارمة في بلادهم ، قوارب لجوء الفارين من جحيم الحرب تجاه اوربا لن تستوعب اعدادهم الغفيرة وسيصار الى إغراق نصفها في عرض البحر ، داعش واخواتها ستظهر في المغرب من اللامكان كعادتها في مثل هذه الحالة ، التحالف الدولي سيقصف كل مؤسسة في المغرب بنيت على مدار عقود من الزمن بذريعة وجود متطرفين داخلها ، الطائرات الفرنسية ستقصف كل جامعة ومدرسة ومستشفى ومحطة قطار ومرفأ للسفن ومترو للأنفاق في المغرب لأنه اصبح ملاذا للمتطرفين على حد زعمها ، مجلس الأمن سيجتمع لمناقشة الأزمة المغربية ..العملة المحلية ستتدهور … جامعة الدول العربية ستعقد قمة بعد خراب البصرة لوزراء خارجيتها تمهد لقمة رؤساء سيقاطع نصفهم جلساتها ..منظمة المؤتمر الإسلامي ستعقد مؤتمرا مماثلا بغياب ثلث أعضائها ممن ان حضروا لايعدوا وان غابوا لا يفتقدوا …الديون ستتراكم …الأقتصاد سيتوقف .. تجار الحروب سيعرضون اسلحتهم للمتحاربين …. الغلاء الفاحش والتضخم سيطحنان بقية الجياع والمحرومين … البوكيمون وان كان قد ولى غير مأسوف عليه الى غير رجعة سيواصل قلقه من جزرهاواي ..كلينتون او ترامب سيجدون مسرحا يعرضون على خشبته مسرحياتهم ” الكوميتراجيدي ” لأربع عجاف ان لم تتطور الى ثمان مقبلة … السيناريو الدامي ومحسن فكري المطحون بحاوية قمامة سيستنسل مليون مطحون مثله لاحقا ..كفوا عن دغدغة الضمير الإنساني الفضائي الذي تتشدقون به ، اذ ان الأنسان الوطني الحي ليس بحاجة الى نشر صورة او مقطع فيديو مأساوي على حين غرة لشحن بطاريات الضمائر الميتة مؤقتا قبل عودتها الى غفوتها ثانية أسرع من البرق ..لو كنتم انسانيين حقا لساعدتم فكري وامثاله واقعا قبل ان يتحول الى بائع سمك مسحوق يعيش على هامش الحياة لتنتهي حياته العبثية ميتا بحاوية نفايات لا تختلف عن الحاوية العشوائية التي يقطنها مع اسرته حيا …لو كنتم انسانيين لأخرجتم زكاة اموالكم …لو كنت انسانيين لأخرجتم صدقات مدخراتكم …لو كنتم انسانيين لسعيتم في حاجات الفقراء والعاطلين والمسحوقين ، على الأرامل والأيتام والمرضى والمساكين ، لحققتم العدالة الاجتماعية بحدها الأدنى في محيطكم على الأقل ، علما بأن محسن فكري ليس واحدا، بل بضعة ملايين في المغرب العربي ومئات الملايين خارجه !!
ولا استبعد من ان يكون السيناريو المغربي مصاغ محليا بإرادة دولية او اقليمية لإحراج الصاعدين الجدد ووضعهم على المحك في أول اختبار لهم ، ارى انه سينتهي بهم حذو المسلسلين التونسي والمصري سريعا في حال لم ينته بالبلاد الى النسخ السورية والعراقية واليمنية والليبية المليئة بالدخان .اودعناكم اغاتي