22 ديسمبر، 2024 1:15 م

تتزايد معاناة الشعوب في الأنظمة الاستبدادية عندما لايتم وقف مسببات المعاناة. ويصبح أمام المعنيين حالة واحدة هي المواجهة مهما كانت النتائج. هذه المرحلة مازالت غير مشجعة بالنسبة لنا، لعدة أسباب قد نتطرق اليها في المستقبل. السؤال طالما أن معاناة الشعب العراقي مستمرة مع بقاء الأحزاب الفاشلة تقود العملية السياسية وفي مرحلتها ربما الأخيرة دون اللجوء الى المواجهة فما هو الحل؟ أقول علينا أولا أن ننظر الى تحديّات المرحلة الحالية ماهي؟ بالتأكيد المنطق يقول بقاء الأحزاب ومليشياتها تحكم العراق يُعد من أهم وأخطر التحديّات، لكن هناك تحديّات أخرى لاتقل أهمية أضعها أمام الرأي العام من المعنيين بالبحث :

أولا/ تفكك المنظومة الأخلاقية في المجتمع دينيا ، عشائريا ، أكاديميا. فيما يتعلق بالمنظومة الأخلاقية واستخلاصاً من الاحصائيات في أهم المشاكل الاجتماعية في المجتمع مثل الطلاق ، المخدرات ، التسيب الدراسي ، الشهادات العلمية المزورة ، زيادة حالات الانتحار ، الزنا بالمحارم ، التهم الكيدية وفساد مؤسساد الدولة ، انتشار الخرافة الدينية ، عشائر تتعامل مع أحزاب السلطة وفق البيع والشراء كل هذه الامور توضح لنا المجتمع العراقي الى أين وصلت لديه القيم الممسوخة والمنحلّة.هذا يعني أن هؤلاء سيكونون أداة قاتلة ضد أي مشروع تثقيفي او تنويري يهدف الى انتشال المجتمع من حالة الانحطاط الى إعادة البناء. وهي مهمة صعبة أمام المعنيين بموضوع التغيير الوطني ولكن كمتفائل أقول ليست مستحيلة.

ثانيا / قوى المعارضة في الداخل والخارج هي الأخرى لديها مشكلة أخلاقية في عملها المنافق والغير جاد فيما تطرح الى الرأي العام أو مع من نلتقي بهم وخلال أكثر من سنتين. معارضة الخارج كنا قدوضعناهم على المحك في اختبار النوايا ومدى جديّتهم وطرحنا قضيتين أساسيتين هما مسوّدة العهد الوطني المرتكزة على مرحلتين مرحلة ماقبل التغيير ومرحلة مابعده . ثم القضية الأساسية الثانية هي ضرورة عقد مؤتمر لقوى المعارضة وتبني المشروع الوطني الذي يُفترض أن يتم الاتفاق بشأنه قبل انعقاد المؤتمر.هذا التحدي الثاني لم تنجح به قوى المعارضة لاختصار زمن معاناة شعبنا العراقي والسبب أن بعض تلك القوى مازالت تدور ضمن محور النظام السابق وتتربّص الظروف للعودة الى ماكانت عليه قبل العام ٢٠٠٣ للأسف هذه مشكلة لايفهمون كيف يتعاملون مع الواقع والمستجدات مع قاسم مشترك بين معارضة الداخل والخارج أن الكل يتصور أنه الزعيم والقائد الأوحد . هذا يعني أن المجتمع الدولي تقف امامه مشكلة مع من سيتعامل إن وصلت الامور الى الاقتتال بين شركاء العملية السياسية. بمعنى لايوجد النظام السياسي البديل من خلال مشروع وطني يحقق الأمن والاستقرار للعراق اولا وينعكس على المنطقة ثانيا.

ثالثا / التحدي الثالث انعكاسات الحرب الاوكرانية الروسية على اقتصاديات العالم من حيث ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومصادر الطاقة. وبقية السلع المرتبطة بحياة الناس.هذا التحدي يشكل ضغطاً اقتصاديا واجتماعياً مضاعفاً للظروف الناتجة عن فشل العملية السياسية وهو أيضا ضغط على شركاء العملية السياسية الفاشلة مما سيفقدهم توازنهم وهنا ستكون حتمية الاقتتال واردة جداً.

رابعاً / التحدي الرابع الكتلة الحاصلة على أكثر الأصوات في الانتخابات البرلمانية وأعني بهم التيار الصدري قدّموا استقالاتهم بناء على أمر زعيم التيار الصدري وهو لن يتنازل عن استحقاقهم القيادي في المرحلة القادمة. أنا أعتبر التيار الصدري تحدي آخر للمشروع الوطني كيف يمكن التعامل معه وهو تيار اسلامي ويقدم زعيمهم السيد مقتدى الصدر وريثا روحيا لمرجعية الشهيد محمد صادق الصدر.وهنا نسأل هل يمكن إعادة بناء مؤسسات الدولة؟ كيف؟ ماهي المؤشرات الايجابية؟ نحن لانجامل أي طرف على حساب المصلحة العامة.نعم ننفتح في الحوار ولكن ليس حوار من يُفرض علينا مايُملى باعتبارهم حصلوا على النسبة الأكبر أو أن التيار الصدري يرفع شعار الاصلاحولديهم أتباع وحلفاء ، وحقيقة هذه المعادلة صعبة بسبب الاختلاف الفكري نعم هناك توافقا وطنيا في بعض الأمور وتحتاج الى إثبات وجديّة على أرض الواقع. لذلك وضعت ملف التيّار الصدري كتحدي يقف أمام قوى المعارضة الجادة .قد يسأل سائل لماذا لاتضعون أحزابا اخرى من المنطقة الخضراء؟ أقول أن التيّار الصدري تجمعنا معه بعض الرؤى فيما يتعلق بالتدخل الايراني ومحاسبة من تثبت عليه ملفات انتهاكات حقوق الانسان او الفساد المالي والاداري بالاضافة الى رئاسة السلطة التنفيذية لم تكن لديهم ولهذا فنحن نضع تلك الأحزاب في خانة أخرى في كيفية التعامل معهم.

خامساً / العامل الاقليمي سواء صراع الاجندة الاقليمية سياسيا، اقتصاديا، طائفيا بالاضافة الى أن الدول الاقليمية المرتبطة بالواقع السلبي للمليشيات الولائية ربما تراهن على حدوث مستجدات من قبيل اقتتال بين شركاء العملية السياسية لتنتهي سطوة المليشيات كنتائج ولو صحّت هذه الفرضية فانها عامل معرقل إزاء التقاء وتوحيد الرؤى الحقيقية والجادّة. لذلك النظر الى المصالح المشتركة من خارج كل منظومة العملية السياسية يعتبر عامل مهم نحو الاعتراف الرسمي بقوى المعارضة بعد توحيدها وطرح المشروع الوطني الذي سأتطرّق اليه من حيث معالجة التحديّات الراهنة. كما ان تفكيك المشروع الايراني في العراق يحتاج الى استراتيجة مختلفة بعيدة عن أي وهم للصراع المسلح.

هل من مخرج لتلك التحديات؟ بالتأكيد نعم إذا ماتوفرت العناصر الأساسية التالية :

اولاً:أن يقدّم التيّار الصدري تعهدا وطنياً لقوى وطنية مناضلة كانت جزءا من مرحلة المعارضة قبل العام ٢٠٠٣ بالاضافة الى قوى حقيقية من المعارضة بعد العام ٢٠٠٣ لم يثبت عليهم أي ملف إدانة وتكون هذه الخطوة وفق مخرجات وآليات نحتفظ بها في الجبهة الوطنية للتغيير في العراق باعتبار أنها ضمن مبادراتنا التي لم تتوقف على طول مسار نضالنا الوطني.

ثانيا: قوى المعارضة في الداخل والخارج يلتم شملهم ضمن آليات محددة وخلال مدة لاتتجاوز الثلاثة أشهر بعد الاتفاق على المشروع الوطني في حال تم إنجاز العنصر الأساسي الاول أعلاه.

ثالثا: يتم إشراك مفوضية الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي كمراقب لتنفيذ مخرجات المشروع الوطني الذي يكون قد تم الاتفاق عليه في العنصرين الأول والثاني.

يُفهم مما ذكرتُ أن العنصر الأساسي الأول المتعلق بالتيّار الصدري سيكون البوابة الرئيسية للشروع بوضع آليات عملية لمابعده. وسيكون إختبارا حقيقيا لنوايا التيار الصدري في المرحلة الحالية ومابعدها.

ماذا لو لم تتحق العناصر الثلاث ؟ هنا يأتي حديثنا الذي طالما صدحنا به توحيد قوى المعارضة وتبني مشروع وطني حقيقي تكون من ضمن آليات عمله تشكيل لجان متخصصة تخاطب المجتمع الدولي وتضغط عليه ضمن آليات معينة لاخذ زمام الاعتراف الرسمي بمخرجات مؤتمر قوى المعارضة والعمل على ازاحة الاحزاب ومليشياتها وفق حقوق الشعب في النضال الوطني. هذا السيناريو نحن لدينا القدرة التنظيمية والفكرية على تحقيقه إن توفرت الجديّة .