29 مايو، 2024 3:49 ص
Search
Close this search box.

تحديث الإسلام أم أسلمة الحداثة ؟!!

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا تحديث الإسلام ولا أسلمة الحداثة ، بل الإسلام كما هو ملائم لكل زمان ومكان .. دين زماني ومكاني !
لقد حكم الإسلام العالم وتطوّرت الأمّة العربية به أيّما تطوّر ، حتى أصبحت منهلاً للواردين حياض العلم والمعرفة .
بعد أن كان العرب لا يفقهون فلسفة ً واضحة عن الكون والحياة ، ولم يعرفوا العلم ولا العلوم .
والصيحة التي تتعالى اليوم ؛ هل نحدّث الإسلام ، وكأن الإسلام نظرية وضعية ، وضعها البشر حتى يطوّروها .
والصيحة تتعالى هل نؤسلم الحداثة ؛ وكأنَّ الحداثة دين أنزله الله سبحانه وتعالى ، كيما نخضعه إلى التشريع .
أقول ؛ علينا أن نفهم ما هي الحداثة ، ونفهم ما هو الدين ، ومن ثم نطرح هذين السؤالين ، لنرانا كنا قاصري الفهم .
تعبر كلمة حداثة (بالإنجليزية: Modernity) (عصرنة أو تحديث) عن أي عملية تتضمن تحديث وتجديد ما هو قديم ، لذلك تستخدم في مجالات عدة، لكن هذا المصطلح يبرز في المجال الثقافي والفكري التاريخي ليدل على مرحلة التطور التي طبعت أوروبا بشكل خاص في مرحلة العصور الحديثة. بشكل مبسط ؛ يمكن تقسيم التاريخ إلى خمسة أجزاء: ما قبل التاريخ،التاريخ القديم،العصور الوسطى، العصر الحديث والعصر ما بعد الحديث.
الحداثة تشمل مجموعة من التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، بالإضافة إلى أخذ تلك التغييرات على أنها عصرية. الجدل حول الحداثة يتناول هذه التغييرات التي يبدو أنها بدأت في أوروبا في أواخر القرن الخامس عشر أو بداية القرن السادس عشر.
بعض المفكرين يؤرخون بداية الحداثة عام 1436م، مع اختراع غوتنبيرغ للطابعة المتحركة. البعض الآخر يرى أنها تبدأ في العام 1520م مع الثورة اللوثرية ضد سلطة الكنيسة. مجموعة أخرى تتقدم بها إلى العام 1648م مع نهاية حرب الثلاثين عام ، ومجموعة خامسة تربط بينها وبين الثورة الفرنسية عام 1789م أو الثورة الأمريكية عام 1776م، وقلة من المفكرين يظنون أنها لم تبدأ حتى عام 1895م مع كتاب فرويد “تفسير الأحلام” وبدء حركة الحداثة (modernism) في الفنون والآداب .
والحداثة مصدر من الفعل ” حَدَثَ ” ، وتعني نقيض القديم ، والحداثة أول الأمر وابتداؤه ، وهي الشباب وأول العمر . وبهذا المفهوم اللغوي طلعت الحداثة على عالمنا العربي المعاصر ، وتوافقت مع ما يحمل عصرنا من عقد نفسية ، وقلق ذاتي من القديم الموروث ، ومحاولة الثورة عليه ، والتخلص منه ، والبحث عن كل ما هو جديد، يتوافق وروح عصر التطور العلمي والمادي ، ويواكب الأيديولوجيات الوافدة على عالمنا العربي .
والخشية من الحداثة ليس فيما تتضمنه من تطور على مستوى الحياة المدنية لمجتمعنا ، بل ؛ الخشية منها إذا ما غيّرت حضارتنا الإنسانية ، وبدّلتها تبديلا ، حتى لا نكون نحن ـ نحن ـ !!!
أما الدين ؛ فمصطلح يطلق على مجموعة من الأفكار والعقائد التي توضح بحسب معتنقيها الغاية من الحياة و الكون، كما يعرّف عادة بأنه الاعتقاد المرتبط بما وراء الطبيعة الإلهيات، كما يرتبط بالأخلاق والممارسات والمؤسسات المرتبطة بذلك الاعتقاد. وبالمفهوم الواسع. عرّفه البعض على أنه المجموع العام للإجابات التي تفسر علاقة البشر بالكون.
الدِين أو الدِيانة؛ من دان خضع وذل ، ودان بكذا فهي ديانة وهو دين، وتدين به فهو متدين, إذا أطلق يراد به: ما يتدَين به البشر، ويدين به من اعتقاد وسلوك؛ بمعنى آخر، هو طاعة المرء والتزامه لما يعتنقه من فكر ومبادئ. الدين في مصطلح اللغة العربية: هي العادة والشأن. والتدين: الخضوع والاستعباد، ينبني على الدين المكافأة والجزاء، أي يجازى الإنسان بفعله وبحسب ما عمل عن طريق الحساب. ومنه صفة الديّان التي يطلقها الناس على خالقهم؛ وجمع كلمة دين: أديان. فيقال: دانَ بديانة وتدين بها، فهو متدين، والتدين: إذا وكل الإنسان أموره إلى دينه . والتفسير الفلسفي للدين الإسلامي هو النظرة الشاملة للكون والحياة .
عليه ؛ فنحن إما أن نؤمن بالدين كما هو .. بما فيه من نظرة شاملة للكون والحياة والآخرة ، أو أن نستخلص من الحداثة ديناً بديلا ً لنا . 
ثم ؛ الحداثة هذه الوافدة إلى ديارنا من غير ديارنا .. هذه الوافدة إلى مجتمعنا من مجتمعات غيرنا .
نعم ؛ نحن نستقبل الحداثة التي تطوّر بلادنا ، وتحمل على جناحيها النور الذي ينير طريقة عقولنا في الفهم الصحيح للتقدم التكنولوجي والعلمي ، لا أن نستقبلها وهي تحمل معاول الهدم الفكري الناقم الجائر على مبادئنا وأفكارنا القويمة التي صنعت من جهالاتنا السالفة عقلاً عربياً مسلماً أنار الدنيا أيام ظلامها .
لقد صنع العقل العربي المسلم الساعة الدقاقة عندما كانت موطن الحداثات تنتظر الساعات الرملية كي تخبرها بالوقت والزمن والمواعيد . والزمن الثمين هذا ؛ الذي تأخرنا عنه كثيراً عندما تخلينا عن ديننا القويم ، منشغلين بالحداثات الوافدة التي أثبتت تجارب المراحل كافة أنها لا تعبر عنا في أي يوم من أيام تجاربها القاسية .
لقد كنا عرباً مسلمين ، إستقبلنا حداثة القومية من باريس .. تثقفنا وثقفنا عليها ، فضعنا وضاعت قوميتنا .
لقد كنا عرباً مسلمين ، إستقبلنا حداثة الأممية الاشتراكية من موسكو .. تثقفنا وثقفنا عليها ، فذاب معتنقو هذه الاشتراكية الأممية في إغراءات الرأسمالية الغربية .
الأمّة العربية والإسلامية اليوم ؛ ليستا بحاجة إلى تحديث أديانها ، وليستا بحاجة إلى تحديث إسلامها ، وليستا بحاجة إلى أسلمة حداثتها ، بل ؛ هي بحاجة إلى الرجوع إلى شخصيتها العربية الإسلامية الحقـّة التي أبهرت بسلوكها وأخلاقها الرفيعة شعوب الدنيا، حتى انضووا متأثرين بدعاة محمد (ص) الصامتين .
الأمّتان العربية والإسلامية اليوم ؛ بحاجة إلى مراجعة ذاتها السليبة التي أضاعت (المشيتين) ..
يحكى ؛ أن طائر القلق أراد أن يمشي مشية طائر البط ، فذهب إلى ابن آوى يعلمه ، فقال له ابن آوى : اذهب لأسبوع وحاول أن تنسى مشيتك هذه ثم تعال لأعلمك كيف تمشي مشية البط ، ففعل القلق ما أرشده إليه الثعلب الماكر ثم عاد ، وعندما عاد علمه مشية البط . وبعد أسبوع سئم القلق من مشية البط وأراد أن يمشي مشية العصفور ، فعاود الثعلب الماكر مرّة ثانية ، طالباً منه أن يعلمه مشية العصفور، ففعل بنفس الصيغة الآنفة . وبعد أن تعلم القلق مشية العصفور سئمها بعد أسبوع ، وأراد أن يعود إلى (سيرته الأولى) فما استطاع أن يمشيها ، ومنها درج المثل الشائع (( ضيّع َ المشيتين )) !!!
عليه ؛ فمن العقل والصواب أن نبقى على سيرتنا الأولى التي لا تتقاطع مع الصالح الاجتماعي العام ، ولا تتقاطع مع الصالح العلمي ، ولا تتقاطع مع المصلحة العامة للأمّة والعالم كافة .
لو تخلينا عن السيف ، وتخلينا عن كره الآخر المختلف ، ولجأنا إلى الحوار الهادئ الشفيف ، وتعاملنا مع الإنسان كعنصر من عناصر الإنسانية ، وتعاملنا مع الثوابت الإنسانية الفاضلة ، كالعدل والصدق والأمانة والإخلاص تعاملاً مشتركاً ، لما بقي صراع على الأرض .
إنَّ صراعاتنا قائمة على أساس المصالح والسعي نحو الاستغلال ، وتسلط القوي على الضعيف ، وحسد الضعيف للقوي .
والإسلام هذا الدين السماوي العظيم القويم الذي ساوى بين الناس كافة كأسنان المشط ، وآخى بينهم غرباء إذ جعلهم أخلاء،ليس بالضرورة أن يكون بحاجة إلى مستوردٍ حديثٍ يغنيه ، بل ؛ بحاجة إلى إنسان رسالي حقيقي يحمل في قلبه الحُبّ ، لا أن يخفي تحت عباءته المسدس الكاتم أو يفخخ نفسه بالأحزمة الناسفة المختبئة تحت دشداشته القصيرة ، أو يفجـّر السيارات الحديثة بالرموت كونترول الذي استلمه من الحداثة ، التي لم ينتفع منها إلا بهذه المفردات الظالمة الممضة ، ضارباً عرض الحائط ماحملته الحداثة من خير وعطاء علمي ودوائي وعلاجي وتكنولوجي إنساني ، حريّ أن يكون مشتركاً حديثاً لبني الإنسانية كافة . نحن بحاجة إلى تعتيق ذاتنا ،لا تحديثها ـ بعد غياب شمس الرسالات السماوية ـ بحاجة إلى الذات الرسالية التي أراد الله لها أن تحيى محبة للخير حسب !
نحن بحاجة الى الذات التي تطفئ ظمأ أخيها وتموت ، لا الذات التي إذا ماتت ظامئة فلا نزل القطرُ !!!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب