23 ديسمبر، 2024 11:24 ص

تحديات الجامعات العراقية في بناء مجتمع المعرفة

تحديات الجامعات العراقية في بناء مجتمع المعرفة

مما لاشك فيه أن تطور كل امة ورقيها يأتي من تطور العلم من خلال الاهتمام بالتعليم العالي وتطوير الكفاءات المهنية في كافة الاختصاصات العلمية والإنسانية ، فالاهتمام بالعلم والعلماء يعكس مدى رقي هذه الدولة أو البلد والتعليم العالي جزء من هذا الهدف المنشود فالاهتمام بالمناهج الدراسية ومسايرتها للواقع الحضاري العام والسائد والتطور التكنولوجي والعلمي في المنطقة والعالم يؤدي الى تطور التعليم العالي ، وعند مقارنة بسيطة بين منجزات التعليم بين العام 2009 والعام  2012نبدأ بالتقرير من المتوسط العالمي للالتحاق  بالتعليم العالي والذي يبلغ معدله عالمياً 27% ويتفاوت من دولة الى اخرى  ، اذ كانت نسبة الملتحقين في التعليم العالي في العام 2009 قد بلغت 13.3%   وارتفعت في العام 2010 الى 14.4% ووصلت الى 14.9% في العام 2011 وواصل الارتفاع في العام 2012 الى 15.3 % من عدد السكان وتسعى الوزارة الى الوصول الى معدل 20% بحلول العام الدراسي 2021 _ 2022 .
هذه الزيادة في نسبة الملتحقين في التعليم العالي يتطلب زيادة في انشاء الجامعات الحكومية والاهلية ، وانطلاقاً من ذلك عملت وزارة التعليم بجد في استحداث الجامعات فأنشأت في العام 2012 ثلاث جامعات هي جامعة سامراء في قضاء سامراء التابع لصلاح الدين وجامعة القاسم الخضراء في قضاء القاسم التابع لمحافظة بابل وجامعة سومر في الرفاعي التابع لمحافظة الناصرية وازدادت عدد الكليات المستحدثة الى 57 كلية وبلغ عدد الاقسام العلمية المستحدثة 163 وعدد الفروع العلمية وصل الى 33 فرعاً ، اي ان اجمالي الكليات المفتوحة 319 كلية وهي تشكل نسبة نمو مقدارها 19% مقارنة بالعام 2010 والاقسام العلمية وصلت الى 1156 بزيادة نسبتها 14% والفروع العلمية ازدادت الى 521 فرعا وبنسبة 7% ، كما رافق ذلك التوسع في اعداد الجامعات والكليات والاقسام والفروع ارتفاعا في اعداد الطلبة الموجودين في كل عام دراسي ليصل العدد الى 498399  طالباً وطالبة في العام الدراسي 2012_2013 وبزيادة بلغت نسبتها 18% عن العام 2010.
الزيادة في اعداد الطلبة شملت الملتحقين في الدراسات العليا ، اذ ازداد عدد الطلبة الموجودين في هذه الدراسات للعام 2012 بنسبة زيادة اجمالية مقدارها 56% عن العام 2010 ، كما بلغت نسبة الزيادة بأعداد الطلبة الملتحقين بدراسة الدبلوم العالي بنسبة 47% عام 2012 ، والماجستير بنسبة 65% والدكتوراه بنسبة 43% للعام 2012 مقارنة بالعام 2010 . 
من هنا وبعد سرد البيانات السابقة هل ان هذا التغيير في انشاء الجامعات وتطويرها والتأسيس للفروع العلمية والتوسيع في القبول سواء كان للدراسات الاولية ام الدراسات العليا الدبلوم والماجستير والدكتوراه ، سيساهم في تطوير المجتمع وبناء المعرفي ام ان هذا التوسيع فوضوي وعبثي على اساس ان مخرجات التعليم تذهب الى سوق خالي من الوظائف كما يرى البعض في ظل نظرة ضيقة ومحدودة فهل كل من يطمح في نيل الشهادة لابد ان يعمل في القطاع العام ام ان الهدف اسمى من الوظيفة الحكومية فقد يؤسس صاحب الشهادة للعمل في القطاع الخاص الذي من الطبيعي يفضل صاحب الشهادة على الغير متعلم ، وبالتالي كل البلدان المتقدمة تعتمد في بناء اقتصادياتها على القطاع الخاص ، وعليه الانتقادات التي توجه لوزارة التعليم العالي حول التوسع في انشاء الجامعات لاسيما الاهلية غير واقعية وغير منطقية لان عدم التوسع في هذه الجامعات سيعني هجرة الكثير من الطلبة للدراسة في الخارج وعلى النفقة الخاصة مما يعني هروب العملة الصعبة وفقدان لفرص العمل للكثير من اصحاب الشهادات العليا كما حصل في فترة الحصار اما انشاء هذه الجامعات والكليات الاهلية فهو يعني توفير الكثير من فرص العمل للاساتذة والمشرفين والاداريين والعمال الغير ماهرين والفنيين وهكذا يبدو النقد غير مجدي ولا يصمد امام الهدف من انشاء هذه الجامعات فضلا على ان الامم يقاس تقدمها باعداد الملتحقين بالدراسات العليا .
إن الجامعات هي مراكز الإشعاع الفكري والمعرفي  وبوابات التغيير الإجتماعي والعلمي وعجلة البلاد التي تسير من خلالها في ميادين الرقي بين الأمم وهذه المسؤولية الكبيرة لا بد من حملها بلا توانٍ او تخاذلٍ وإلا تراجعت الأمة وفقدت مكانتها وهيبتها. وعليه في ظل هذا التوسع في الجامعات العراقية لابد من تقويض التحديات التي تقف بوجه دور الجامعات في بناء المجتمع المعرفي المبني على الاعتدال والوسطية ومحاربة التطرف الديني والفكري والثقافي ، من هذه التحديات تغيير المناهج والتخصصات المتوفرة في الجامعة اذ تكفي نظرة واحدة لهذه المناهج  لبث الرعب في قلب الناظر فتلك التخصصات التي ولدت مع ولادة الجامعة هي لازالت نفسها في بعض الاقسام لاسيما الانسانية منها ، أبسط مثال على ذلك هو هل تستطيع الجامعة أن تقدم للمجتمع خريجين متخصصين ذوي جودة عالية في دراسات علم نفس الطفل وتنمية الطفولة المبكرة للتغلب على المصاعب الجمة التي يواجهها الأطفال في المنازل والمدارس والشوارع وخصوصا جراء تعرض أحد أفراد أسرتهم للقتل إمام أعينهم أو تعرضهم أنفسهم للأذى جراء الأنفجارات وغيرها من الصدمات النفسية والجسدية؟
هل تستطيع الجامعة أن تستحدث قسماً أو مركزاً لدراسة التطرف والإرهاب ومحاولة البحث في أسبابه ومحاولة إستقطاب الطلبة العرب والأجانب ليكونوا نواة للتلاقح الفكري لإيجاد الحلول التي تعاني منها جميع الشعوب العربية الغارقة في دوامات العنف والتطرف ، هل استطاعت الجامعات ان تقيم لقاءات بين الطلبة العراقيون لشرح الخطر المحدق بالعراق من خلال المخطط الامريكي الصهيوني التكفيري الذي يريد تقيم البلد وتمزيقه الى دويلات صغيرة واقليم متناحرة
هنالك الكثير من الأسئلة بقدر المشاكل التي يواجهها المجتمع العراقي من تصحر وبطالة وأزمات نفسية وتشوهات خلقية وتلوثات بيئية وشحة المياه الصالحة للشرب وإمدادات الكهرباء والطاقة والتطرف والعنف وزواج القاصرين (ذكوراً وإناثاً) وغيرها كثير تركتها مؤسسات التعليم العالي لكي يتناولها خطباء المساجد والمنابر ليخوضوا بها بدون أي معرفة قائمة على علم موضوعي ودراسات تحليلية من شأنها وضع اليد على مواضع الخلل بعيداً عن إستجداء العطف والتقرب للناس من خلال إنتقادات السلطة. وقد أصبحت هذه المشاكل مادة إعلامية دسمة للقنوات المناوئة للحكومة والقنوات الصديقة يأخذون منها ما يسد رمقهم الإعلامي أما المواطن فلا يحصل إلا على جرعات من التخدير وإيهام بأن صوته ومشكلته قد وصلت إلى السيد المسؤول.
هذه التحديات وغيرها نضعها امام وزارة التعليم العالي التي يقع عليها مسؤولية بناء الجيل المقبل ، هذا الى جانب مسؤوليتها في توفير كل وسائل دعم للجامعات العراقية ، هيئات تدريسية وطلبة وموظفين للارتقاء بالمستوى العلمي وتحسين مخرجات التعليم العالي لتكون فاعلة في خدمة المجتمع المعرفي .