لاشك أن العمل شرف، واليد التي تكد من أجل لقمة العيش تسمو بمكانة الإنسان، ولاسيما عندما يحقق ذاته ويؤسس لبناء أسرته على أسس صحيحة، وينطلق من اللاشيء، ليكون له أرضية قوية يقف عليها.
غير أن رؤية الحاضر، والإستشراف الى المستقبل ليس بهذه الوردية دائماً، خصوصاً عندما تقف متأملاً للشرائح المسحوقة، والطبقات التي تنعدم في داخلها الحياة الطبيعية، التي تجدها مسطرة في الدستور ومواثيق حقوق الإنسان.
من هذا الوسط، يبرز العمل بصورته المشوهة، الذي يخضع لمنطق القهر، من أجل لقمة العيش، ليتحمل كل فرد في الأسرة، التي نقصد بها تلك المنتمية الى هامش الصورة المكبرة لحركة الحياة، مسؤولية إدامة النوع البشري، حتى لو إستلزم بيع أعضائه، والإنخراط المبكر في معترك الكسب المادي، لا للإثراء، وانما للحفاظ على وجوده.
في ظل أجواء القتامة، التي يفرضها واقع القهر الإجتماعي، يتشكل في الجانب المضيء، حياة الترف، وتنوع الملذات، ليرسم سلطة جديدة، هي سلطة رأس المال، التي تبيح فكرة السيد والمسود، لكن مع بروز نوازع من الحقد الطبقي المكبوت، الذي يجد متنفسه في دوافع غير مشروعة، تعبر عن حالة الرفض أحياناً، والتطلع الى مغريات البيوت الفارهة، والطرقات المزدحمة بالسيارات الراقية.
من خلال حالة التمايز، التي تزيد الهوة، وتضغط بقوة على الطبقات المسحوقة، يفرض العمل القسري، قانونه، كحكم ملزم التنفيذ، تحت عنوان ” لقمة العيش”، ومستلزمات الحياة الأساسية بأدنى مستوياتها، المهم أن تجد لها فرصة عمل، حقيقي أو وهمي، يأتي بعائد مادي يشارك فيه الفرد منظومته الأسرية في سداد نفقات الحياة، وهنا يبرز دور الوسيط لتشغيل هذه الأيدي أو إستثمارها مستغلاً إنكسارها، وحاجتها للعيش.
وليست هناك صورة واحدة للعمل، كما لا يمكن أن نضع وصفاً لبعض الممارسات التي توظف في مجالات معينة للكسب، على أنها نوعاً من العمل، لكنها يمكن أن يتم تصنيفها ضمن قائمة القهر المجتمعي، فيما تشكل الطبقات التي يمكن أن تقع تحت طائلة العمل القسري في فئة المتسربين من المدرسة، إذ تدفعهم أسرهم، أو ظروف العيش الى العمل وهم صغار، في ورش، أو مكبات النفايات، أوأعمال شاقة، بكلف واطئة، كذلك الأرامل، والأيتام، والشباب، الذين لم يحصلوا على فرصة عمل مناسبة، ولاسيما حملت الشهادات.
البطالة هي العنوان الأبرز لما قدمنا، والفساد محور التمايز الطبقي، وتلاشي الطبقة الوسطى في المجتمع، وغياب السياسة الإقتصادية لبلد ينعم بالثروات، وبالسراق أيضاً، هذه هي المشكلة، والحل كما يراه بعضهم في أغنية ” لح بيع كلياتي”.