11 أبريل، 2024 12:26 ص
Search
Close this search box.

تحت ظلال الشجرة

Facebook
Twitter
LinkedIn

تحت ظلال الشجرة الوارفة الظلال جلست أنظر الى العالم المترامي ألأطراف أرسل نظراتي الى ألأفق البعيد أجتر ذكرياتي في محاولة لتهدأت الروح التي كانت تحن الى الماضي السحيق .بالأمس كان هناك شخص يدعى –………….-وألأن تحول الى ذكرى مرة في أعماق ذاتي المنكسرة.حاولت نسيان الماضي بشتى السبل بيد أن الجرح العميق في حنايا قلبي لازال ينزف .. ينضح بلا توقف.دخلت الى الدكان الذي شيدته بعد تلك ألأزمة التي مرت بسبب الطمع والجشع الذي تلبس –ابن العم- مهموما ومكسور الخاطر معتقدا أن العالم سيتوقف عن الدوران بسبب ألأزمة المالية التي سببها لي ذالك” ال….” ولكن- من يرى مصائب الغير تهون عليه مصيبته- كما يقولون. جلست داخل الدكان الذي تحول الى مكان للرزق. قلبت نظراتي بين المواد المعروضة على الرفوف محاولا اشغال نفسي لحين وصول الرزق الذي يحدده الرزاق العظيم لكل المخلوقات في الأرض والسماء.

أحيانا يراودني شعور غريب من أن هذا المكان الذي فتحت فيه هذه النافذه الصغيرة لتكون مصدرا للحياة في هذا العالم الدامي .. سيكون بلا فائدة ترجى اذا ما قارنته بمصادر الرزق التي كانت مفتوحة لي في الماضي. وبينما أنا اسبح في تلك ألأفكار التي ليس لها قاع يمكن الوصول اليه دخلت فتاة في عمر الزهور أصغر من ابنتي الوحيدة بعدة سنوات.

القت علي التحية بصوت ناعم يشبه همسات لامباليه عند الغسق. راحت تقلب نظراتها كطفلة حائرة في يوم عاصف.لاتدري ماذا تشتري حاولت أن اتصرف معها كما يفعل الباعة في محاولة لأجتذاب الزبائن الذين لايمكن تلبية حاجاتهم مهما تفعل لكسب ودهم.حينما طال ترددها شعرت بالملل من هذه الزبونة التي لاتعرف ماذا تريد.عدت الى مكاني امام الة الحاسبة مهملا اياها تماما كما لو أنها زبون قد ضاع مني الى ألأبد ثم أستغرقت مجددا في تكملة ماكنت منكبا علية قبل أيام.

راحت أناملي تنقر على الحروف مستغرقا في أفكاري التي أحاول جاهدا تسطيرها بعناية. جاشت روحي في عالم من الخيال اللامحدود وازدادت ضربات أناملي بشكل هستيري كأنني أريد ألأنتقام من شيء مجهول.دون وعي ودون أن أعير اي أهتمام لوجود الزبونة الجميلة –التي لازالت تدير نظراتها هنا وهناك- رحت أطبع كلماتي الصادرة من قلبي النازف وأناجي ذاتي بصوت حزين مسموع لكل من يتواجد في مكاني المنعزل عن العالم تماما:

— لماذا أيها ألأنسان تحاول تحطيم أخيك ألأنسان؟ لماذا يحاول البشر الوصول الى أهدافهم عن طريق خلق تعاسة مطلقة الى أولائك الذين لايفعلون شيء سوى أنهم يريدون مواصلة الحياة بعيدا عن ألأنتقام وبعيدا عن الشر؟ يبدوا أن هناك نزعة داخلية تموج في باطن البشر عموما تدفعهم للتحرك من اجل خلق ضرر سواء كان مباشرا أو غير ذالك لكل من يحيط بهم , أنهم مرضى ويتلذذون في تعذيب ألأخرين.سحقا لهم في هذا العالم والعالم ألأخر. انهم لن يحصلوا على أي شيء سوى الدمار الروحي في كل مكان يرتادونه مهما طال الزمن أو قصر.

توقفت عن مواصلة تسطير مايجيش في داخلي وسرقت نظرة خاطفه نحو الفتاة التي لاتزال تحدق هنا وهناك في ذهول مطلق وكأنها لم تدخل محلا أودكانا في حياتها.أهملت وجودها مرة أخرى وعدت من جديد أكتب كلاما غير مفهوم لاي شخص يطلع عليه . لايهمني ألأشخاص الذين لايفهمون كلامي , كل مايهمني هو أن اقول ما كان يجثم على صدري ويحيل روحي الى جحيم من العذاب الذي لاينتهي.مرة أخرى سرقت نظرة خاطفة نحو الفتاة التي لم أرها من قبل في المنطقة التي أعيش فيها منذ سنوات طويلة. لفت أنتباهي شيئا ما. كانت تحدق في وجهي وكأن مسا من الجنون قد تلبسها.حاولت أن أعيرها شيئا من ألأهتمام هذه المرة. أبتسمت لها بتصنع وقلت لها بأدب مفرط:

—” هل وجدت ماكنت تبحثين عنه؟

لم تهتم لكلامي وظلت تحدق في وجهي بلا حياء.ودون أن تستأذن في الكلام قالت بتحدي وابتسامة خالية من أي تعبير:

—-” لماذا أنت متشائم الى هذا الحد؟ يبدو أنك كنت تعيش حياة مترفة من قبل ولم تعرف معنى العذاب في حياتك؟ أنت حقا لاتعرف معنى العذاب. أنت تعيش ألأن في جنة حقيقية دون أن تفقه ذالك.لديك هذا المكان وهذه الشجرة العملاقة التي تضفي طابعا ساحرا على مكان رزقك, وهذا البيت الذي تعيش فيه. أه ..حقا أنك لاتعرف معنى العذاب.”

غادرت الدكان دون أن تشتري أي شيء. ظلت نظراتي تحدق فيها وهي تغادر المكان. لقد أذهلني كلامها.أنها تتهمني وكأنني أعيش في عصر اللامبالاة وهل صحيح أنني لم اذق العذاب في حياتي وهل صحيح أن عذابها الذي تعيش فيه يفوق عذابي؟.تركت الضرب على ألألة الحاسبة وأخذت سيكارة من علبة سكائري ورحت انفخ الدخان بطريقة هستيرية.من تكون هذه الطفلة- ان صح التعبير- لتكيل الي كل هذه ألأتهامات التي تطلقها جزافا في هذا المكان الذي يعتبر خاص جدا بالنسبة لي؟.

حاولت أن أتناسى الموضوع والعودة الى ماكنت عليه قبل قدومها بيد أنني لم أتمكن من ذالك فقد كان كلامها أشد وقعا من كلام –أبن ال…..- الذي سبب لي كل ذالك اليأس عندما طلب مني الرحيل من المكان الذي أتخذت منه موقعا للرزق قبل عدة شهور.هناك في بيته الذي أستاجرت فيه دكانا منه وصرفت عليه كل أموالي وجهدي تحول الحلم فجأة الى رماد والسعادة الى حزن مرير.

سأمت الجلوس وقررت أغلاق الدكان والتسلل الى داخل البيت لابل الذهاب فورا الى الفراش والهروب المطلق من العالم عن طريق الخلود الى النوم. كأبة تامة قد سيطرت على ذاتي وشلت حركتي دون سابف انذار.

وقبل أن ابرح مكاني عادت الفتاة التي تصغر أبنتي الوحيدة بعدة أعوام ودون أن تلقي التحية طلبت بعض المواد التي لاتوجد بين بضاعتي وكأنها تعمدت ذالك كي تثير فضولي او تود اعلامي بأن هناك نواقص كثيرة في الدكان.

نظرت اليها بطريقة جديدة كأنني أحاول اكتشاف شيء أخر مجهول في هذا العالم. ظلت تحدق في وجهي في تحدِ ملحوظ وكأن لسان حالها يقول بأنها كانت قد عانت أضعافا مضاعفة وأنها لاتعترف بما كنت أقوله بصوت مسموع. لم أحاول أستدراجها للحديث وحينما أحستْ ماكان يجيش في داخلي قالت دون تردد” أمي تريد أن تدعوك للغداء هذا اليوم ارجو أن تقبل الدعوة. بيتنا في الطرف ألأخر من المنطقة. نحن نزلاء جدد في المنطقة ونريد أن نتعرف على كافة الساكنين في هذا المكان , أعرف أن هذا طلب غريب ولكن ارجو أن لا ترفض الدعوة..من الممكن أن نذهب ألأن لانك لاتعرف الطريق الى بيتنا”. دون تردد بدأت بالأستعداد للخروج معها وكتبت قصاصة ورق صغيرة الى زوجتي التي كانت قد خرجت من البيت لزيارة احدى قريباتها. أعلمتها في الورقة بانني ذاهب في مشوار وسأعود في غضون ثلاث ساعات.

سرت معها صامتا وكان بعض الناس يلقون علي التحية والبعض ألأخر يعتقد بأنني أسير مع أبنتي . بعد أقل من خمسة عشر دقيقة وصلنا البيت المقصود.كان بيتا متواضعا صغيرا نسبيا.ظهرت أمراة في الباب الخارجي ترتدي السواد وكأنها لاتزال في فترة الحداد على فقدان ناس أعزاء فقدتهم في تلك الظروف الصعبة التي سيطرت على البلاد قبل عدد من السنين.القيت عليها التحية وكان استقبالها كريما جدا معي وكأنها تعرفني منذ سنين خلت.

بعد تبادل كلمات المجاملة والتعارف دعتني الى الغرفة الصغيرة ألأخرى التي يطلق عليها غرفة الطعام.يبدو أنها – اي ألأم قد كانت مستعدة لمثل هذه الدعوة- لأن نوعية الطعام كانت فاخرة قياسا الى الحالة التي يعيشون فيها. وكما يفعل ألأجانب – بدأتْ حديثها في اللحظة التي بدأنا فيها تناول الطعام. الحقيقة أنا شخصيا لا أحبذ الكلام أثناء تناول الطعام- وهذه حالة تعلمتها من والدتي قبل ردحا من الزمن-لهذا كنت أصغي اليها وهي تتكلم وهذا ماأعطاها مساحة واسعة من الحرية للحديث وقول ماكانت تريد التعبير عنه دون أدنى مقاطعة.

-” الحقيقة حينما اخبرتني أبنتي مريم عن بعض الكلمات التي كنت تكتبها وعن الطريقة المأساوية التي كنت تعبر فيها عما كان يدور في ذهنك جعلتني أطلب منها دعوتك كي أتعرف على أحد الناس الذين يسكنون هذه المنطقة.نحن غرباء هنا ولانعرف أي عائلة في هذا الحي ولذالك قررت أن ادعو كل يوم أحد ألأشخاص-من النساء أو الرجال- وأصدقك القول كنت عازمة على دعوة أحدى النساء –بيد أن حديث مريم عنك بطريقة مشوقة جعلتني أغير أسم المدعو. في البداية كنت أعتقد أنك لن تلبي الدعوة ولكن الحمد لله على كل شيء. يبدو أن القسمة هي التي جعلتك تأتي الى هنا وأنا سعيدة جدا بهذا”.

كنت أقلب نظراتي بين مريم وأمها وفي داخلي أسئلة لاتعد ولاتحصى بيد أنني كنت أنتظر الفرصة المناسبة للبدء بطرحها.كانت مريم صامتة صمت ألأموات … لم تنبس ببنت شفة وكأنها كانت قد تلقت أمرا بعدم النطق بأي شيء طيلة فترة تواجدي.الكلمة الوحيدة التي كانت تطلقها بين فترة وأخرى هي” تفضل عمو هذا خوش لبن” أي ان نوعية هذا اللبن جيدة جدا. لم أكن أرد عليها بأي شيء سوى ابتسامة هادئة ممزوجة بنوع من الحياء الدفين.

أنتهت فترة الغداء وعدنا الى غرفة الضيوف المتواضعة تواضع غرفة الطعام.وجاءت مريم تحمل أقداح الشاي وجلسنا من جديد نواصل الحديث الذي أخذ مسارات شتى عن الحياة وصعوبتها وعن الماضي والحاضر.ودون توقع قالت مريم بصوت واثق وكأن لسانها قد انطلق من عقدته” ما هو السبب الذي جعلك تكتب ذالك الكلام وتقوله بصوت جهوري وكأنك تريد أن يسمعه العالم أجمع؟ يبدو أنك عشت تجربة مريرة خلال

نظرت اليها ببعض الحذر .. بعدها قلت بأختصار” أحيانا يتوقع ألأنسان شيئا معين وقد يكون متأكدا لذالك التوقع بيد ان ماكان يتوقعه لم يكن الا وهم أو خيال وخصوصا اذا كان التوقع يتعلق بأنسان عزيز.” وحدثتها عن تجربتي المريرة مع –أبن ال…..- وما ألت اليه الحاله بعد أن تنصل عن الوعد الذي قطعه معي وكيف أنه تحول الى أنسان أخر حينما أكملت مشروعي ألأستثماري البسيط.لم تقاطعها ألأم .كانت تنظر الى ابنتها بكل أحترام وتفسح لها المجال لقول ماكانت تريد قوله دون أدنى مقاطعة. شعرت أن والدتها تعاملها كأنها صديقتها وهذا ما زاد من تقديري لكلا الطرفين.

هنا بدأت اتحدث الى الفتاة قائلا:- لقد قلتي لي بأنني لاأعرف معنى العذاب .. ماذا كنت تقصدين بذالك؟.تبادلت الفتاة وأمها نظرات سريعة وكأنهما عرفا أنني أريد الدخول الى عالمهما الخاص والغور في أعماق روحيهما.أشارت ألأم لأبنتها علامة الموافقة للكلام. أخذت مريم نفسا عميقا وكانها تريد أن تطرد هما وغما كانا قد سيطرا على روحها الفتية ردحا لايستهان به من الزمن.

بلا مقدمات راحت تسرد حديثا بدا لي أن ليس له نهاية مطلقة:–” لقد كنا عائلة مثالية بكل معنى الكلمة بيد أن رياح الحرب قد فعلت فعلتها ومزقت كل ماكان والدي قد بناه في سنوات طويلة.كان لي خمسة اشقاء كلهم مجدين ومجتهدين ثلاتة منهم تخرجو من كلية الهندسة أما الباقين فقد كانا يعملان مع والدي في الشورجة.لقد كان والدي تاجرجملة للمواد الكهربائية وكان رزقه وفيرا بيد أن المنافسين له حاربوه بشتى الوسائل الى أن جاءت اللحظة التي لم يكن يتوقعها”.

سكتت قليلا حيث راحت تمسح بعضا من قطرات الدموع التي تجمعت في مقلتيها. مسحتها على عجل وأستطردت قائلة”—في احد ألأيام ذهب والدي مع أشقائي اللذان يعملان معه وأذا بهم يجدون المحل تلتهمه النيران من كل حدب وصوب.الناس يتجمعون حوله دون أن يتمكنوا من فعل شيء وظل والدي ينظر الى النيران المستعرة صامتا كأن شيئا لايعنيه مطلقا.أما سمير ونمير فقد اندفعا الى داخل النيران المستعرة في محاولة يائسة لأنقاذ مايمكن أنقاذه.كان والدي يمد يده المرتعشة هامسا بصوت ضعيف لايسمعه الا من كان قريبا جدا منه :” عودا ياولدي الحبيبين.. لقد ضاع كل شيء..لا أريد أن أفقدكما.وراح يئن بصوت خافت وسقط على ألأرض مغشيا عليه ومنذ تلك اللحظة وهو يرقد في المستشفى مصابا بشلل لايمكن علاجه مطلقا.”

هنا بدات ألأم تبكي بصوت منخفض وكأنها سأمت البكاء بصوت مرتفع على مر الشهور.أخذت مريم قطعة من المناديل الورقية وبدأت تمسح عينيها وأنفها , ألقت المنديل المنكمش انكماش روحها في سلة المهملات القريبة منها ثم أستطردت في حديثها التي كانت تريد أن يسمعه كل انسان في هذا العالم الذي لايعرف الرحمة.

—-” كان كل من سمير ونمير يندفعان بجنون يخرجان قسما من ألأوراق المهمة التي أحترق أغلبها… ودون سابق أنذار انهار السقف الخشبي فوقهما وتحولا الى جثتين هامدتين… حينما وصلت سيارات ألأطفاء وألأسعاف كانا قد احترقا تماما ولم يبق منهما سوى العظام.لم يكتفي الجناة بذالك فقتلوا اثنين من أشقائي ألأخرين وهما أمجد وأسعد اثناء عودتهما من العمل في شركة الصناعات الهندسية.”

هنا توقفت عن الكلام ونظرت الي بأستهزاء قائلة” وأنت تتحدث عن ألالام”. لم تكن تشعر بوجودي وراحت تستطرد في سرد قصتها المأساوية قائلة” أما رعد فقد كان في شمال البلاد في مهمة عمل.. أخبرته والدتي أن لايعود في الوقت الحاضر خوفا عليه من القتلة.بعد شهر عاد رعد في جنح الظلام كمن أصابه مس من الجنون .لم يذرف دمعة واحدة. قرر ألأنتقام – كان يعرف القتلة – فقد كان والدي قد حدثه يوما ما بأن كل من”……” و”……” كانا قد هدداه بخلق مشكلة له أذا لم يتبع طريقتهم في البيع. كان والدي يبيع أرخص منهم بكثير وهذا ماكان يسبب لهم خسارة كبيرة على حد قولهم… كان قد أستأجر مجموعة من القتلة المحترفين وذهبوا في جنح الظلام –في نفس اليوم الذي عاد فيه من الشمال-قتلوهما ولم يكتف رعد بذالك فقتل ثلاثة من أبناء الشخص ألأول وواحد من أبناء الشخص الثاني. في نفس الليلة طلب مني ومن والدتي ألأنتقال الى بيت أخر في زيونة.سافر رعد الى السويد على أمل أن يرسل في طلبنا فيما بعد. منذ ذالك اليوم لم نسمع أي شيء عنه”.

أستأذنت ألأم لجلب شيئا من المشروبات الغازية وظلت مريم جالسة في مكانها تتحدث بلا انقطاع قائلة”—قررت والدتي ألأنتقال الى بيت متواضع في هذه المنطقة بعيدا عن تلك الحارة كي لايعرفنا أحد ويسبب لنا المشاكل التي نحن في غنى عنها. طلبت مني والدتي أن أترك المدرسة كي أبق معها في البيت لانها تخاف أن تكون لوحدها طيلة اليوم على حد قولها. لم أنهي المرحلة ألأعدادية بعد.”

عادت ألأم تحمل ثلاثة علب من المشروبات المثلجة وضعت علبة أمامي واخرى أمام مريم في حين راحت تمسح علبتها بقطعة من المناديل الورقية بعنانية فائقة.وبينما انا أحتسي مشروبي بصمت طار ذهني نحو فضاء فسيح من التفكير والتامل ورحت اردد مع ذاتي” حمدا لله على كل شيء..أين عذابي من هذا العذاب التي تواجهه هذه العائلة الممزقة؟” وقبل أن أستمر في أجترار جزءا من ألألم الدفين الذي يغلي داخل عروقي طفقت مريم تواصل حديثها الذي طوقني بهاله من الحزن وألأسى”— لدينا أموالا كثيرة ضاعت في ذالك الحريق ونطلب أناسا كثيرون بيد أننا نخاف الذهاب اليهم ومطالبتهم خوفا من اكتشاف أمرنا وملاحقتنا من قبل بعض ألأشرار.خلاصة القول نحن عائلة تعيش بلا هدف وخوف لاينقطع.”

سكتت عن الكلام وكأن ما في جعبتها قد نفذ.خيم بعض الصمت على المكان ورحنا نتبادل النظرات وكل واحد منا يحاول ان يجد منفذا للخروج من هذه ألأزمة.دون تفكير ومن دون دراسة دقيقة للوضع اندفعت بتهور محاولا أن ألعب دور البطل الذي لايهاب العواقب – وأنا بعيد كل البعد عن لعب أي دور بطولي طيلة حياتي—” حسنا لدي فكرة بسيطة ولا أدري فيما اذا كانت صائبة أم لا.”

نظرت مريم الي بشيء من التحفز وكأن لسان حالها يقول—وماذا يستطيع رجل يائس مثلك أن يفعل لنا؟ قبل قليل كنت تناجي ذاتك من أن روحك قد تهشمت بسبب شيء بسيط وتحاول أن تصوره للعالم بالحدث الجلل..” تحركت والدتها في مكانها بشيء من عدم ألأرتياح –أو هذا ماصوره لي عقلي اللاواعي-.أندفعت مريم قائلة” قل ما عندك.كلنا أذان صاغية”. كانت طريقتها في الكلام تنم عن شراسة في الطباع وعدم ألأهتمام لاؤلائك الذين هم أكبر منها سنا – او هذا ماكان قد خطر على بالي عندما سمعت نبرتها الحادة.

أندفعت والدتها قائلة بصوت بدا لي أكثر كياسة من نبرة أبنتها—” حسنا ماذا يدور في خلدك..نحن نستمع بكل حواسنا.”هنا أندفعت قائلا:” اذا كان هناك مالا في ذمة ألأخرين ولاتستطيعان الوصول اليه خوفا من القتلة..أو شيء من هذا القبيل أستطيع أن أكون وكيلكما في متابعة كافة أعمالكما التجارية وبالمقابل أحصل على نسبة نتفق عليها.” نظرت كل من الفتاة وألأم الى بعضهما البعض وقد أشرقت عينا كل واحدة منهما ببريق لامع ينطق بأشياء كثيرة.هنا أندفعت ألأم قائلة بسرعة:”من الناحية التكتيكية أنا موافقة جدا على هذا العرض ولكن يجب ألأعتراف بأن هذا العمل سيكون خطرا جدا عليك وقد تفقد حياتك.. لنا أعداء كثيرون وقد تكون هذه فرصة لهم للانتقام ولذالك يجب عليك أن تدرس الموضوع من كافة الجوانب .. أما فيما يتعلق “بالنسبة” التي تتحدث عنها فلن نختلف حول هذا الموضوع أبدا.أذا أصابك أي مكروه فلن نكون مسؤولين عن ذالك”.

نظرت اليهما بطريقة جدية ورحت أنفخ دخان سيكارتي في الفضاء وأنا أفكر في العرض الذي قدمته ألأم كي أتخذ القرار ألنهائي حول المضوع.هنا ودون وعي رحت أستعيد ذكريات منسية عند الحدود وقبل الهجوم بعدة دقائق راح الرائد –أحمد- يتكلم بصوت مرتفع مخاطبا الجنود الذين أستعدوا للهجوم بكامل تجهيزاتهم:” من لا يجد في نفسه القدرة على المشاركة في هذا الهجوم فلينسحب أريد أبطالا معي لايخافون الموت..أن بلدنا يستحق التضحية”. نظرنا الى بعضنا البعض دون التفوه بحرف واحد…. وبعد عدة ساعات كان أكثر من نصف المشاركين في الهجوم قد تحولوا الى مجرد ذكرى في مهب الريح.لاأدري كيف خرجت سليما من تلك المعركة المميته .. كان الموت يزحف نحوي –كما يزحف الى رفاقي بسرعة البرق- ولكن لاتموت نفس الا اذا جاء أجلها.

قلت على الفور”— نعم أنا مستعد وليكتب الله أمرا كان مفعولا”. نهضت ألأم وتوجهت الى الغرفة ألأخرى وبعد عدة دقائق عادت تحمل مفاتيح أعطتها لي وهي تقول”—خذ هذه مفاتيح السيارة الوحيدة التي بقيت لدينا انها في كراج”…….” يمكنك ان تستخدمها في تنقلاتك منذ هذه اللحظة ولكن خذ معك مريم لان صاحب الكراج لن يعطيها لك الا اذا كان واحدا منا معك وهذا هو ألأتفاق الذي ابرمناه معه… بعد ذالك تستطيع ألأحتفاظ بها في بيتك أو في نفس الكراج.”

نهضت مريم على الفور وهي تقول لوالدتها”—سأذهب معه ألأن يا أمي” لم تجبها ألأم بل أكتفت بأشارة من رأسها علامة الموافقة.أخذت المفاتيح وكأنني في حلم من ألأحلام الكثيرة التي كنت أغوص فيها بين فترة واخرى. خرجت من البيت غير مصدقا لما كان يجري لي في تلك الفترة الزمنية القصيرة.سارت مريم الى جانبي صامتة كأنها لم تقابلني من قبل..كنت أنظر اليها بين فترة وأخرى فكانت تبتسم بحياء ظاهر. مشينا فترة من الزمن دخلنا شارعا فرعيا ثم استدرنا الى اليمين .ظهر أمامنا مكانا فسيحا تحيط به أسوارا حديدية ورجل واقف في البوابة الخارجية تبين أنه المسؤول عن الكراج. رحب بالفتاة التي كانت معي وكأنه يعرفها منذ زمن طويل..قادنا بعدها الى سيارة حديثة مركونة في الطرف البعيد من الكراج. كانت مغطاة بقطعة كبيرة من القماش..أزال الغطاء فتبين أنها –كامري- لايمتلكها الا من كان يعيش في بحبوحة من العيش.

طلبت مريم أن تقودها.. لم أعترض . بعد قليل كان تسير على الطريق السريع بسرعة معتدلة وكأنها كانت تريد أن تظهر لي مدى براعتها في قيادة السيارة- الحق يقال أنها كانت فعلا بارعة-. كانت السيارة مريحة جدا وشيئا فشيئا ازدادت سرعة السيارة نظرت اليها بشيء من الفضول وكأن لسان حالي يطلب منها التأني في سرعتها .نظرت الي مبتسمة وهي تقول ” لاتخف ياعمي لقد مضى زمن طويل على وجودها في الكراج.أريد أن أسحق محركها بعض الشيء..كن مطمئنا فأنت في أيادي أمينة.”.

أستسلمت لها ولقدري الذي قذف بي بين لحظة وأخرى لأكون مع هذه الفتاة الشابة التي هي أصغر من أبنتي الوحيدة. راح ذهني بعيدا الى عالم الخيال والى مفارقات الحياة..لقد شارفت على الخمسين ولم أمتلك سيارة لا أنا ولا أبي ولا أحد من أشقائي مع العلم أنني كنت من المتفوقين أثناء دراستي وهذه الصغيرة تقود سيارة لن أملك مثلها لوعشت اضعافا مضاعفه من عمري وعمرها-ولكن لكل شيء ثمن كما يقولون-. دون وعي رحت أستغفر الله العظيم وأشكره على النعمة العظيمة التي اغدقها علي –لقد أعطاني بيتا متواضعا وعائلة رائعة وزوجة عظيمة وبنتا في عمر الزهور وكلنا في صحة جيدة..لم يطرق بابنا أحدا أثناء حرب العشائر عندما عصفت الحرب المدمرة التي أجتاحت الفئات المختلفة التي تقطن بلادنا الجريح في زمن ما… ولم يقتل أحد من قبيلتي وجيراني وهذه نعمة لاتقدر بثمن … ورحت أشكر الله بصوت جهوري جعل الفتاة تنظر الي بأستغراب ملحوظ.

ظلت الفتاة تسير وتسير على الطريق السريع.لم أحاول ألأعتراض فقد كنت سعيدا بهذا الحدث الذي حدث لي في تلك الساعات. حاولت التمتع بهذه الرحلة التي لاأعرف الى أين ستنتهي؟‘دخلت المدينة وكان الجو ملتهبا حرارة والطريق ألأسفلتي يشع من شدة شعاع الشمس وكانت الطرق شبه خاوية فقد هرع الناس الى بيوتهم يحتمون من شدة الحر. أستدارت الى الجهة اليسرى حيث الكازينو العائلي ألأنيق جدا.أوقفت السيارة في الكراج المخصص وبعد أن أطفأت محرك السيارة التفتت الي قائلة”- سأدعوك لتناول قليلا من المرطبات كي تكون عربون الصداقة الحرة بين عائلتينا ولتكون بداية عمل ناجحة”.

ترجلت من السيارة دون أن أنبس ببنت شفة , جعلتها تتولى القيادة لكلينا..حاولت ألأستسلام لها تماما. جلسنا في الزاوية البعيدة وقبل أن تتفوه بشيء جاء النادل مبتسما وهو يسألنا عن مبتغانا وبعد أن أخبرته بجلب قدحين عملاقين من المرطبات أنصرف بطريقة تنم عن أدب رفيع في طريقة أستقبال الزبائن.أخذت راحتي بصورة تامة في الجلوس … حاولت التمتع بهذا الحلم الذي كنت أسبح فيه في غضون ساعات قليلة. أسندت ظهري الى الوراء ..وضعت علبة سكائري والقداحة أمامي ورحت أقلب نظراتي في كافة زوايا المكان وكأنني أحاول أستكشاف بقيا ذكريات منسية عند الطرف ألأخر من العالم.

كان جو المكان يوحي بشاعرية ليس لها مثيل في ذالك الزمن الصعب..كانت الموسيقى تنطلق من كل ركن من أركان المكان وكأن صاحب الكازينو أراد لكل من يدخل هذا المكان أن ينسى مايدور خارج الجدران…لينسوا المعاناة التي تسببها التفجيرات والسيارات ألأنتحارية في أماكن مختلفة من العاصمة.كانت صامتة .أغمضت عيناي للحظة من الزمن كي أريحهما والتمتع بنغمات المعزوفة التي كانت تتحدث عن ألام العشاق في زمن ما…..وعندما بدأت معزوفة جديدة — افري تايم يو كو اوي—شعرت أن يدا ناعمة نعومة المساء في يوم رائق..تهزني برفق وكأنها لاتريدني ألأستيقاظ من لحظة السعادة التي كنت أغور فيها. فتحتهما على عجل وأذا بالنادل قد وضع أقداح المرطبات وأختفى كما أختفت ذكريات كثيرة في غفلة من الزمن.

لم تتفوه بشيء سوى كلمة”- تفضل”. شرعنا نتناول المرطبات بصمت تتخلله أفكار كثيرة تدور في ذهن كل واحد منا.دون مقدمات سألتي عن ابنتي وعن زوجتي وكيف تزوجتها ..هل كان ارتباطي بها عن حب او مجرد ما كانت تمليه علينا التقاليد من أن ابن العم يتزوج بنت العم أو شيء من هذا القبيل.أبتسمت لها بحياء وكأنني أستهجن هذا التدخل السافر في الحياة الشخصية لشخص غريب لم تتعرف عليه الا في غضون ساعات قليلة. وقبل أن أجيبها جاء النادل يحمل ورقة صغيرة قدمها لي على عجل وهو يقول لي من أن احدى السيدات الجالسات هناك طلبت منه تسليمي الورقة المطوية.

فتحت الورقة على عجل وراحت عيناي تلتهمان السطور القليلة التهاما وكان مدونا فيها مايلي”- كيف حالك ياسيد كمال.. يبدو أن أبنتك الجالسة معك جميلة بقدر وسامتك.. “. دون وعي سلمت الورقة الى مريم ورحت أقلب نظراتي في كل أرجاء المكان بحثا عن المرسل. فجأة شعرت برجة كهربائية تسري في كل جزء من أجزاء بدني المرهق..

نظرت الى السيدة التي كانت جالسة في ركن منعزل..لوحدها متشحة بالسواد..تنورة سوداء طويلة وقميص أسود مع وشاح أسود تضعه على رأسها..بقيت مذهولا أنظر اليها وكأنني عدت الى التاريخ القديم من هذا العصر..كأنني أغور في أعماق الزمن السحيق.لاأصدق عيناي..أنها—ميسون- الطالبة التي كانت في نفس الصف الجامعي الذي كنت أدرس فيه قبل ثلاثون عاما.ما الذي أتى بها الى هذا المكان وما سبب جلوسها وحيدة في هذا الجو الملتهب حرارة؟.دون وعي رفعت يدي اليمنى طالبا منها القدوم الى طاولتنا..الغريب أنها نهضت وكأنها تلبي نداءا خفيا يتحرك في داخلها..

نهضت لمصافحتها ونهضت مريم هي ألأخرى وصافحتها بحرارة وكأنها تعرفها هي ألأخرى.جلست بهدوء بعد أن وضعت حقيبتها الجلدية الفاخرة..أخرجت علبة سكائرها ودون أن تستأذن مني راحت توقد سيكارة وبحركة مسرحية راحت تنفث دخانها في فضاء المكان وشاهدت الدخان يتصاعد الى ألأعلى بحركة لولبية ممتزجا بالضياء الخافتة التي كانت تعم المكان.نظرت الي بهدوء وأبتسامة باهتة تغطي شفتيها..وبلا مقدمات راحت تقول—” وأخيرا شاهدتك بعد كل تلك السنوات الطويلة..لم تتغير كثيرا..نفس الوجه الوسيم ونفس العينين الخضراويتين..ونفس الحركة السريعة في طريقة الكلام..كأنني عدت ثلاثين سنة الى الوراء….كيف عثرت على –مريم- وكيف عرفتها أنها فتاة خطرة “.وراحت تضحك بصوت منخفض….حينما سمعتها تتحدث عن مريم أصبت بالذهول وأنعقد لساني …بقيت أحرك عيناي بين مريم وهذه المراة التي كان لي معها تاريخ طويل قبل ثلاثين عاما.كان وجه مريم قد أصطبغ بلون قرمزي من شدة الحياء وألأرتباك.وقبل أن أتفوه بحرف أخر قالت ميسون—”أنها طالبة مجدة ولكن الظروف الصعبة التي مرت بها عائلتها منعتها من مواصلة الدراسة ..مع العلم أنني حاولت بكل الطرق لجعلها تستمر في الدراسة ولكن والدتها عنيدة جدا وقررت أن تأمرها بالبقاء في البيت خوفا عليها من المجرمين الذي حولوا حياتهما الى جحيم.”

حتى تلك اللحظة لم أفهم كيف أنها عرفت مريم ولذالك بقيت صامتا أطلب تفسيرا لهذا التصادف الذي لايحدث الا في الروايات الخيالية أو أحد ألأفلام الرخيصة……….بعد فترة صمت قصيرة أستطردت –ميسون- “كانت مريم طلبة عندي في الخامس العلمي وكانت شاطرة جدا في اللغة ألأنكليزية وكنت أتنبا لها بمستقبل زاهر…بيد أن القدر لعب مع عائلتها لعبة مأساوية جعلهم يدفعون ثمنا باهضا..على أية حال هذه هي الحياة..مزيجا من الحزن والفرح.”وقبل أن تواصل حديثها بدأت مريم تهز يدي بعنف وقد تحول وجهها الى لون شاحب وقبل أن أستفسر عن حالتها قالت بأضطراب-” هناك رجل ينظر الي بفضول وربما بغضب ..أعتقد أنه من أقرباء الذين قتلهم شقيقي فلنترك المكان فورا”.

أستدرت نحو الرجل الذي كان يدخن سيكارته بشراهه وكأنه لم يدخن في حياتة..ومن خلال النظرات الي كان يصوبها نحوي أدركت أن هناك ثمة شيء على غير مايرام. قلت لمريم على عجلة من ألأمر ” فلنذهب من هذا المكان فورا”. وقبل ان أقول شيء أخر قالت ميسون ” تعالا معي ..أتركا سيارتكما في مكانها..فلنذهب في سيارتي “. خرجنا مسرعين من المكان الهادىء متجهين الى سيارة ميسون.أنطلفت ميسون بسرعة لابأس بها مخترقة الشوارع المختلفة.جلست مريم الى جانبها بينما جلست أنا في المقعد الخلفي..كنت أنظر الى الوراء بأستمرار كي أتأكد فيما اذا كان هناك شخص ما يتعقبنا.

كانت ميسون صامتة ..تنظر بين فترة وأخرى في زجاجة الرؤيا المثبتة أمامها في حذر شديد وكأنها أعتادت لمعالجة مثل هذه الحالات.على حين غرة قالت بأندفاع –” هناك سيارة سوداء تتعقبنا سأحاول التصرف بطريقة معينة للتأكد فيما أذا كانت تجعل منا هدفا..سأنعطف الى الجهة اليمنى والوقوف قليلا عند زاوية المطعم.”.وبالفعل فعلت ماكانت تريد أن تفعل……أنعطفت السيارة السوداء وتوقفت على مسافة عندها أدركت أننا الهدف المطلوب .كانت أنفاس مريم تتلاحق بشكل مسموع وكأنها أدركت أن ثمة في ألأمر شيء خطير..أما ميسون فقد كانت تدخن بشراهة صامتة صمت ألأموات ويدها اليمنى على مبدل السرعة كأنها تنتظر شيئا ما للقيام به عند الحاجة القصوى.دون أن أقول شيء قفزت من مكاني وتوجهت الى ميسون طلبا منها ترك مكانها والجلوس في المقعد الخلفي…نظرت الي ولم تتحرك من مكانها..صرخت بها وكأنني أفقد أعصابي لأول مرة في حياتي.

قفزت من مكانها وكأنها أدركت أنني جاد فيما أقول ..جلست في المقعد الخلفي والسيكارة لاتزال في يدها. عندما جلست خلف المقعد كان قلبي ينبض بعنف شديد وكأنني كنت قد أوقعت نفسي في ورطة شديدة أنا في غنى عنها تماما. بدأت اتحسس عجلة القيادة بأنامل مرتعشة ورحت أتفحص كل زاوية من زوايا الجهة ألأمامية وكأنني أحاول أكتشاف شيئا خافيا في كل زاوية من زوايا النسيان.دون وعي سافر ذهني الى ألأيام البعيدة جدا عندما كنت سائقا لسيارة-ألأيفا-العسكرية أنقل المواد الغذائية للجنود في الخط ألأول من جبهة القتال..كانت أياما جهنمية في تلك الفترة العصيبة من تاريخ بلدي الجريح الذي لازال ينزف دماءه تحت سيطرة الذين جاءوا من وراء البحار لتمزيق كل ما هو قد تمزق من قبل بسبب عدم مهارة الذين كانوا مسؤولين عن قيادته في زمن ما وتاريخا ما.

بقيت واقفا لعدة دقائق أنتظر ماذا سيحدث وكنت أشعر بدقات قلب مريم الى جانبي.. نظرت اليها بحذر شديد ورهبة في نفس الوقت ..نظرت في عينيها فشادت صفاء عيني أبنتي لمياء ..لم أشاهد هذه الفتاة الغريبة عني تماما والتي ألقاها الزمن بلا موعد في طريقي المعبد بأالاشواك منذ أن تركت العمل في الشركة التي كنت أعمل فيها بسبب أحد ألأنذال الذين أرتكب خطأ شنيعا ودفعت الثمن أنا وبقيت الزملاء الذين كانوا أبرياء بقدر برائتي من دماء الذين قتلوا على الطريق السريع دون أن يرتكبوا أي ذنب سوى أنهم ينتمون الى الى طائفة أخرى..يالحقارة الزمن في زمن ضاعت فيه كل المرؤءه والفروسية من أجل حفنة من الدولارات….شعرت أن أبنتي لمياء هي التي كانت جالسه قربي وتطلب مني أنقاذها من بعض الذين يريدون أغتصابها في لحظة من لحظات الخيانة والغدر التي تحدث في زمان ومكان ما..

دون وعي رحت أردد مع نفسي –” أه يالمياء..لن أجعل أحد يقترب منك طلما أنا على قيد الحياة..أنت الهواء الذي أتنفس من خلاله …أفضل الموت ألاف المرات على أن لايحدث لك أي مكروه ..الموت أشرف من البقاء على قيد الحياة والعار يلطخ الروح….”. جاءت صورة زوجتي على ذهني وصورة ولدي الكبير والصغير…وبلا تردد أنطلقت كالصاروخ أشق عباب الهواء المحمل برائحة السموم والحر الشديد.لم ألتفت الى الوراء ..ولم أنظر في الزجاجة المخصصة للرؤيا أمامي ..أردت أن أهمل الزمن وكل ما يتعلق بالطغاة..صورة واحدة أرتسمت أمامي ألا وهي” جنود هناك خلف التلال الحارقة يئنون من الجوع والعطش أنهم محاصرون منذ ثلاثة أيام ولا أحد يستطيع الوصول اليهم بسبب كثافة القصف الشديد…كان الذهاب اليهم هو ألأنتحار بعينه..توسلت الى ألامر أن يسمح لي بالذهاب ورفض في البداية لان ذهابي معناه عدم العودة مطلقا…ولكن يجب أن أذهب مهما كانت النتيجة..فزوج شقيقتي الوحيدة هناك معهم يئن من العطش والجوع وقد أخبرتني يوما ما أن أهتم به لانه كان معي في نفس الوحدة العسكرية وهو لازال شابا صغيرا كان قد تخرج قبل عدة أشهر من كلية الفنون الجميلة ولا يحب أي شيء في هذه الحياة سوى العزف على ألة الكمان..وأذا مات هناك من العطش فأن شقيقتي ستموت من بعده لانها كانت تحبه بجنون…وكتبت وصيتي وأعطيتها الى الامر ..شرحت فيها لشقيقتي سبب موتي.. وطلبت منها أن لاتبكي أبدا لان البكاء لن يعيدنا اليها….وودعت جميع ألأصدقاء وذهبت نحو الجحيم..أنا لست بطلا ولكن صورة شقيقتي وهي تمزق ثيابها على أمجد هو الذي أعطاني القوة للذهاب فلم أر أي شيء سواء خدود شقيقتي التي تسيل منها الدماء بسبب أظافرها التي غرزتها في خدودها…ووصلت بعد فوات ألأوان فقد كانوا جميعا قد ماتوا من الجوع والعطش..وحملت جثثهم معي الى جانب الطعام والماء…وكانت المأساة عندما عدت بجثة أمجد الى البيت..فقد أحرقت شقيقتي نفسها وماتت بعد يومين في المستشفى.

أذا هل سأفشل هذه المرة في أنقاذ لمياء عفوا أقصد –مريم- ,قدت السيارة بسرعة جنونية في طرق صغيرة وكبيرة والسيارة السوداء لاتزال خلفنا وسمعت مريم تئن بصوت مكتوم وهي تقول” أه سأموت اليوم كما ماتوا أشقائي..لو لم أذهب الى –الدكان الذي كان تحت ظلال الشجرة- لما حدث لي ما يحدث ألان”.كان الشارع السريع خاليا من السيارات تماما عدا سيارتنا وتلك السيارة المخيفة..سمعت قرقعة سلاح في المقعد الخلفي ..نظرت الى الوراء فأذا ميسون تسحب مسدسا من حقيبتها وتتهيأ للاطلاق…..لم أنبس ببنت شفة فقد رأيت مسدسات كثيرة في الجبهة..وسمعت ملايين ألاطلاقات من قبل.دون سابق أنذار أخرجت ميسون رأسها من النافذة وراحت تطلق عدة أطلاقات صوب السيارة التي بدأت تقترب منا بعض الشيء..شاهدت السيارة السوداء تبطيء قليلا.أعادت ميسون مليء خزان مسدسها واستعدت للهجوم من جديد.قلت على الفور-” لاتهدري طلقاتك الا عند الضرورة القصوى وهذا ما كان يقوله لنا ألأمر في جبهات القتال…أعرف طريقا سريا عند البساتين القريبة من النهر سأذهب اليه ونختبأ بعض الوقت لحين ذهاب القتلة..” وقبل أن اتلقى جوابا من ميسون أستدرت نحو اليمين وأنطلقت كالمجنون صوب ألأشجار التي طالما كنا نلعب بين ممراتها السرية ونحن أطفال ..المنطقة منطقتي وأعرف ممرات سرية لايعرفها الا بعض ألأصدقاء . ونجحت الخطة وفي غضون عدة دقائق كنا نختبيء تحت شجرة عملاقة قرب النهر ..كانت ظلالها كبيت شيد في العصور القديمة…ومئات الطيور تحط فوقها……..كانت أنفاسنا جميعا تتلاحق والصمت قد خيم علينا كأننا في جنازة.من بعيد شاهدنا السيارة السوداء تحوم في المكان في محاولة يائسة للعثور علينا.فجأة قالت مريم بصوت مرتعش-” وماذا سيحصل لو عثروا علينا؟”…..وبصوت مطمئن أجبتها ” لن يعثروا علينا..وحتى لو عثروا علينا لن نستسلم ..الموت أو النجاة..الوقوع في ألأسر شيء لايمكن أن يكون في حالتنا الحالية..”.قالت ميسون وهي تمسك مسدسها بيدها اليمنى” أذا حدث شيء ما ..عليكما الهروب بين ألأشجار وسأبقى أشاغلهم بسلاحي حتى تنفذ جميع الطلاقات..أنا أعيش وحيدة في الزمن الحاضر وليس لي أي شيء أعيش من اجله..أما أنت ومريم فلديكما من تعيشان من أجله..لفد عشت بما فيه الكفاية ولم أعد أهتم لاي شيء..من هذا المنطلق سأبقى أقاتل وحيدة كي تعيشا أنتما”. كانت نبرتها تدل على حزن دفين وكأنها فقدت كل شيء في هذه الحياة..نظرت اليها بأمعان وكانها كانت قد فهمت ما كان يدور في خفايا نفسي.

تأثرت للحالة التي كانت تمر بها..دون وعي وضعت يدي على مبدل السرعة وبسرعة البرق أنطلقت مجددا من بين ألأشجار فتلقفني الطريق السريع بلمح البصر ..ولاأدري لماذا فعلت ذالك..هل أنني أريد ألأنتحار أم أن مسا من الجنون كان قد تلبسني وأريد الخروج منه ..أم أن الوضع الذي كنا فيه قد أملى علي حاله من أتخاذ قرار فوري للخلاص منه..لم أستشر أيا من منهما..أنطلقت دون وعي ..أردت فعل أي شيء ومهما كان خطرا أردت الخلاص فقط…لم أعد أطيق الوضع الذي نحن فيه… مرة قالت لي والدتي ” الموت كأسد أفضل ألاف المرات من الحياة كخروف”. لأأدري لماذا خطر على ذهني هذا المثل..أذن فالموت كأسد أفضل من العيش كخروف مختبئا بين ألأشجار الكثيفة..أهلا بالموت..وسحقا للجبن.في اللحظة التي كنت بها على الطريق السريع صرخت –مريم-” عمو سمير ..أنهم ورائنا..سوف نموت ألأن”.نظرت اليها بحزن ويأس ..ضغطت على دواسة البنزين بكل قوة وكأنني أريد الطيران في السماء وأندفعت السيارة كالصاروخ تشق عباب الهواء كأنها تخاطبني بالطيران أسرع وأسرع ..كانت ألأشجار المتراصة على جانبي الطريق تبدو وكأنها خط أسود فلم أعد أميز بين ألأشياء..عدلت من وضع نظارتي الطبية….ورحت أزيد من السرعة أكثر وأكثر كأنني عزمت على الموت في تلك اللحظة. وعادت الى ذهني صورة أخرى من صور الموت عندما كنت في جبهة القتال قبل سنوات طويلة…—” بعد أن نقلت الطعام الى الخط المتقدم من جبهة القتال وجدت الجنود متجمعين حول أحد الجنود وقد شارف على الموت وكل واحد منهم يحاول أن يفعل شيء لأنقاذه..وكان الضابط الشاب حائرا لايدري ماذا يفعل..صرخت بهم أن يفرغوا الايفا من المواد الغذائية ومن ثم وضع الجندي المصاب في العجلة..وبسرعة البرق حملوه الى داخل العجلة وأنطلقت كالصاروخ والقصف بدأ شديدا كالمطر والطريق الترابي يهز العجلة كأنها شجرة صغيرة في مهب الريح..وبين فترة وأخرى كنت أنظر الى الوراء كي أتأكد من كونه لم يفارق الحياة..كانت الدماء قد غطت العجلة وكنت أبكي عليه كأنه واحد من أشقائي وفي اللحظة التي وصلت فيها الى المستشفى كان المسكين قد فارق الحياة..رحت أبكي بصوت مرتفع وأضرب العجلة بقبضتي وأنا أردد” سحقا للحرب ولمن لايريد السلام وأنقاذ الشباب من هذه المحرقة وهذا الجحيم الذي لاينتهي أبدا”.

عدت الى الواقع الذي أنا فيه حينما بدأت الدماء تسيل من ذراعي والخدر قد بدا يزحف اليها رويدا رويدا..شاهدت مريم تخرج منديلا من جيبها وتعطيه الى ميسون كي تربط ذراعي وأنا أقود السيارة بسرعة جنونية. صرخت بميسون أن تتركني وشأنني كي لأأفقد التركيز في قيادة السيارة..كنت كمن فقد عقله ورحت أصرخ بأعلى صوتي” أيها الجبناء لن تتمكنوا مني وأنا على قيد الحياة سحقا لكم ولكل من لايريد لنا العيش بسلام”. ولدهشتي شاهدت مريم ترفع فستانها الى ألأعلى قليلا كمن كان يريد أغراء شخصا ما.. تصورت أنها فقدت عقلها هي ألأخرى..ولدهشتي ألأكثر شاهدتها تخرج مسدسا كان مربوطا الى فخذها ألأيسر..راحت تطلق النيران في كل ألأتجاهات وكأنها محارب اعتاد على خوض المعارك الضارية في كل ألأزمنة..صعقت عندما شاهدت السيارة السوداء تترنح على الطريق السريع وبعد لحظات كانت تتدحرج كأنها كرة صغيرة في مهب الريح..صرخت –ميسون-:” انظروا انها تنقلب هناك..لقد تخلصنا منها الى ألأبد..بوركت يامريم”.دون وعي أوقفت السيارة..ثم استدرت راجعا نحو السيارة السوداء ولاأدري لماذا فعلت ذالك ؟لقد كان تصرفا عشوائيا.حاولت ميسون أن تمنعني من فعل ذالك ولكنني لم أهتم لها.كان هناك شيئا ما يغلي في داخلي..أردت العودة لمشاهدة ما كان قد حل بالمهاجمين ألأوباش. كانت السيارة السوداء قد أنحرفت عن الطريق والسائق مخضبا بدمائه بلا حراك..

دون أهتمام أدرت السيارة وقفلت راجعا لمواصلة الطريق نحو المدينة وكأن شيئا لم يحدث.كانت أعصابي كلها ترتجف من شدة الغضب على كل شيء في هذه الحياة التي لم يعد فيها للانسان أي قيمة تذكر بعد أن تحول أغلب البشر الى قتلة وقطاع طرق.وأنا أقود السيارة أخرجت سيكارة وطلبت من ميسون أن توقدها لي..لم أعد أهتم للدماء التي كانت تسيل من ذراعي ألأيسر.طلبت ميسون مني أن أتوقف كي تقود سيارتها بنفسها وكي تعطيني فرصة للراحة قليلا.

حينما وصلنا الى المكان السابق-الذي كانت فيه سيارة مريم واقفة – ترجلنا جميعا .أصرت ميسون على مرافقتي الى المستشفى كي تعالج جرحي ودون مقاومة ذهبنا جميعا لمعالجة ذراعي.ولحسن الحظ طمأننا الطبيب من أن ألأصابه بسيطة ولاتستحق القلق.أصّرت ميسون للذهاب معها الى بيتها كي نتناول قدحا من الشاي.وافقنا على طلبها بشرط أن لانتأخر لاننا قضينا وقتا كثيرا خارج البيت. كان بيت ميسون جميلا مرتبا أنيقا لدرجة لاتوصف. جلسنا –أنا ومريم – في غرفة الضيوف بينما ذهبت ميسون الى المطبخ كي تعد لنا قدحا من الشاي.كانت مريم تنقل نظراتها في أرجاء المكان بتعجب وكأنها تجتر الماضي وتتذكر بيتهما عندما كانت تسكن مع عائلتها قبل التهجير القسري الذي حل بهم جميعا.

جاءت ميسون تحمل ثلاثة أقداح من الشاي الساخن..قالت مبتسمة وهي تضع ألأقداح فوق الطاولة ألأنيقة:” أرجو أن تتصرفا وكأن هذا البيت هو بيتكما..أنني أعيش وحيدة هنا منذ سنتين… بعد وفاة زوجي وولدي أمجد في تفجير الكرادة الشنيع.حاول أخي الكبير أن يصطحبني معه الى سوريا ولكنني رفضت بشدة وأخبرته بأني سأبقى في البيت لوحدي مهما كانت الظروف.ان هذا البيت يمثل كل شيء بالنسبة لي فهو تاريخ حياتي كلها ..لاأريد العيش بعيدة عن تاريخ حياتي وذكرياتي التي عشتها مع ولدي وزوجي..كل زاوية من البيت لها ذكريات جميلة معهما فكيف لي العيش بعيدا عن تلك الذكريات.

بعد ألأنتهاء من تناول الشاي وبعض ألأحاديث المتفرقة هنا وهناك قالت مريم بأن علينا الذهاب الى البيت لأن والدتها سوف تقلق عليها إذا تأخرنا وقتا طويلا.. نهضتُ دون أن أتفوه بكلمه واحده. الغريب في ألمر أن ميسون قالت بأنها سترافقنا الى السوق.نظرتْ مريم بأستغراب اليّ وكأن لسان حالها يقو” ولماذا نذهب الى السوق؟ أنتَ مصاب وأنا تاخرت عن البيت ..فما هو الهدف من الذهاب الى السوق؟”. ولكي تزيل علامات ألأستفهام التي ظهرت على ملامح مريم قالت ميسون بسرعة ” أقصد أن نذهب الى ألأسواق التي أملكها في الكرادة..من يدري قد تشتري مريم بعض الملابس المناسبه لها…لدي بضائع جيدة..إضافة الى ذالك أريد أن ابين لزميلي القديم مكان ألأسواق فربما يتشرف بزيارتي يوما ما؟. ذهبنا معها دون أن نعترض .

في اللحظة التي دخلنا فيها ألأسواق شعرتُ أنني في مكان خارج البلد..كان السوق – المحل- كبيرا جدا كأنه من ألأسواق التي أشاهدها في ألأفلام ..يتكون السوق من طابقين وكل طابق يحتوي على أقسام وفي كل قسم تقف بائعه في عمر الزهور وجميعهن يرتدين زي موحد. حينما دخلنا نهضتْ كل فتاة وكأن زوجة رئيس البلاد قد جاءت للتسوق. قالت ميسون بأنشراح” مريم كل هذا السوق تحت تصرفك …تستطيعن إختيار أي شيء وأنا أدفع.” تركتنا ميسون وأندفعت تعطي تعليماتها للفتياة جميعا. لم تتحرك مريم من مكانها بل مسكت ذراعي وكأنها تستنجد بي من شيء مكروه كان قد حل بها…دون وعي همستْ في أُذني ” أنت تعتبر لديك أسواق…أنظر الى هذا البحر من البضائع التي لم أر في حياتي مثلها من قبل..كم أنت مسكين؟ فجأة شعرت بالحياء والحسرة في نفس الوقت بيد أنني تذكرت الله سبحانه وتعالى وقلت” يرزق من يشاء بغير حساب…. وفضلنا بعضكم على بعض في الرزق”…دون أن أستأذن من ميسون خرجت من ألأسواق وبقيت واقفا قرب السيارة في إنتظار مريم التي نسيت نفسها حيث كانت تنظر هنا وهناك وكأن مسا من الجنون كان قد تلبسها.بعد أقل من نصف ساعة خرجت ميسون ومريم وهما يحملان أكياسا لاتعد ولاتحصى وهما يضحكان وكأنهما بنت وأمها.قالت ميسون بتهكم ومرح” يبدوا أن السوق لم يعجبك…لايهم ربما قد تأتي يوما ما وستجد شيئا يعجبك”.بدأت ميسون تضع الحاجيات في السيارة الى أن إمتلأت تماما وقالت وهي تغلق ألأبواب ” ألأن تستطيعا العودة..لدي أعمال كثيرة يجب عليّ إنجازها..أتمنى أن نلتقي في مناسبه أفضل”.

جلستْ مريم خلف عجلة القيادة وجلست أنا في المقعد ألأمامي وظلت ميسون واقفة الى أن إبتعدنا. كان تلو‘ح لنا بيدها اليمنى الى أن توارينا عن ألأنظار.كانت مريم صامته في البدايه الا إنها فجأة قالت :” قل لي كيف عرفت َ هذه المرأة النادرة في الوجود..حقا أت محظوظ..لقد أصرّت على إعطائي كل هذه الحاجيات..وأرسلت لك بعض ألأشياء كهديه..كانت تتكلم عنك بنوع من ألأهتمام وكأن هناك شيئا ما كان بينكما…كانت تتكلم بنوع من الحزن ولكنها لم تفصح عن كل شيء ..قل لي ماذا كان بينكما؟” أخذت نفسا عميقا ثم بدأت أتحسس ذراعي المصابة ..لم أنبس ببنت شفه وكأنني أتجاهل هذه الفتاة الجميلة التي هي بعمر إبنتي الوحيدة.حينما طال صمتي قالت مريم بتهكم” إذا لم ترغب في الحديث عن الماضي فأنت حر”. وراحت تضاعف السرعة كأنها غاضبه لتجاهلي اياها.أسندت رأسي الى الوراء وأغمضت عيناي ورحت أتكلم بصوت حزين” كم كنا أعشقها وكم كانت مخلصة لي..قضينا أربع سنوات في كلية واحدة .. وتعاهدنا على الزواج..كانت تقول لي بأنها فقيرة جدا وقبلت بها وحينما قررت الزواج منها قالت لي بأنها سترتب ألأمر مع أبيها…. وفي اليوم التالي جاء عدد من الرجال المدججين بالسلاح وطلبوا مني الذهاب معهم الى وزارة” ………………………..” كنت مصعوقا من كل شيء..الدهشه والخوف في نفس الوقت..وكان الوزير”……..” جالسا خلف مكتبه حينما دخلت عليه. نظر الي مطولا وأخيرا قال بهدوء”: عرفت أن ميسون تحبك وأنت تريد الزواج منها..أترك هذا الموضوع لأنني سأزوجها إبن شقيقتي إذا سمعتُ يوما ما أنك تتصل بها..سامزقك الى قطع صغيرة” وقبل أن أخرج أعطاني مبلغا من المال كنت أحلم بالحصول عليه لو أنني أعمل ليلا ونهارا لمدة سنوات. حاولت أن أرفض المال ولكنه قال لي ” إذا لم تأخذ المال سألقي بك في السجن لمدة سنه”.ومنذ ذالك اليوم لم أرها..مضى على ذالك سنوات طويلة كنت خائفا حتى من التفكير بها لهذا اليوم. نظرت الي مريم بزاوية عينيها وزفرت زفرة طويلة وهي تقول” أيها المسكين…حقا أنت مسكين”.صمتت قليلا ثم أردفت قائلة” ميسون قالت لي أن أقول لك بأن والدها قد قتل في حادث سيارة …كافة أقاربها هاجروا الى خارج البلاد بعد إشتداد الحوادث الطائفية..هي ألأن تعيش وحدها وفي أمسّ الحاجة اليك”.وصلنا الى –دكاني – الصغير..أوقفت السياره..فتحت الباب وراحت تخرج البضائع وتضعها أمام بوابة الدكان الصغير دون أن تهتم لتعجبي ..حينما أفرغت كل محتويات السياره قالت” تقول ميسون كل هذه المواد لك..لأني أقسمت لها بأنني لن أصطحب أي شيء للبيت لأن أمي لاتقبل أن تأخذ أي شيء من أي أحد..أخبرت ميسون عن –دكانك- فقالت خذي هذه المواد لدكانه لأنه لن يأخذ أي شيء مني”. ركضت الى سيارتها وقبل أن تنطلق قالت بصوت مرتفع” غدا سأشتري كل هذه المواد منك ..لاتقاق” إنطلقت وهي تضحك بصوت مرتفع..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب