تعرف السياسة :-فن ادارة الازمات ،وهي تحتاج لنظرة عميقة وخبرة عالية ، فعالم السياسة عالم متشعب مليء بالتناقضات،والمفاجئات والاحداث السريعة ويحتاج لقدرةٍ عميقةٍ لترتيب الأفكار، واستنتاج العبر، والتنظير، والخروج بنتائج عميقة وصحيحة؛ لأنّ السياسة في الدرجة الأولى تعتمد على التحليل الدقيق، والتكتيك الذكي، ومحاولة إمساك خيوط المواقف؛ للخروج بحلول من المشكلات والازمات او الخروج باقل الخسائر ،واقناع الاخرين بالتفاهمات والحوارمن خلال امتلاك مهارة القيادة،والحنكة والإدارة، والقدرة، والتأثير على المواقف بمهارة فائقة،
من المهم جداً معرفة علم السياسة بانه علم عميق جدا تطفوا فيه القيم والمثاليات والاخلاقيات، واحيانا تنحدر وتنحسر فلا مواقف ثابتة ابدا في موازيين السياسة، وكل معادلات السياسة قابلة للتغييرات حسب طبيعة الظرف والمواقف والمصالح، ولا مجال فيها ايضا لإرتكاب الاخطاء اللا مدروسة ،لأن الأخطاء في عالم السياسة كارثية. يتسم عالم السياسة بنظام تسلسلي معقد للاحداث، تفرزه ادوات السياسة المنظمة وايديولوجياتها الموجهة سواء تنظيما قابلا لخدمة المصالح العامة او يصب في خدمة المصالح الفئوية والشخصية ، وتدار البرامج من خلال المنظومات السياسية الكبرى المهيمنة والمستحوذة على مصادر القوة السياسية في سلطة القرار والمال وتمتلك مقومات النفوذ والمؤسسات .
حيث أنه لا مكان للصدفة في عالم السياسة، فلا يحدث شيء بشكل اعتباطي، مهما بدا كذلك إلا أن ثمة أياد خفية تحرك الواقع السياسي كما يحلو لها،وفق اجنداتها وظروف وواقع الاحداث التي تتحكم بها . او قد يعتمد على الرؤية التخطيطية في عملية البناء السياسي وصناعة القرار وجميعها تؤدي وتساهم في صناعة وبلورة النتائج الاخيرة من مخرجات وعوامل التخطيط السياسي ولكل فعل رد فعل اخر في موازات الخط السياسي .
شهدت العملية السياسية في العراق ازمات خطيرة ومنزلقات كثيرة ادت الى كشف عيوب النظام السياسي وفشل عملية التخطيط والادارة السياسية في العراق بالمجمل . من يديرها ومن يقف وراءها وادت الى حدوث الصراعات الطائفية والاثنية بين المكونات وحالات انشقاقات داخلية وضرب النسيج المجتمعي والدمار والفساد الذي خلفته على كافة المستويات الاقتصادية والامنية والخدمية والسياسية. ان هذا الفشل من وجهة نظر الداخل العراقي، اما من وجهة نظر الخارجي انه نجاح لادارة سياسية تعمل خلف الكواليس تسعى لتحقيق مصالحها واهدافها تدمير العراق واضعافه كقوة في الشرق الاوسط والمنطقة العربية وشرذمة المجتمع والسيطرة على موارده.
فمن الناحية التسلسلية للاوضاع السياسية في العراق جاءت من خلال مخرجات عملية سياسية تمت ادارتها بشكل منظم لتحقيق اهدافها من احتلال العراق، وحل المؤسسات العسكرية واقامة الدستور مثير الجدل وبناء العملية السياسية على اسس طائفية ،وما تلتها من احداث في زج عناصر تنظيم القاعدة الى العراق بعد تدريبها واعدادها ودعم الميليشيات المتطرفة ومرورا بمؤامرة داعش التكفيري، واخيرا وليس اخرا المؤامرة الجديدة التي تسعى الى ادخال العراق في فوضى شعبية وفراغ سياسي في المطالبات الاخيرة في الطعن بنتائج العملية السياسية، وتشكيل حكومة الانقاذ الوطني . بلد يطفوا على جبل من المؤامرات والدسائس الخارجية، وذيول التبعية من العملاء والخونة .
لكن الرد السياسي اليوم هو عراقي بعد صحوة سياسية عراقية متمثلة في جبهة الاصلاح الوطني الساعية الى تشكيل حكومة وطنية وفق مشروع مدني وبرنامج اصلاحي شمولي وحكومة تديرها شخصيات وطنية وكفوءة اختصاص تكنوقراط عابرة للطائفية والمحاصصة السياسية تحت ظل دولة مستقلة راعية لكل مكونات الشعب العراقي سميت “بالحكومة الابوية ” المنفتحة في تشكيلها على كل القوى السياسية الاخرى المؤمنة بالمشروع الاصلاحي للنظام السياسي ومعالجة الفساد ومحاسبة الفاسدين . وفي زحمة اللقاءات والحوارات السياسية بين الاحزاب والكتل الفائزةوبين الخاسرين في الانتخابات البرلمانية الساعين الى عرقلة جهود تشكيل الحكومة القادمة وفي ظل منافسة داخلية محمومة بين عدة اطراف متنافسة اخرى للفوز بتشكيل الكتلة الاكبر توقفت مساعيها امام التطورات السياسية التي بلورت نتائجها من خلال مجريات التطورات السياسية في تشكل فريقين من القوى السياسية فريق يجمع القوى المؤمنة بحصتها ومقاعدها الانتخابية وخصوصا ماجرت من كارثة حرق مخازن الرصافة التي تحتوي صناديق الاقتراع بغية استبعاد هذه النتائج من العملية الانتخابية والتي تعتبر المقاعد الأوفر حظا لكتلة سائرون والفتح من حيث ثقل جماهيرها في الرصافة . وبين القوى الاخرى الرافضة لمخرجات العملية الانتخابية .وقد يكشف التحالف الاخير لكتلة الفتح المدعومة من إيران مع التحالف الثلاثي بقيادة سائرون قوة الجبهة التي انخرط اليها تحالف الفتح كونها الاقرب الى تشكيل الحكومة القادمة وليس هنالك خيار اخر يضمن سلامة المصالح الداخلية والخارجية الا بالانضمام الى هذا التحالف بعد ان خرج المالكي من اللعبة السياسية والرهان الخارجي .وان هذا الانضمام بحد ذاته ضرب للمؤامرة وخيوط الفتنة التي راهن البعض عليها.حتى فرضتها خارطة السياسة والتطورات والاحداث الجارية لكن لا بد من استثمار هذا التحالف السياسي الاستثنائي الى عامل وطني يؤمن الجبهة الوطنية من الاصطدام والحساسية في ظروف سياسية معقدة وجماهير مشحونة ومتوترة .
ان ملامح هذا التحالف الجديد في ظل عوامل داخلية وخارجية مؤثرة على الساحة السياسية وتداعياتها ،وفي ظل التطورات والجدل الكبير على العملية الانتخابية فان هنالك عوامل جديدة في المواجهة القادمة سياسيا لامتصاص الضغط الخارجي كقوة ايجابية والتأثير على المشرع في اتخاذ قرار وطني منصف ومتوازن لكل القوى السياسية ، من خلال بلورة رؤية وطنية مشتركة وقرار وطني مستقل مدعوم شعبيا تأخذ في عين الاعتبار المصلحة الوطنية العليا للبلاد واقامة تفاهمات وحوارات موضوعية ووطنية مع القوى المعترضة على نتائج الانتخابات للخروج بحل تشكيل الحكومة على اسس وطنية تحافظ على الهوية الوطنية وحقوق المكونات وتفعيل البرلمان كجبهة معارضة وتفعيل دور المؤسسات الحكومية للنهوض بواقع العراق ومستقبل امنه وشعبه وسلامته. ففي عالم السياسة كل امر وارد وكل تحالف قائم، وكل عدو في السياسة ليس دائم ،شرط توظيف هذا التحالف الى خدمة مصلحة الشعب .وبلورة أهدافه الوطنية لخدمة المجتمع ومصلحة العراق.