23 ديسمبر، 2024 1:39 م

تحالف بكين وطهران تهديد لنفوذ واشنطن في المنطقة

تحالف بكين وطهران تهديد لنفوذ واشنطن في المنطقة

يقال إن هناك تفاصيل يومية ونقاط تحول في العلاقات الدولية، والدول الكبيرة تتابع التفاصيل اليومية ولكنها تتوقف كثيرا أمام نقاط التحول، ولذلك توقفت الدول الكبيرة طويلا أمام التطور غير المسبوق بين بكين وطهران مؤخرا.
فما هو الملفت للنظر إذا علمنا أن العلاقة بين الصين وطهران جيدة جدا منذ سنوات طويلة؟، في واقع الأمر أن الملفت هو أمرين: الأول/ إنتهاء الحظر الأممي المفروض من مجلس الأمن على حظر بيع السلاح إلى إيران بتاريخ 18/ أكتوبر الماضي، مما قد تستطيع إيران أن تشتري السلاح من الصين كمنظومات تسليح قد تغير من موازين القوى في المنطقة، أما الأمر الثاني/ أن العالم اكتشف بالصدفة حجم الشراكة التي يعتزم البلدين إقامتها فيما بينهما، فالبلدين قد وقعا على اتفاقية شراكة إستراتيجية عام 2016 عند زيارة الرئيس الصيني إلى طهران والتي بقيت طي الكتمان، إلى أن تسربت مسودة الاتفاقية التي كانت عبارة عن 18 صفحة باللغة الفارسية ووصلت إلى صحيفة نيويورك تايمز وبعدما تمت الترجمة أصبحت تفاصيل الاتفاقية بيد الإعلام الغربي والشرقي وسط ذهول أغلب دول العالم، فكانت الاتفاقية باختصار عبارة عن “إن الصين ستقوم بإدخال استثماراتها الهائلة في السوق الإيراني، والتي ستصل إلى حوالي 400 مليار دولار في كل المجالات الحيوية من طاقة وبنى تحتية واتصالات وإنشاء موانئ بالإضافة إلى تعاون أمني واستخباراتي وعسكري…، في مقابل أن إيران ستمنح الشركات الصينية امتيازات وتمد الصين بكل ما تحتاجه من النفط والغاز بأسعار تفضيلية لمدة 25 سنة”.
الجدير بالذكر، إن هذه الاتفاقية لم يتم التوقيع عليها رسميا من البرلمان الإيراني ولكن المسؤولين الإيرانيين اقروا بصحة ما جاء في المسودة المسربة، وإن كان بعضهم أنكر دقة المسودة نفسها، على الرغم من تصريحات وزير الخارجية الإيراني والرئيس حسن روحاني التي تشيد بمباركة هذه الاتفاقية وأهميتها للبلدين ووصفه بالاتفاق المهم جدا.
فما هي أهمية هذه الاتفاقية، وكيف يمكن لها أن تكون نقطة تحول؟، للإجابة الواضحة عن هذا التساؤل سأستشهد بعبارة أطلقها المفكر روبرت كابلن الذي يعد من أهم المفكرين الستراتيجيين في الولايات المتحدة، فقد وصف التحالف بين الصين وإيران بعبارة واحدة قائلا بأنه (تحالف لا يهزم)، فلماذا يتم وصف هذا التحالف بأنه لا يهزم؟، أعتقد ببساطة لأن الصين لديها كل ما تحتاجه إيران، والأخيرة لديها كل ما تحتاجه الصين، فإيران تبحث عن بلد غير خاضع للنفوذ الأمريكي ولديه قدرات مالية هائلة جدا من أجل إنقاذها اقتصاديا بعد حصار وسلسلة عقوبات طالتها منذ أكثر من 40 سنة، وأن يكون لديه قدرات تكنولوجية في قطاعات مختلفة خصوصا الستراتيجية منها كقطاع التسليح بالإضافة إلى امتلاكه قدرات وقوة دبلوماسية، فكانت الصين متوافقة لما تبحث عنه إيران ولأنها تمتلك كل الخبرات العلمية والاقتصادية والسياسية والحربية.
الأمر المستغرب أن الصين بحاجة شديدة إلى إيران!، لأن الأخيرة تمتلك التأمين الكافي للطاقة، وهذه النقطة تعتبر نقطة ضعف واضحة عند الصين، لأن اقتصاد الصين كله يقوم على فكرة استيراد المواد الخام من دول الشرق الأوسط وأفريقيا على وجه التحديد وهذه المواد الخام تذهب إلى الشركات والمعامل في الصين وتخرج منها منتجات نهائية إلى كل دول العالم، إذن فما هي الحاجة هنا إلى إيران!، المشكلة تكمن في هذا المحور أن كثيرا من المواد الخام التي هي عصب الاقتصاد الصيني تأتي من دول هي تحت النفوذ الأمريكي وتمر عبر ممرات ملاحية خاضعة للنفوذ الأمريكي، فمثلا النفط، 50% من احتياجات الصين تأتي من منطقة دول الخليج وعلى رأسها السعودية، ثم يمر النفط من الخليج وصولا إلى الموانئ الصينية وهذه الممرات المائية خاضعة للنفوذ الأمريكي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مما يعني أن الولايات المتحدة تستطيع خنق الاقتصاد الصيني في أي وقت تشاء مما قد يؤدي إلى خسارة الصين في أي مواجهة محتملة دون أن يطلق الأمريكان طلقة واحدة في الهواء.
الصين مدركة لهذا الخطر بشكل واضح وتعمل على أمرين: الأول/ تطوير ترسانتها العسكرية والبحرية بصورة مستمرة، لكن هذا الأمر يحتاج إلى سنوات طويلة بسبب وجود الفرق الكبير ما بين قوى الأساطيل الأمريكي والصيني، الثاني/ هو البحث عن بديل لمصادر الطاقة بعيدا عن المعسكر الغربي وقد وجدته في روسيا وإيران، فالأخيرة تعتبر ثاني أكبر بلد في العالم من حيث احتياطات الغاز بعد روسيا بالإضافة إلى امتلاكها احتياطات كبيرة من النفط، وإمكانية مد أنابيب أرضية بين إيران والصين للتعاون النفطي بعيدا عن الممرات البحرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة.
كما أن أهم مشروع عند الصين والذي يكفل نجاحه أن تكون كقوى عظمى هو مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير)، ومن أجل أن ترتبط الصين بكل دول أوروبا لابد من مرتكزات تستند عليها ومن هذه المرتكزات هي إيران لموقعها البالغ الأهمية لأنها تربط الشرق بالغرب منذ القدم، بالإضافة إلى أن موقع إيران يتوسط أهم مركزين للطاقة التقليدية، دول الخليج من ناحية ومنطقة بحر قزوين من ناحية أخرى في القوقاز الغنيتين بالطاقة.
من جانب آخر، أن التحالف الإيراني الصيني بهذا الحجم والتحول لابد أن يكون في مواجهة تحديات كبيرة منها: ماهي الضمانات لإيران من أجل عدم تحول التنين الصيني إلى مفترس لكل دول المنطقة على حساب إيران المسيطر عليها اقتصاديا، وما مدى استجابة الصين لرغبات إيران في إخراج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط، الذي لن يصب في مصلحة الصين في الوقت الحالي لتوفير حماية الأساطيل الصينية في هذه المنطقة الملتهبة، فهذه التحديات وغيرها ربما كانت وراء تأخر إبرام الاتفاقية بصورة علنية وبإمكان أن يصل الطرفين إلى الحل المناسب من أجل المضي قدما في الاتفاقية أو إنهاءها.
فلو قلنا مثلا أن الطرفين اتفقا على مواجهة هذه التحديات وغيرها ما الذي سيحصل؟.
أولا/ إن إيران ستتحرر نهائيا من كل الضغوط الغربية وبالتالي فأنها لن تهتم للعقوبات الأمريكية وتصبح أكثر قوة للدفاع عن نفسها، مما يضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ثانيا/ الصين ستكون أكثر تحررا أمام الضغوطات الأمريكية بسيطرتها على الممرات البحرية التي تعتبر كطوق خانق أمام الاقتصاد الصيني، فتكون أكثر جرأة للمواجهة الاقتصادية أمام الولايات المتحدة.
لذلك لن تقف الولايات المتحدة وحلفاؤها المتضررين من هذا التحالف مكتوفي الأيدي بل سيسعون بكل وسيلة للحيلولة دون عقد هذه الاتفاقية خشية من مستقبل يسيطر عليه النفوذ الصيني- الإيراني، ولضرب هذا التحالف لابد للولايات المتحدة وحلفاؤها العمل على تقديم التنازلات أمام الصين بما يغنيها عن إيران، أو إغراء إيران بما يغنيها عن الصين، فالاحتمال الأول صعب جدا لوجود إجماع أمريكي سواء من الديمقراطيين أو من الجمهوريين على أن الصين هي الخطر الأكبر على الولايات المتحدة، ما يعني أن الأقرب للمنطق أن تسعى الولايات المتحدة لمحاولة إغراء إيران بحيث تنتزعها من الاتفاق مع الصين من خلال تخفيف العقوبات المفروضة وتوفير ما تحتاجه إيران بعيدا عن الصين، مما يعني سيكون هناك تضرر للحلفاء العرب كما حصل بعد الاتفاق النووي 2015 ولكن سيكون أقل تضررا عليهم إذا ما استمر التحالف الصيني- الإيراني.
…………………………………………………………….
* كاتب صحافي ومهندس زراعي
07817238211