بعد شهر واربعة ايام من احراق اسرائيل للمسجد الاقصى في 21/ اغسطس /آب/1969 – الحدث الذي توقع العالم ان يفجر مشاعر المسلمين فيسخّروا دمهم ونفطهم ومالهم وحلالهم وحرامهم من اجل الدفاع عن كرامة المسلمين المتمثلة بالقدس وقبة الصخرة، وبدلا من صولة فرسان الامة الاسلامية لتحرير القدس تماماً من الاحتلال الصهيوني – توجه ممثلو الدول “الاسلامية ” على اختلاف بدلاتهم وعمائمهم ودشاديشهم الى الرباط بدعوة من ملك المغرب لعقد مؤتمر اعلنوا فيه تاسيس كيان يضم الدول الاسلامية كافة لمعاقبة اسرائيل على فعلتها في ظل خلاف لم يحسم حتى اليوم حول ” معنى الدولة الاسلامية “
تنفست اسرائيل الصعداء بعد هذا الانجاز الاسلامي القومي الديني العظيم ! . الذي اكسبها حق الرد من اول بيان للمؤتمر .. فقد اعلنت للعالم ان دولتها اليهودية الصغيرة جدا اصبحت تحت رحمة سبع وخمسين دولة اسلامية مفترسة ، وان سكانها الذين لايتجاوز عددهم بضعة ملايين نصفهم من اليهود مهددون من 1750 مليون اي مليارين الا ربع مسلم سكان الدول الاعضاء . ومازادها اطمئنانا اكثر ان العرب هم المبادرون ، فقد اسسوا كيانا اداريا جديدا اسمُه اكبر من فِعْلِه كالعادة وسيدخلون في تنافس وعراك وقلة تدبير وروتين المؤتمرات السنوية لهذا الكيان وستنسى كبرى القضايا الجوهرية الملحة واولها احراق الاقصى الذي تشكل المؤتمر من اجله . ذلك التجمع الخائب الذي تحول من مؤتمر لردع اسرائيل الى انشطة ثقافية فلكلورية كان في حقيقته حجابا سميكا فعلت وراءه اسرائيل بالفلسطينيين والعرب طيلة ستة واربعين عاما اعقبت تاسيسه مالم تفعله جهنم بالمشركين. وتحولت الى قوة عظمى في المنطقة تتفرج على خراب ” الدول الاسلامية ” واولها الدول العربية التي انقسمت بين من اشتعلت برمتها وتشرد شعبها ،و دول تقاوم العدم، ودول مازالت متهسترة تبحث عن تحالفات تقيها لعنة الماضي وعقاب المستقبل .
استعيد هذه التجربة الخائبة التي تلطخ بها تاريخنا العربي المخجل اليوم في دهشة من الاعلان عن تحالف اسلامي مسلح لاعلاقة له هذه المرة اطلاقا لا باسرائيل ولا بنشر الاسلام المحمدي الى اقاصي الارض .انما لمكافحة “الارهاب” الذي يرهب ويجرم ويقتل باسم الدين ويُصدَّرُ ادوات وثقافةً من ذات الدول الداعية للتحالف بوصفها سكرتاريات كبرى للدين الاسلامي.
اللافت في الامر ان اغلب الدول الـ 34 التي أُعلن عن اسمائها اعضاء في هكذا تحالف استراتيجي وامرٍ غاية في الحساسية لم تُبلّغ رسميا بصورة مباشرة بدليل رفضها او تحفظها او مطالبتها بتفسير للمهام القادمة وطببيعة العلاقات بين المتحالفين واهداف التحالف وآليات عمله. مما يشير حتما الى ان تلك الدول التي سمعت اعلان الخبر منتصف الليل بتوقيت مكه وقت نوم المسلمين أي في تمام السادسة مساء بتوقيت واشنطن وقت شغل الامريكان ، قد تم تبليغها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا الواتساب كونه يستوعب خارطة الطريق التي تريد السياسة السعودية الشبابية ارشاد الدول الاعضاء اليها. مبررة تسرعها في كلمة لولي ولي ولي العهد الصاعد بـ ( تأسيس التحالف في أسرع وقت ممكن ( .
واذا كان مؤتمر الدول الاسلامية او منظمة التعاون الاسلامي قبل اربع واربعين سنة واجه مشكلة تعريف الدول المسماة “اسلامية” وأسعد قلب اسرائيل رغم انه ادعى التوجه ضدها ، فالتحالف الجديد المبارك من جميع مراكز النفوذ التي تريد الفتك بدول المنطقة سيواجه هذه المرة معضلة تعريف “الارهاب ” . لاسيما ان غياب دول عربية مؤسسة للاتحاد السابق مثل العراق وسوريا يكشف بسهولة عن انياب هذا التحالف المؤسَّس على انقاض مؤامرات وحروب عربية عربية واسلامية اسلامية انجبت داعش الذي خلط اوراق الفتاوى الدينية وقدم صورة اجرامية صارخة محرّفا ادبيات الدين الاسلامي .الامر الذي يوجب على دول تدعي رعاية الاسلام ان ترسل الى العالم رسالة سلام مضادة لماحصل .لا ان تؤسس تحالفات غامضة تنذر باشعال الارض العربية وحدها بماعليها .