الحقيقة التي تتغاضى عنها وجوه السياسة الملائكية هي انهم قد فقدوا الاهلية الشرعية ولم يعودوا يمثلون الا انفسهم بعد ان تنابزوا على تلك الطاولات التي اثقلت الجمهور واوصلت الواقع العراقي الى درجة اليأس والرثاثة ولم يعد بامكانهم ان يقدموا الا زخرف القول من الخطابات المنمقة والمترفة واعادة تلك الصياغات مرات ومرات في حلقة مفرغة من التناقض السياسي التي لم تستطيع ان تكسر القيود والحواجز لكي تخرج الى الجمهور بخطاب متجدد يضع كل التراكمات والاخطاء الجسيمة التي يعترفون بها جهرا على طاولة مفتوحة ثم يبدا الانطلاق من نقطة شروع تعمل بعقلية وفكر متجدد يمتد عمقه الى الواقع الاجتماعي لتترابط الاواصر بين الطبقة الحاكمة والقواعد الشعبية ليبدأ السير بخطى ثابتة ومستقيمة نحو اهداف مستقبلية تحضن الوطن وتستحضر له هوية واحدة تبعث الاطمئنان والاستقرار في النفس العراقية الحائرة بين قواهر السلطة وعصبية الموروث وخواء المفاهيم لتنقل المجتمع من حالة الاعياء والخراب الى حالة البناء والانتاج .
هي نفس الطاولة ونفس الزعامات ونفس الكراسي الغائبة الحاضرة التي أخذت المشهد السياسي بعيدا عن الموضوعية والمنطق والتخطيط وجعلته يدور في حلقات مستعصية لايمكن فك طلاسمها بمعطيات عقيمة وان بدت حديثة لأنها بعيدة تماما عن اي اتجاه يؤدي الى استقرار سياسي يمكن من خلالة استنباط قرارات حكومية متوحدة الرؤى في المسارات المفصلية التي تدخل في التركيب البنيوي للدولة , وظلت تلك الرؤى تعتمد على معطيات تنبثق من الفشل والفساد والعبث واخذت تراوح في حركتها على الفعل ورد الفعل وليس على استراتيجية واضحة تحت خيمة الهوية العراقية واصبح اغلب المتحكمين بتلك الطاولة في صراعات خاوية من محتوى الارادة الوطنية وتنساق دائما الى الدوران في الاستحصال والتنافع والسلطة , وصار واضحا ان كل تلك التحالفات هي لتثبيت قوائم تلك الطاولة التي اثقلت كاهل الشعب ولا زالت تثقله باستنتاجات واحاديث تكتب بأيدي النفاق وتغرق في التنظير وفكر وعاظ اولي الامر منا , فلا يمر علينا يوم ولا ساعة الا وتطل علينا نواعيقهم بخطابات يكون تأويلها حسب الظرف الزماني والمكاني حاضراً لتكون هي الحل الاوحد والخلاص العظيم وكل ما يعارضها فهو لغو وضلال مبين , فمرة تأخذنا الدعوات الى هيكلة الدولة ونحن نعيش بزمن اللادولة ومرة تدعو الى اصلاح المسار الاقتصادي والامني والخدمي وواقعها في انهيار وتبعية مالية واقتصادية وتشتت في القرار الامني لتعدد الجهات وعدم وجود مرجعية مركزية لها , وها نحن في الدعوة الكبرى الى تحويل التحالف الى مؤسسة بعملية قيصرية سميت ” مأسسة ” لعلها تكون حلا ناجعا وهي تخلو من اطار دستوري وقانوني فما هي صورة تلك المؤسسة وما هو توصيفها وكيف يمكن الحد من ان تتوجه الكتل الاخرى الى تفعيل تحالفاتها وتحويلها الى مؤسسات حزبية متناثرة تدير العراق بدون ركيزة علمية ولا ثروة مادية ولا كفاءات تصلح للقيادة وهذا بالطبع سيمسخ اي مشروع للدولة بمفهوما المتعارف عليه , وما حديث الكتلة العابرة الا وهم وتناقض يراد به الالهاء والتضليل لأنه ينبع من تحالف أُسس ليكون ضمن التوجه الطائفي والدعوة الى تأسيس مثل تلك الكتلة ماهو الا اعتراف ضمني بان العملية السياسية قد بنيت على اسس خربة استغلت العقيدة والدين لتثبيت السلطة , وهذا دليل على قصور في الفهم وتدليس على النظام الديمقراطي الذي تتناقض الياته مع تشكيل مثل تلك الكتل أو التحالفات لتكون المشاريع والبرامج هي التي تعبر حدود المحاصصة السياسية والمكونات , لأنه وبكل بساطة مفهوم الديمقراطية يعتمد على الاغلبية السياسية التي تاخذ على عاتقها اعداد البرامج الخدمية والانتاجية والمناهج الثقافية والتربوية لتبعد وسواس الطائفية وما يتبعها من الرموز والزعامات من ان تمتد اذرعها لمؤسسات الدولة ومفاصلها الحيوية .
لم يعد الشعب غافلا عما يعملون واصبح الوعي يتنامى ليدركوا ان العملية السياسية لايمكن ان تدار من سلطوية التحالفات التي تدار على تلك الطاولات وهي عاجزة عن تقديم حتى مثقال ذرة من الانجازات التي من المفروض ان تقدمها حكومة اهدرت المليارات على الامتيازات والمخصصات وبات الافلاس السياسي والجماهيري واضحا حتى من الطائفة التي يدّعون الدفاع عنها بحجة المظلومية وقد استشعر صناع تلك الطاولة بأن هناك تخوفا وقلقا واضحا من ان تُقلب من اعمدتها المراد لهم ان يؤسسوها على بعضهم بعضا , فأتى الامر واضحا ان عليكم ان تجتمعوا ما استطعتمم لذلك سبيلا حيث ان القراءات السياسية على المدى القريب تؤشر بان هناك تعبئة يراد منها قلب الطاولة وقواهرها السلطوية فجاء الامر من ولاتهم بان من ينقلب على عقبيه سيذوق الحرمان وسيكون من المبعدين , ولكن كل تلك المخرجات لم تلاقي اي ترحيب من العامة التي طالبت بالاصلاح الحقيقي والتي تيقنت بان تلك الطاولة لن تكون منبرا صادقا له لكونها البؤرة التي انطلق منها كل ذلك الخراب وانهم لن يجتمعوا على كلمة سواء حتى وان اصبح بعضهم لبعض ظهيرا , وسيكون الانجاز الوحيد المتحقق هو اعلاميا انتخابيا يباع في سوق السذاجة بابخس الاثمان ليعلنوا ان القوى المؤلفة مصالحهم قبل قلوبهم قد رفعوا قواعد البيت الذي لم يبنى في الاصل من اساسه حيث ان العملية السياسية في العراق الجديد في حالة رخوة منذ تاسيسها وقد فشلت كل محاولات الاصلاح – ان كان هناك اصلاح – وفشل تبعا لذلك بناء مشروع الدولة من الداخل وتزامن مع ذلك الفشل عمليات الهدم من الخارج وهذه نتيجة واقعية فكلما كانت الدول رخوة وضعيفة اصبحت مطمع لكل قوي , وقد ادى تفاقم هذا التراكم من الفشل والفساد وانعدام العدالة الاجتماعية وغياب الهوية بجعل مؤسسات الدولة نفسها عبئا على المجتمع ولابد من ان تكون القواعد التي اسست كل تلك التراكمات هي المسؤولة عن واقعنا اليوم وعن التغييرات الكارثية المتوقعة على المدى القصير , لذا فأن الصراع اليوم ليس مع الطائفة والقومية والمحاصصة وانما مع الطاولات المستديرة ومع قوائمها التي أرست تلك المفاهيم ومع ما انتجت من قواهر السلطة .